تخليص ضمير من الأفلام القبطية

رصد سريع للخل المريع




   أحاول بهذه الورقة في عجالة سد فجوة في إنتاجي النقدي المتواضع للحال الكنسي القبطي المعاصر.. ولم يكن مريحاً لي وأنا الشغوف بالدراما والتي مارستها كنسياً من طفولتي وفي بكور شبابي، حتى تركت ما يقدّره بعض المحبين المحيطين، على معدوديّته، على أنه علامة، لم يكن مريحاً أن أرى كل هذه الأفلام القبطية المحبطة دون أن أترك تسجيلاً لنقد، لاسيما وكنت كلما شاهدت أحدها أو حتى أسماء بعض القائمين عليها أصابني في صميم كياني خطأ مُغيظ حتى صار بيني وبينها غيظ شخصيّ متكامل روحياَ وفنياً وبشرياً.. 

   وفي حدود كل ما شاهدته مما أُنتِج حتى سنة 2003 (وهو ليس بقليل) أستثني عملاً واحداً من الأخطاء الوارد ذكرها هنا، وهو فيلم السائح القس عبد المسيح المناهري، الذي وبكل أسف وقع منتجوه تحت طائلة المثل القائل "الحلو مايكملش" إذ صدّروه في "التتر" بمجاملة سكرتير البابا بتتقديمه قبل بقية الأساقفة وفي لوحة انفرد اسمه بها خلاف الباقين الذين جمعوا أسماءهم في لوحة واحدة تالية للسكرتير، متجاوزين الأقدميّة الأسقفيّة، والأخطر من ذلك متجاوزين الحق الأدبيّ لأنبا مينا ناشر السيرة ومصدر كل البيانات تقريباً :(( 

   والآن وبضمير مستريح كل الراحة لا تجرحه ولا حتى تقلقه قسوة الكلمات أسوق أوجه أخطاء أفلامنا (التي شاهدتها حتى 2003) مع إيراد مثل أو اثنين على كل وجه، ولعل أفلام ما بعد 2003 تكون قد برئت من تلك الأدواء، ولعل الأحباء يشيرون عليّ بمشاهدة ما يرشحونه، مع تحذير لازم وهو أن يتأنوا كثيراً قبل إعطاء أصواتهم لأي فيلم لأنني فقدت طاقة الصبر على ما بهذه الأفلام من عوار، لا يحرمه من الترقية لرتبة "عار"، حين يشطّ في بعضها، إلا قلة شأن تلك الأعمال!!...



خلل روحيّ: 

   قلما يظهر أحد آباء الرهبنة المعدودين لاسيما أنبا مقار إلا وهو ينوح بإفراط.. وفضلاً عن كونه تاريخياً يخالف الواقع فهو في المقام الأهم خطأ روحيّ وتعليم فاسد وصورة منفرة لقيمة التوحد وصورة الأب الراهب.. ولو كان أنبا مقار، مثلاً، ينوح إلى نهاية أيامه بهذا الشكل المفرط الساذج لما عاش أصلاً حتى بلغ نهاية أيامه، ولما استحق الكرامة وطيب السيرة.. للبكاء وقت وللفرح وقت، ولكن للأسف صار للأفلام القبطية وقت ولعاثر حظنا أننا عشنا في هذا الوقت.. 


خلل عقديّ (عقائديّ): 

   في أحد الأفلام (عن طيب السيرة الراهب أندراوس الصموئيليّ) يضع كاتب الحوار على لسان الراهب اندراوس قبل رهبنته سؤالاً لمرتل الكنيسة، يسأله هو الله واحد ولا تلاتة.. فينزعج المرتل من السؤال ويجيبه بلهجة متوترة قاطعة التوتر: مين جال كدة؟ الله واحد طبعاً.. ويمضي الحوار: الله يا ولي له صفات كتيرة، احنا اخترنا تلات صفات منهم وبناديه بيها.. يا للخيبةّ اخترنا تلات صفات؟ نقاوة هيّ؟ ولماذا سمينا الثلاث الصفات التي "اخترناها" آب وابن وروح قدس؟ ومن هم نحن الذين نختار؟ وإذا كان الذي اختار هو الكتاب المقدس فلماذا لم يفدنا بأنهن ثلاث صفات من بين الكثيرات؟ وإذا كان ذلك كذلك فماذا يمنع ان نناديه بأربع صفات أو خمسة؟ أو اثنين فقط؟ الأكادة أن الفيلم مراجعة أنبا فلان وأنبا علان وأنبا وجع قلب وأنبا وجع بطن...

