الحاجة الكنسيّة للبيئة العلميّةّ

 

نسخة أوليّة تنتظر المُراجَعَة اللغويّة وتنسيق الأسلوب

 

 

 

   نقد الوضع الردئ للحال القبطيّ لا يصح أن تخلو مقدماته من مقال عن رصد غياب البيئة العلمية ولزوم توفيرها وإلا يبقى الوضع على ما هو عليه..

 

   والبيئة العلمية ليست هي تحوّل كل الناس لعلماء.. هذه هي البيئة الهزلية وليست البيئة العلمية.. ولو فهم واحد من الكلام أن المقصود هو أن يكون الجميع علماء أو باحثين فإن فهمه السمج هذا هو عينه نتيجة غياب البيئة العلمية والتي نتج عن غيابها هذه الأفهام السقيمة في تناول الدعاوى الخطيرة بسخرية المُبالَغة التي هي أسهل طريقة لتسفيه أي قيمة..

 

   وإنما البيئة العلمية هي توفُّر قيمة العلم عند الجميع إلا من خرج عن نطاق الاعتبار.. هي أن يسعى الأب الأميّ لتعليم أطفاله لمعرفته بقيمة العلم وإن لم يتعلّمه.. هي أن تغرس الأم الأميّة قيمة الاعتداد بالعلم عند أطفالها.. هي أن ينال العالم التقدير الدقيق والمحسوب على علمه وبقدر علمه.. ثم هي:

 

   أن يتم قصف رقبة اسم من يصل لنتائج مبنية على الغش في النقل أو الرصد أو الحساب أو أي من أدوت البحث.. وأن يتم إهمال اسم من يخطئ في حساباته أخطاء تشكك في قدرته العلميّة أو البحثيّة.. هي أن تتوفر الرقابة التي لا يفوتها ما قد يفوت ضمائر الغشاشين في المجال..

 

   البيئة العلميّة هي ألا يتحول العلم لمحفوظات سطحية وشهادات شكلية بل يتم تقييم العالم طبقاً لصحيح علمه وليس شكله.. ألا تكون البلد بلد شهادات بل بلد معارف.. أن يثبت العلم أصالته بتقدم الجديد فيكون في الخزائن جدداً وعتقاء..

 

   وفي مصر لا تتوفر البيئة العلمية تقريباً على الإطلاق.. وعند أدعياء العلم، فالبيئة العلميّة هي المؤسسات التي تمنحهم الشهادة واللقب بلا فحص جاد.. وعند عموم الشعب المصري فالبيئة العلمية أصلاً محلّ للنكات اللطيف منها والسخيف، ولكن لا محلّ لقيمة العلم في الصورة.. و"الكنيسة" القبطية في هذه الصورة، فهي نتاج عمل القبط، الذين هم قلب مصر، في أنفسهم، وإنما قد وضعت علامة التنصيص حول كلمة "الكنيسة" لأحتفظ لجوهر الكنيسة ببراءتها من هذا الحال المتهافت..

 

   إن البيئة العلمية هي البيئة التي تقدس اللوحوس الذي هو في البدء الذي هو الخالق.. فياللعار أننا نعبد اللوجوس ونحتقر "اللوجيك"..

 

   وفي حديث مع شقيقتين إحداهما لامعة الذكاء والأخرى لها نصيب يكفيها لتسيير أمور يومها، وكلتاهما متقدة الغيرة على الكنيسة دار جزء من هذا المقال.. إنني اعتز بهذا الحوار جداً وهو من تسجيلات أغسطس 2008 في ملف "Dialogs on Correct Exegeses".. لقد سألتني الذكية سؤالاً عن تفسير قول للمسيح فأجبتها، فتدخلت الأُخرى وقالت: "ولكن فلان (منصب كبير في الكنيسة) فسره عكس ذلك"، فقلت لها: "ولكن المثل أمامنا يقول عكس ما يقول فلان، فما حبلتنا في ذلك؟"، فقالت كلاماً كثيراً ورددت عليه وتكرر في ردودي ألفاظ من نوع "الفهم" و"التمييز" فكان أن انتهت إلى قولها: "لكن لو كان الأذكياء هم فقط من يقبلهم المسيح لدخلت أنا جهنم".. وهنا قلت لها هذه العبارة التي هي لب هذا المقال:

      ليس المطلوب من كل واحد أن يفهم كل شئ.. ولكن المطلوب من كل واحد ألا يمنع أي واحد من السعي خلف فهم أي شئ.. والمطلوب من كل واحد إذا فهم شيئاً ألا يكابر معه..

 

   أنتِ مثلاً مقبولة جداً عند الرب لغيرتك ولاهتمامك بالفهم قدر طاقتك.. والدليل أنك تسألين وأنك عندما سمعتِ التفسير الصحيح اقتنعتي ولم يجادلي بغير وجه حق.. وأختك هي مثلك من حيث ميزان الملكوت، فهي تسعى للفهم إلا أن الرب منحها ذهناً أكثر اتقاداً فجاء سعيها بحسب ملء طاقتها مثلما جاء سعيك بحسب ملء طاقتك، والفرق أنك توقفتِ قبلها بسبب فارق الطاقة.. فلا يبقى لأختك إلا وضع ما فهمته موضع تكريم المسيح وشكره، ولا يبقى لكِ إلا ألا تعوّقي أختك من الفهم إذا هي طلبته.. ولا تمنعيها منه..

 

   وهذا المنع يأخذ صور كثيرة أشهرها في محفوظاتنا: "انت بتفهم أكتر من فلان؟"، إنت مهرطق"، و"إنت كل حاجة تسأل فيها؟".. ويأخذ صور السخرية المثبطة: "يعني هو خلاص نفسك متوقف على تفسير الآية دي؟".. ويأخذ أيضاً صور الكلام الصحيح الذي يوضع في غير موضعه: "بينما يتجادل اللاهوتيون يتسلل البسطاء إلى الملكوت"..

نظرت لها هنا فوجدتها قد توقفت بالفعل عن المتابعة، ولمحت أختها تبتسم فقلت لها مداعباً: فهميها في البيت J..

 

 

   والآن هل هذه الدعوة إلى توفير البيئة العلمية في كنيستنا تفتح الباب للهرطقات وفساد التعليم وتحيير البسطاء إلى آخر المخوِّفات التي يصدرها لنا أعداء الفهم؟ بل هي تفتح الباب لتأسيس بيئة علمية ذهنية منطقية هي هي عينها التي تساعد في غلق الباب في وجه البدع الخاطئة والهرطقات المغرضة.. أقول تساعد على غلق الباب ولا تغلقه تماماً.. ولا يعيبها هذا في مقابل منع البيئة العلميّة، وإلا فهل كان منع التفكير والأسئلة الذي خيّم على الكنيسة قروناً قد منع شيئاً من هذا؟ أليس وجود بدع بين أناس يفهمون ويسألون أفضل من وجودها بين من لا يفهمون ولا يناقشون؟ على الأقل فإن وجودها بين من يفهمون ستجعلهم فاهمين لماذا هم لا يقبلون هذه البدع، وستجعل من سقط في البدعة له أمل، إذ هو يفكر، أن يفهم يوماً فيتركها..

 

حد فهم حاجة؟ أم يحتاج لمن يفهمه في البيت؟ J

 

C. Mark

 

 




Site Gate     Reopening Front Page   Criticism Introductions    Criticism & Corrections    Main Table of Contents   Sign Guest Book