+

 

في الميناء

 

BOARDING

 

 

فصل واحد لمسرحية لم تكتمل

 

*كتب ربما في عام 1994 أو نحوه

 

*هناك تعديلات طفيفة بالنص المنشور هنا عن الأصل

 

 

تقديم:-

 

     هذا العمل مجرد فصل واحد من مسرحية لم تكتمل، كتبته متحمساً بتأثير فكرة كانت وقت الكتابة بمثابة "موضة" تكررت ونفذت من عدة مجموعات في عدة كنائس.. الفكرة تقليدية في الدراما عموما، وهي حالة تجمّع أنماط مختلفة من البشر في مكان ما انتظاراً لحدث ما، أو بسبب حادثة ما.. وفي تنفيذها الكنسي كخدمة مسيحية كانت المعالجة السائدة هي انتظار القطار..

 

     المنتظرون هم مسافرون للأبدية والقطار هو المجئ الثاني.. وينقسم المسافرون لمجموعة تتمكن من ركوب القطار ومجموعة أخرى تفشل.. وبين المجموعتين تتمثل مفارقات المسرحية وقيمتها الرمزية.. فبينهم السمين الشغوف بالطعام حيث تمنعه سنته من ركوب القطار.. والنائم الذي يفوته القطار لنعاسه.. وبائعة الطيور التي تفقد فرصتها عندما تتطاير دجاجاتها فتلاحقها بينما القطار يغادر المحطة.. هناك من الناحية الثانية اللص الذي يشترى التذكرة بمال مسروق ثم يتوب ويركب القطار.. وهكذا تتوالى الرموز..

 

     وقد نُفِّذت الفكرة بشكل بارع في مسرح كنيستي كتابة وتمثيلا على يد مجموعة من الإخوة الذين أثارت براعتهم حماستى لكتابة شئ مماثل.. كانت حماسة الغيرة الفنية.. ومن هنا كان هذا الفصل..

 

     ولما كان يلزمني إبداع جديد يبرر تكرار عمل قديم،  فقد حولت القطار إلى سفينة ومن ثم كان الانتظار في ساحة ميناء.. وأغرقت بشدة في الرموز الواضحة.. وهو عيب بديهي حتمته مباشرة الرمز في الفكرة.. وقد حاولت تلافيه ببراعة الحوار..

 

     ورغم أنني لم أستطع مقاومة إغراء بعض الشخصيات كما هي في المعالجة التي نُفِّذَت من قبل (السمين والقهوجي وبعض ملامح شخصية المتمرد)، فجاؤا اقتباساً مباشراً ، فإن إضافات حقيقية في الشخصيات تم تقديمها.. إذ تعدت شخصيات المعالجة التي أقدمها هنا حدود دائرة المسافرين المنتظرين للقطار ، إلى آفاق أرحب.. فقدمت شخصيات أخرى مثل نعمة (النعمة)، ونشيطة (العمل أو الجهاد الروحى) وقائد الميناء (الروح القدس).. هذا مع بعض اللمسات اللطيفة غير المسبوقة فيما أظن..

 

 ولكن رغم كل ملامح التجديد، فإذا بي بعد مراجعتي الأولى لما كتبت في هذا الفصل، لم أملك إلا الإقرار بسذاجة العمل.. هكذا من بداية شروعي فيه لم أجد حيلة للاعتراف بسذاجة ما كتبت.. ولما لم أجد طريقاً لترقية هذه السذاجة فقدت حماستي للاستمرار.. وهكذا توقفت عند فصل واحد..