   وفي فيلم آخر (مراجعة بعض الأنبوات أيضاً) عن القديسة مارينا (لا مجال لفحص تاريخية القصة الآن فالفقرة عن الأخطاء العَقَدية) تسأل أبلة المربية الفاضلة الطفلات: حد يقدر يقول لي بابا يسوع كان بيصلي لمين؟ فترفع يدها أذكى أخواتها الطفلة المعجزة مارينا (السخرية الواجبة من مارينا الفيلم وليس مارينا الحقيقة) وتطلب أن تجيب فتأذن لها أبلة المدرسة فتفيدنا بالآتي: "بابا يسوع اللي عالأرض بيصلي لبابا يسوع اللي في السما"، فتصيح الأبلة: برافو يا مرينا، وتشير على زميلات مارينا بالانتفاع بإجابة الطفلة المعجزة، وينتقل المشهد لأبيها الوثنيّ وهو يبخّ وجوه أتباعه الوثنيين في سفاهة تليق بالفيلم ولا تليق لا بمارينا ولا بكونه فيلم دينيّ، وإن كنت أخشى أن يكون لائقاً بذهن وضمير من يشاهده.. 


خلل أخلاقيّ: 

   في فيلم يوستينا يعرض الوثنيّ عليها الزواج، فترفض لأنها تنوي التبتل، وكأنما لو لم تتبتل فزواجه من الوثنيّ جائزة.. يقول مدافع أريب: ولكنها في ظروف اضطهاد، ويكفي ان تحقق غرضها وتسد الباب أمامه بأية حجة كانت، والمهم أنها لم تتزوجه، وأجيب الأريب أن العمل أصلاً للتعليم، والمتفرج له من البلاهة ما يصل لدرجة التغافل عن كل البلاوي الواردة هنا وغير هنا، ولما كان العمل غرضه التعليم فقد أتاح المشهد فرصة (لازمة وملزمة) لإيضاح أمراً تحاربه وسائل الإعلام الإظلامية المجرمة.. 


خلل تاريخيّّ: 

   لن أشير وأؤاخذ على ظهور كل الرهبان تقريباً بقلنسوات لم تعرفها البرية المصرية قط حتى عصرنا الحاضر حينما فرضها بطريرك هذا الزمان لتواكبها خرافة تصميم أنبا انطونيوس لها بإرشاد ملاك.. وليس من مجالة أنني أعفو عن هذا كخطأ تاريخيّ، لأن غرض الصنعة مفهوم وهو مواكبة الدعاية لهذه القلنسوة ومسايرة النظام الرئاسيّ في تبليع المغفلين شكلاً كأنه من التاريخ.. فإن كنت أؤاخذ هذا كخطأ فالأدق أن يدخل في بند الأخطاء الأخلاقية (الغش عيب وخلق سئ).. ولكن القصد من هذه الفقرة هو ترويج الخرافات التي تهين التاريخ.. 

   من الأمثلة على السخف التاريخيّ هو إظهار كبريانوس الساحر (في قصة يوستينا) على أنه بعد توبته صار الأسقف المحترم المعروف جيداً في التاريخ كبريانوس.. عيب يا جهلاء.. عيب.. أنا لا املك، ولا يملك غيري، التحقق من صحة قصة يوستينا كما وردت في قصص التاريخ، ولكن كل من يراجع التاريخ الموثَّق يملك التاكد أن كبريانوس اسقف قرطاج في شمال أفريقيا في المئة الثالثة لم يكن ساحراً أبداً ولم يرتبط في حياته بشهيدة اسمها يوستينا على أي نحو..