 

     وبعد سنوات كثيرة عدت من بعيد لأجد أوراقي بين المهملات.. والآن هل أرمي الأوراق؟ قرأتها قراءة الوداع كعادتي قبل التخلص منها.. وأعدت قراءتها.. لازالت سذاجتها فيها.. ولكن برؤية السنين رأيت في سذاجتها سبب الإبقاء عليها لا التخلص منها.. لقد راعتني دقة وأناة خط اليد المكتوبة به.. وهذا لا يحدث معي إلا في حال صفاء ذهني، وحماسي الزائد.. إذن كنت أجد بها شيئاً قيماً وقت كتابتها استحق متاعب خط اليد الواضح.. ثم إن هذا معناه أنني شرعت في تبييض الأوراق قبل الانتهاء من العمل.. وهذه علامة عدم تيقني من أنني ساكمله.. فالعادة عندي ألا أبيض عملاً إلا في نهايته.. والجانب المضئ من هذه الملاحظة أنني لم أكن مكروباً بفصول آتية حتي ألفق كتابة الفصل الأول.. وطالما لم يكن عندي غيره فلابد أنني اعتنيت بتنقيحه عند تبييضه..  هذا ما جال في خاطري بسرعة وأنا أمسك بالأوراق باحثاً عن حقيبة المهملات المُعَدَّة للتخلص منها..

 

     لقد توقفت الأوراق عند فصل واحد وغير ناضج.. فلم لا أسجلها؟ الأعمال الكاملة كثيرة.. ولكن كم هناك من فصل واحد كُتِب بحماس.. ولم يكتمل.. ولعل من يقرأ معي يجد في سذاجة أوراقى القديمة هذه متعة في لمسة هنا او شخصية هناك.. وقد يجد رغم عدم نضجها لمسة روحية من جملة أو كلمة..

 

     إن بهذا الفصل ما أحبطني عن إكمال المسرجية..

 

     ولكن به أيضا ما أقنعني بنشره..

 

     معادلة عادلة J

 

     وهل يجب أن يكون كل شئ كاملاً أو مكتملاً؟

 

 

 

 

الفصل الأول (مالوش تانى J)

 

 

المنظر : رصيف ميناء والخلفية تعبر عن بحر عالى المواج

أقصى اليسار مقهي وبه لافتة واضحة مكتوب عليها : "بوفيه"..

و امام مدخل البوفيه كراسى ومناضد..

و يمين باب البوفيه يكون مدخل المسرح الأيسر..

أقصى اليمين مكتب أمامه كرسى.. تجلس عليه فتاتان..

أمام المكتب رجب وقور يرتدى زيا عسكريا برتبة مشير

و يزين القبعة العسكرية بصورة حمامة (بدلا من النسر)

وهناك لافتة واضحة ناحية المكتب (الأفضل ان تكون معلقة على إطار خشبى يمثل باب المكتب)

مكتوب عليها: "مكتب السيد المشير قائد الميناء"

وقريبا من المكتب نحو يمين المسرح باب مكتوب عليه "مكتب البحارة" يوضع في أى مكان مناسب..

ومدخل المسرح اليمين يكون يسار باب مكتب البحارة ويمين مكتب القائد..

وفي أسفل يسار المسرح لافتة أُخرى مكتوب عليها: "ميناء الخلاص"..

 

 

المشير

أنا جمعتكم النهاردة علشان نناقش الترتيبات النهائية إستعدادا لإستقبال المسافرين..

يا ترى كل واحدة فيكم عارفة دورها كويس؟

 

الفتاة الأولى

أنا هحاول بكل طاقتى إنى اشجع المسافرين في فترة الإنتظار..

و أفكرهم كل شوية عن إنتظارهم مش عالفاضى.. وكل ما احس غنهم بداوا يتعبوا

و ناويين يروحوا أأكد لهم إن السفينة أكيد جاية.. وإن الكابتن هيزعل خالص لو ملقهمش مستنيين

 

المشير

هايلة يا نعمة..

 

الفتاة الثانية

و أنا هخلى كل واحد يتبت في مكانه مهما كانت الظروف..

و لو حسيت إنه معصلج جامد وهيتعبنى أبقى أنده نعمة تساعدنى..

 

المشير

تمام يا نشيطة.. أنا عايزكم إنتو الإتنين تنسقوا الشغل مع بعض..

و تبذلوا كل جهدكم ومتبخلوش بحاجة لراحة المسافرين..

و خدوا بالكم دعبس القهوجى مش ناوى يجيبها البر.. وانا عايزكم تحلقوا على أى واحد

تشوفوا إدريس بيحوم حواليه.. أنا مش عاوز حد تفوته السفينة.. فاهمين؟

انا عاوز الكل يركب.. الكل

 

الفتاتان معا

(بصوت واحد) تمام يا سيادة المشير

 

المشير

وافتكروا إن إنتو الإتنين لازمين لبعض وماينفعش واحدة تشتغل لوحدها..

نعمة إنتى الريسة وخبرتك كبيرة.. خدى بالك من نشيطة في كل حاجة بتعملها..

أي حد دعبس يعاكسه أبقى غحدفي نشيطة عليه.. بس عينك عليها..

لكن لو المسافر عصلج مع نشيطة.. سيبك منه لأنه مش هيسمع كلامك..

اللى هيلتزم معاكم ويسمع الكلام هيركب بسلام.. واللى مش عاوز يسمع

(سكوت مع موسيقى تنبيهية) فكل واحد عقله في راسه

(ثم سكوت مع موسيقى تنبيهية أقوى ويقول بلهجة ذات مغزى عميق) يعرف خلاصه

 

يدخل بعد هذه الكلمة طفل صغير في ثياب قائد سفينة مع والدته من أقصى اليسار

 
الطفل

 

(مغنيا)

بابا جاى إمتى؟          جاى إمتى بابا؟

راكب ولا ماشى؟       راكب عالسحابة

وسعولى السكة      أجرى لحضنه قوام

و الملايكة واقفة            من ورا وقدام

(يلتفت لأمه) هو بابا شكله إيه يا ماما؟ حلو؟

 
الأم

حلو قوى يا حبيبى..

 

الطفل

إوصفيهولي..

 

الأم
أبيض.. أبياااض من التلج.. ووشه منور..

 

الطفل

زي الشمس كدة يا ماما؟

 
الأم

أكتر من الشمس كتير يا حبيبي..

 
الطفل

أنا بحبه قوى يا ماما..

 
الأم

و مين سمعك؟ كلنا بنحبه قوى بس هو بقى بيحبنا أكتر..  

 

الطفل

أنا نفسي اشوفه بقى.. إنتى دايما تحكى لى عنه.. لكن أنا نفسى اشوفه أشوفه..

 
الأم

أصبر شوية يا مطيع وكلنا هنشوفه لما ييجى وهنسافر معاه ومش هيسيبنا بعد كدة أبداً..

شايف الناس التير هنا  أهي دى كلها مستنية بابا معانا علشان تركب معاه لما ييجى..

 

الطفل

مش قادر أصبر.. عايز اشوفه.. عايز أشوفه..

 
الأم

و بعدين يا مطيع؟ مش انكل بطرس اللى بيشتغل مع بابا بعت لك جواب يطمنك؟

 

الطفل

أيوه أنا حفظت الجواب.. وشايله معايا كمان.. (يخرج رسالة من جيبه)

 
الأم

طيب إقرا لى كدة وسمعنى قايل لك إيه..

 

الطفل

(يمد يده بالرسالة عن آخرها كمن يقدمها للجمهور ويقرأ غيبا)

بيقول: الذي وإن لم ترونه تحبونه ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به

فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد.. ماما.. أنا مش فاهم حاجة.. يعنى إيه الكلام ده؟

 
الأم

(يبدو عليها الإرتباك) أيوة.. يعنى إيه.. سؤال كويس.. بيقول لك إنه.. إنت متعب ليه؟

مش قلتلك بابا قرّب ييجى.. خلاص.. أصل الحقيقة أنا كمان...

 

الطفل

إيه؟ مش عارفة برضه؟

 
الأم

ولد.. مش مش عارفة.. بقول لك إيه.. شايف أنكل اللى هناك ده (تشير للمشير)

هو اللى فاهم كل حاجة هنا.. روح إسأله..