   ومن الأمثلة خرافة الوحش الذي ظهر لأبي أبي أبي سيفين (ليس تكراراً عن خطأ لأن جد أبي سيفين هو أبو أبي أبي سيفين.. ماعليهشي نضحك مرة من نفسنا.. 


خلل مواءمة اختيار العاملين: 

   فإذا كان العمل خدمياً مسيحياً ينبغي ان يكون العاملون بلا لوم في أصول الأخلاق المسيحية.. 
والخلل هذه المرة كان يمكن إدخاله في فقرة الخلل الأخلاقيّ لأن هناك من بين القائمين على عمل هذه الأفلام، وبدعوة أسقفية، من هم قوادون وعواهر وأقل الضرر مرتزقون غير مؤهلين.. ولكن ارتأيت إفراد فقرة خاصة لتمييز الخطأ الأخلاقيّ في مضمون الفيلم عنه في شخص القائمين عليه.. 

   لقد بدأت المسخرة بأن تفتق في الثمانينيات في ذهن احد أساقفة إيبارشيات القاهرة الكبرى عن صنع الأفلام (الفكرة جيدة من المبدأ لاشك) فكان أن استورد (لاحظوا الكلمة) مخرجاً سئ الأخلاق صاحب أفلام قبيحة برع في إخراج مشاهد فاجرة، وكُلِّف مثل هذا بإخراج أول عدة أفلام.. وانتهى الأمر أنّ الخبيث الذي لم نعزله من بيننا بل بالحريّ استوردناه إلينا قام بإخراء مصلصل يدعو فيه بناتنا، بفنون التحبيب والترغيب الدرامية المعروفة، إلى الزواج من غير المسيحيين متخفياً تحت صفة أنه مخرج مسيحيّ.. وحتى بعد أن ارتكب هذا المصلصل، فقد عاد رؤوس  الإكليروس ليثبتوا عظيم برودهم ويمنحوننا راحة اليأس من إصلاح حالهم وتحرك سخونة مشاعرهم كما الرجال.. لقد طلبوه ليخرج فيلماً يحمل اسماً ذا دلالة على رضا الرئيس الدينيّ عن المذكور، ومجاتش بعد هذا القرف الأخلاقيّ، حية القرف العلميّ على ما بالفيلم من خرافات منقولة من مخطوطات مضروبة.. 

   وممثلة تحظى بلقب الكبيرة، احتفوا جداً باشتراكها في عمل أو اثنين.. هذه الكبيرة (في السن) ظهرت بكل ما للنذالة من برود في برنامج لتكريمها في التليفزيون المصري لتجيب على سؤال المذيعة الوقحة: "حضرتك كنتي تعرفي إن زوجك فلان مسيحي لما وافقتي عليه؟" ولم ترفع "الكبيرة" يدها لتصفع المذيعة قليلة الأدب، ولا حتى اكتفت بالاعتراض، بل قالت بطريقتها التمثيلية العالية: "أبداً يا حبيبتي ولا حتى سألت.. الكلام ده مكانش عندنا خالص".. 

   ومن الطريف في هذا الصدد القبيح أن ممثلة غير مصرية لها أفلام تصورت فيها عارية وفي كل مشاهد الفُجر، تسللت لعدة أفلام حتى ظهرت في مسلسل (قبطيّ) من إخراج القوّاد وقد تحلت في التتر باسم "ضيفة الشرف".. وضيفة "شرفهم" لها فيلم جنسيّ فاضح مشهور أمره باعه أحد أزواجها غير المسيحيين بمليون جنيه! هذه يا ناس حكمتم علينا وعلى أعيننا وصدرتموها، ولكن تسمونها ضيفة الشرف؟ أعملوا أي شئ لآخرتكم، بلاش لدنيانا نحن، حرام عليكم.. والآن لا يتذاكى احد ويقول لي: "وكيف عرفت بأمر الفيلم الجنسيّ؟"، لأنني مع مثل هذا الذكي المدافع سأضطر لجرح بقايا رجولته، والرد بسيط: لم أشاهد ولكن الناس يقولون، ولو كان الناس كاذبون للزمنا قبل تقديم هذه "الشريفة" أن نبرأها لنبرئ شرفنا في استضافتها وتلقيبها بضيفة الشرف.. 