 

الطفل

(يتقدم نحو المشير) إزيك يا عمو..

 

المشير

(بتبسط مشجع) أهلنن حبيبى.. إنت إسمك إيه؟

 

الطفل

أنا إسمى مطيع..

 

المشير

(بتبسط) عاشت السامى يا أستاذ مطيع.. وجاى تعمل إيه هنا بقى يا كابتن يا صغير؟

 

الطفل

جاى أستنى بابا.. أصل ماما قالت لى عن بابا كابتن كبير.. قائد سفينة يعنى..

و إنه هييجى المينا هنا وياخدنا معاه للقصر بتاعه..

 

المشير

ماما معاها حق يا حبيبى.. إحنا كلنا هنا مستنيين بابا

 

الطفل

حتى إنت يا عمو كمان؟

 

المشير

(مبتسما وشارحا) إنت لما بابا بيوحشك بتقول إيه؟

 

الطفل

بقول له بصوت عالى تعال بقى يا بابا تعال

 

المشير

(مازحا معه) وأنا بقى لما صوتك بيوجعك بنده بدالك (يقلد الطفل) تعال يا بابا تعال

 

المشير يشترك مع الطفل بذات النغمة ويناديان:

تعال تعال

 
الطفل

إنت تعرف بابا يا عمو؟

 

المشير

(ضاحكا) إلا أعرفه.. ده أنا أعرفه وأنا اللى بعرّف الناس بيه كمان..

تقدر تعتبرنى زى بابا تمام يا مطيع.. أنا وبابا واحد يا حبيبى..

ماهو بابا هو اللى بعتنى هنا لشان آخد بالى منك..

 

الطفل

صحيح؟ إنت بتشتغل هنا إيه يا عمو؟

 

المشير

أنا مدير المينا.. المرشد اللى بيرشد الناس هنا والقائد اللى بيحامى عن المكان..

بنظّم كل حاجة لحد بابا ما ييجى والناس تركب..

 

الطفل

(يتطلع له الطفل) على فكرة غنت تشبه بابا قوى يا عمو حسب الوصف اللى ماما قالتهولى..

 

المشير

(يبتسم) ما هو أنا قلتلك أنا وبابا واحد يا مطيع..

 

الطفل

ممكن تفهمنى يا عمو الكلام اللى في الجواب ده؟

 

المشير

جواب واحد بس؟ على فكرة يا مطيع.. أنا عندى ليك هدية حلوة خالص..

(يخرج كتابا كبيرا أسود الغلاف) شايف الكتاب ده؟ أنا جمعتلك فيه كل الجوابات والتقارير

اللى بعتها الناس اللى بيشتغلوا مع بابا.. بابا هو اللى وصّاهم يكتبوها..

و أنا جمعتها وراجعتها بنفسى.. علشان اديهولك هدية.. وعاوزاك تقراهم كويس..

فيهم كل حاجة عن بابا.. ولو مفهمتش تبقى تسأل في مكتب البحارة.. أنا موصيهم يجاوبوا كل أسئلتك..

(يشير لمكتب البحارة فيغادره الطفل ويتجه للمكتب)

 

يخرج دعبس من المقهي ليدخل المسرح تابعا للطفل فينادى المشير على نعمة فورا

 

المشير

نعمة (تأتى مسرعة) خدى بالك من الطفل ده.. بنفسك.. ده مش حمل نشيطة.. فاهمة؟

 

تهز رأسها وتسرع خلفه بينما يعود المشير مع نشيطة لمكتبه وتقطع الطريق على دعبس

الذي يراها فيرتجف ويستدير من حيث أتى فيصطدم بشخص مترنح داخل من جهة اليسار

و هو ينظر يمينا ويسارا بداخل المقهي كمن فقد بها شيئا

تعود نعمة لمقعدها امام مكتب المشير بجانب نشيطة

 

 

دعبس

(مشوحا بيده في وجه الداخل) يوووه.. هو إنت يا عم المدمن؟

 
المدمن

(يصيح بتوسل) عم دعبس باشا.. ده انا كنت بدوّر عليك..

 

دعبس

عايز إيه (يستدير معطيا ظهره للمدمن ويمشى جهة اليمين أسفل المسرح)

 
المدمن

(يتبع دعبس منحنيا متذللا) غنت عارف انا عاوز إيه.. هو فيه غيره؟ معلقة معلقة واحدة من الدوا بتاعك..

 

دعبس

إصطبحنا يا سى عبده..

 
المدمن

معلقة دوا أرجوك

 

دعبس

(يلتفت عندما يكونان في منتصف الطريق) دوا إيه ياد.. إنت قالولك عنى دكتور؟

ياد  أنا قهوجى.. ويوم ما عملت تتوير في الغرزة قلبتها بوفيه.. مش مشتشفي..

 
المدمن

حرام عليك.. ده انا ضيعت كل ثروتى على الدوا بتاعك..

 

دعبس

يعنى إيه ضيعتها دى؟ قال ضيعتها قال.. إنت مش واصلك منى بحقهم سم هارى؟

 
المدمن

يعنى إنت عارف إنه سم هارى.. وإديتهونى؟

 

دعبس

أمال هديك ملبن؟ بذمتك (يشير لنفسه) دى خلقة تزع ملبن؟ وبعدين إيه حكاية صروتك دى

اللى فلقتنى بيها؟ أنا مديك سم هارى م اللى غنت بتسميه دوا ييجى بتلات اضعاف صروتك..

و لا يعنى علشان أنا طيب ومبحبش احرجك..

 

المدمن

(بسخرية متمررة) طيب !

 

دعبس

و خلينى أكون طيب لنهاية الشوط.. إنت لو خدت معلقة واحدة كمان هتروح فيها..

 

المدمن

طب كمل جميلك وإدينى معلقة تخلص علىّ علشان أستريح

(يركع له بتوسل متشبثا بقدميه)

 
دعبس

و خلينى أكون طيب لنهاية الشوط.. إنت لو خدت معلقة واحدة كمان هتروح فيها..

 

المدمن

(يخاطب الجمهور) خليكم شاهدين أهو.. راجل جدع طول بعرض أقول له سم هارى يقول لى طب هات

و بعدين لما يتدهول زى ال.. زى الشاطر يقول دعبس ضحك علىّ.. واهو كل يوم على ه الحال..

ياما بلاوى بتتحدف على دعبس الغلبان وهو قاعد في حاله.. (ثم يعود للمدمن) إسمع..

آدينى حظرتك وبرئ من دمك لو حصل لك حاجة.. يا جدع غنت مش حمل نفخة.. ما تتوب بقى..

(يلتفت للجمهور) توبوا حرام عليكم نفسيكم.. بتإذوا نفسيمك ليه يا بشر.. يا عالم يا ضايعة..

 

هنا يدخل شخص مفرط في السمنة وهو يلهث من التعب فيركل دعبس المدمن الذي

يزحف حتى يتكوم عند باب المقهي بينما يبادر دعبس بإستقبال السمين مرحبا

 

دعبس

إتفضل يا بييه.. إحنا هنا تخفيض في الأسعر.. وخدمة مجانا.. مجانا وغلاوتك مجانا..

 

السمين

(لاهثا) هي السفينة جت؟

 

دعبس

(بضيق) سفينة إيه يا بيه.. باقولك.. قصدى بقول لسعادتك إتفضل في البوفيه..

 

السمين

لأ.. مينفعش.. أصل أنا (ينظر حوله كمن يستعد للإدلاء بسر خطير) مخبيش عليك..

إنت باين عليك راج جدع..

 
دعبس

(يقترب بأذنهمن فم السمين وعيناه تلمعان بلهفة مشوبة بالسخرية) إييه؟

 

السمين

بس متقولش لحد

 
دعبس

عيب يا بييه.. أيها خدمة.. قول متتكسفش.. (بلهجة ذات مغزى) طلب سعادتك عندى ولا مؤاخذة ..