   هذه وتلك وهذا هم من يستوردونهم لصنع أفلام غرضها روحيّ، تُقَدَّم لأبرياء، وفوق براءتهم مغفلون، لا يتوفر لهم وعي التفريق بين العمل وبين العاملين، ولا بين الكنيسة وبين المتسلطين عليها، فيأخذون من ظهور أولئك، ذوي القباحات المعلنة، شهادة كنسية لهم وحتماً لسلوكهم غير المُخفََى.. 


خلل ملاءمة الخلفية الفنية للعاملين: 

   أخيراً أختم بأهون الشرور، وأسوق فقرة على الأهلية الفنية للقائمين بتلك الأعمال وآخذ مثلاً من سينارست "مواظب" (هو نفسه من أتى ممثلاً لأسقفية الشباب في مسرحية "رجاء محبة" ولقنته ما يلزم في مناقشة طلبها هو، والكلام مُسَجَّل بالتفصيل في مقال "رجاء محبة وإن طال الزمن").. لقد وجدنا الرجلُ الطيب زبائن لقطة، بلا صاحب، بلا صاحب معرفة في الأدب وأصول الحوار، بلا صاحب ذوق راقي، فانحدف علينا في كتابة سيناريوهات أفلامنا التي أشبعها بـ"إيفيهات" و"لزمات" من السماجة والسذاجة بمكان، وهي معروفة لمن شاهد الأفلام المسكينة.. والمفاجأة التي أهديها لحضرتكم أن هذا السينارست بدأ حياته مؤلفاً لأغاني هابطة.. واحد يقول: هذا حكمك وذوقك على تلك الأغاني فأجيب: اسمعوا مقطعاً واحكموا أنتم، فلعل الغضب أخذني فقسوت في الحكم: "اللي تعبنا سنين في هواه عامل نفسه مايعرفناش حتى ازيك مستخسرها مستكترها مابيقولهاش ضيع قلبي ورحت بلاش ياللي هجركو حبيب انسوه وبلاش تاني تتعبوا روحكو بكرة تقابلوا اللي تحبوه واللي يصونكوا ويريحكوا اللي بحبه ضيع قلبي ضيع قلبي ورحت بلاش"، وعلى هذه القافية وهذا الوزن يمكن تأليف أطنان من سطور التلوّع على الصد والفراق والهجر، وللأسف هجر كاتب هذه الكلمات صنعته وألقى بنفسه على السيناريوهات القبطية وضيّع ذوقنا وراح بلاش.. ويقول الأريب المدافع دائماً وأبداً: "وأنت ما يحزنك؟ واحد تاب ووجّه موهبته إلى خدمة الكنيسة"، والرد: لما تكون موهبة أصلاً، فهل هذا السخف موهبة؟ ثم دعنا من موهبته الفنية لننتقل للأخطر، وهل الموهوب فنياً تكفيه موهبته للتصدي لعمل ديني تعليمي دون أن يحظى برسوخ في القيمة الروحية وتشبّع بالمعرفة الكتابية؟ بجد عيب أن تصير الدراما القبطية مرتعاً لكتّاب هذه الكلمات، بجد عيب هذا الـ... ولا بلااااش.. 

   كتبته في نصف ساعة جمّعت فيها أشتات ملاحظاتي المغيظة على هذه الأفلام، في فترة أقفّل فيها خساب كل الرفايع برجاء الدخول بلا أي حساب مفتوح في عام جديد له مشاريع كبيرة تحتاج لفراغ بال..

 



Published years earlier on a Discussion board
at 'Coptic Youth 4 Bible' fb late group


Deacon P. Eng. Basil Lamie (aka C. Mark)
December 2010