 

السمين

انا جاى (ينظر حوله مرة أخرى) جاى.. (بصرخة مفاجئة) أركب السفينة..

دعبس

(رافعا يديه كمنينشب مخالبه) وأنا أركب الهوا.. يادى السفينة.. سفينة إيه بس يا بييه..

قصدى إزاى تركب السفينة منغير ما تعدى لى بوفيه محسوبك دعبس؟ أصل البوفيه عندى

آخر فرصة

 

السمين

آخر فرصة؟

 
دعبس

أمال إيه؟ أصلك بعد ما تركب السفينة وتعدى البر التانى قول آمين.. هتلاقى هناك فين الكباب

(يقول الكلمة الأخيرة مفخمة وبإغراء)

 

السمين

(بلهفة) كباب (مقلدا لهجة دعبس في كلمة كباب)

 
دعبس

و لا الكفتة؟

 
السمين

كفتة.. كفتة..

 
دعبس

(يقوده من يده ليجلسه على المقعد خارج البوفيه) ولا الفراخ يا بييه (كلمة فراخ مفخمة أيضا)

 

السمين

(يخبط بقدميه على الأرض بنشوى وهو يردد بذات لهجة دعبس) فراخ.. فراخ..

 
دعبس

(يمسح المنضدة وهو يربت على ظهر السمين) أمال يا بييه.. فراخ يا بيه.. هو إحنا عندنا كام..

إلا إسم الكريم إييه؟

 

السمين
بلبع
 
دعبس

إحنا هنا يا بلبع بيه شعارنا  (بإغراء) نأكل ونشرب (بلهجة خطابية) لأننا غدا (بسخرية) نركب السفينة..

 (ثم يدخل للمقهي ويعد الطعام)

 

يدخل من اليسار رجل في منتهي الأناقة ويمشى بإعتداد يتبعه آخر رث الهيئة

 

الرجل رث الهيئة

(بإحترام) وحضرتك تعرف الكابتن فعلا يا فارس بيه؟

 

الرجل الأنيق

ههو.. كان فيه تعاملات بيننا قبل كدة يا.. يا بشرى..

 

الرجل رث الهيئة

عشرى.. إسمى عشرى يا فارس بيه..

 

فارس

عاشور.. أه.. كنت بقول إن معرفتى بالكابتن وثيقة.. انا جمايلى مغرقاه..

 
عشرى

(غير مصدق) جمايلك مغرقاه؟ ده الكابتن جمايله مغرقة البلد كلها..

 

فارس

قصدى يعنى إ جمايلنا مغرقة بعض.. (ينظر إليه بإشمئزاز)

 
عشرى

بقول إيه يا فارس بيه.. مادام حضرتك معرفة الكابتن.. انا كان نفسى أركب وأسافر معاه..

بس يعنى سمعت إن فيه كشف هيئة وكدة قبل السفر فلو تكلمهولى..

تتشفع لى عنده ينوبك ثواب..

 

فارس

(يعيد النظر إليه بإشمئزاز) يا إسمك إيه إنت.. إنت مش محتاج واسطة.. إنت محتاج معجزة..

محتاج تنضف وتلبس وبعدين محتاج تتعلم تتكلم وبعدين تتعلم تتصرف.. حاجات كتير..

(يشيح بوجهه بعيدا ناحية اليسار وتزداد وقفته إعتدادا)

 
عشرى

(يستدير ناحية اليمين ويتراجع خطوة للخلف  ويقول بأسى) له حق يقرف من هيئتى..

أمال لو عرف حقيقتى.. أنا إيه اللى جابنى مع العالم المحترمة دى؟

 

فارس

(بأنفة) عال خالص.. الناس المحترمة ( مشيرا لنفسه) الطبقات الراقية..

ييجى عليها يوم تسافر مع الأشكال دى (مشيرا لعشرى).. المينا بقى يلم..

 
عشرى

(مشيرا لنفسه) هي الأشكال دى وش سفر؟ ومع مين؟

مع الكابتن اللى كل الناس مستنياه؟

 

فارس

(ينظر لساعته) الواحد إستنى كتير.. غمتى بقى الكابتن ييجى علشان كل واحد ياخد حقه..

(يرتب هندامه) الواحد ياخد وضعه بقى.. مش أقل من ضابط أول.. لا.. كبير ضباط السفينة..

(يضبط رباطة عنقه مزهوا)
 
عشرى

(ينظر لساعته) الوقت بيجرى.. أستر يا رب.. هقول إيه للكابتن بس لما ييجى؟

هقول له ميلزمكش واحد رد سجون؟

 

فارس

الكابتن الحقيقة يستاهل كل خير.. مش اقل من إنى أتبرع له بكل مجهوداتى..

و أساعده في شغله.. هييه.. الواحد تعب قوى..

(يلتفت نحو البوفيه للخلف) أما أروح أقعد شوية في الكازينو ده..

 
عشرى

(بحرقة) أنا لازم أروح جرى أستنى على الرصيف.. الدنيا حر.. لكن برضه..

يجوز لو الكابتن لقانى مستنى يحنّ علىّ ويوجد لى مكان في السفينة..

(يذهب مسرعا متقدما يسارا للأمام فيصطدم بفارس أثناء تراجعه فينظر إليه بإشمئزاز،

و يواصل طريقه حتى يجلس على المنضدة المجاورة للسمين،

بينما يقف عشرى في أسفل يسار المسرح ووجهه للجمهور،

ثم يضع يده على عينيه متطلعا كمن يراقب مجئ السفينة)

 

يدخل من اليمين رجل يبدو عليه مزيج من الإستهتار والتمرد

 

المتمرد

(يمسح عرقه) يا ساتر.. هوووف.. الجو حر وكئيب.. مفيش فرفشة..

فيه حاجات كتير هنا موش تعجبنى..

 

دعبس
(يلمحه فيهرول لإستقباله) يا بييه يا بييه..
 
دعبس

(يلمحه فيهرول لإستقباله) يا بييه يا بييه..

 

المتمرد

عايز إيه إنت كمان؟

 

دعبس

محسوبك دعبس مدير البوفيه..

 

المتمرد

تشرفنا يا سى ترمس يا بتاع الباليه..

 

دعبس

سلامة سمعك يا بيه.. دعبس يا بيه دعبس.. ومجسوبك قهوجى مش بتاع باليه..

 
المتمرد

إتكلم معايا بإحترام.. فاهم؟ أنا سمعى سليم غنت اللى صوتك واطى؟

 

دعبس

أنا يا بيه صوتى واطى؟ معلهش.. إلا دى..

ده أنا بالذااات (يصرخ) صوتى مسمع الناس دى كلها.. العتب عالسمع..

 

المتمرد

بقول لك أنا سمعى ستة على ستة.. غنت اللى صوتك واطى زى بيئتك..

و كمان مش باين عليك بتعرف ترقص باليه..

 

دعبس

بوفيه يا بيه بوفيه.. الأول لازم تقعد عالبوفيه وبعدين ييجى اليوم اللى نرقص فيه كلنا باليه..

باليه بحيرة الدود.. قصدى بحيرة البجع.. أهو يا بيه البوفيه (يشير إليه) شايفه يا بيه؟

و لا نظرك ميتخيرش عن سمعك؟

 

المتمرد

إنت باين عليك قليل أدب.. قلت لك سمعى ستة على ستة..

 

دعبس

(بصوت منخفض) طب نصيحة يا بيه.. ركب نضارة حفظ سمع..

 

المتمرد

(ثائرا) إلزم حدودك.. إنت ناوى تهزر معايا؟ أنا هربيك على قلة أدبك دى دلوقت..

 

 

دعبس

(مستظرفا) هاهاها.. أديك سمعت.. مبروك يا بيه رجعت لك حاسة السمع..

(يداعبه بيده فيزيحها المتمرد بغضب) جالك كلامى؟ مش قلتلك صوتى بيسمع؟

طب ده فيه ناس يا بييه كل مشكلتها إنها بتسمع صوتى.. تصور؟

 

المتمرد

(بتهديد صارم) أنا هصور قتيل.. لو خايف على اكل عيشك هنا يبقى تلم روحك..

تشوفنى في مكان تروح أبعد حتة عنه..

لو عايز يصبح عليك بكرة هنا يبقى متورنيش وشك ولا تسمعنى صوتك.. فاهم؟

 

دعبس

(متظاهرا بالتراجع وبنبرة خاضعة) فاهم.. فاهم.. (يستدير نحو المقهي)

 

المتمرد

مخلوق مزعج.. إنت يا قهوجى تعال.. إسمع باقى الكلام..

 

دعبس

(يعود إليه بنفاد صبر) أفندم.. إيه تانى؟

 

المتمرد

ما أسمعش حسك المزعج ده طول ما أنا هنا.. مفهوم؟.. روح روح..

 

دعبس

حاضر.. سمعا وطاعة..

 

المتمرد

أنا قلتلك إمشى؟ تعال هنا.. (يستدير دعبس نحوه دون أن يتقدم) ولا اشوفش خلقتك الزفرة دى..

 

دعبس

ما قلنا حاضر.. يا مهون عالتلاكيك..

 

المتمرد

(يسرع خلف دعبس وهو يلوح بيده) أشوفك ولا تيجى ناحيتى بدى (يشير لحذائه)..

ملكش عندى غير دى..

 

دعبس

(يلتفت نحوه فجأة وينظر له بشراسه وهو يرفع يديه كمنينشب مخالبه فيتراجع المتمرد مذعورا)

عالم تخاف متختشيش.. يا حظك يا دعبس مع جنس بنى آدم

(يعود للبوفيه بينما يتجه المتمرد للتجول في خلفية المسرح مستعرضا الديكورات واللافتات)

 

تخفت إضاءة المسرح لتتركز على مكتب المشير وأمامه نعمة ونشيطة

 

المشير

المينا بدأ يبقى فيه حركة.. شدوا حيلكم يا بنات وشوفوا شغلكم..

 

تتجه الفتاتان نحو المتمرد فتقف نعمة على يمنه ونشيطة على يساره

 بحيث تكون وجوه الجميع نحو الجمهور

 

نشيطة

يا أستاذ.. (ترفع صوتها) يا أستاذ.. (لا يلتفت كمن لا يسمع فتضع يدها على فمها كمكبر صوت)

هو حضرتك مسافر برضه؟

 

المتمرد

(يلتفت لها) ده صحيح..

 

نشيطة

الراجل اللى كان واقف معاك ده كان عايز منك إيه؟

 

المتمرد

ده لزقة.. بس أنا قمت معاه بالواجب وحدفته بعيد..

 

نعمة

خد بالك يا أستاذ.. ده هيحاول معاك بكل الطرق يعطلك عن السفر علشان تقعد عنده

في المخروبة بتاعته..

 

المتمرد

فعلا هو حاول.. بس ولا يهمك منه.. أنا غديته درس عمره ما هينساه..

(يبتسم) شوفتونى وأنا بخوّفه؟

 

نعمة

المخلوق ده في منتهي الخبث.. متفتكرش إنك هزيته بالكلمتين بتوعك.. الأفضل إنك تتجنبه تماما..

لو فتحت باب معاه مش هتقدر تقفله.. إنت مش قده...

 

المتمرد

(مقاطعا) عند حده.. صحبح.. أنا فعلا وقفته عند حده..

 

نعمة

هو إنت متسمعش إلا اللى يعجبك بس؟ بقول لك إنت مش قده..

لو فتحت له الباب مش هتكون قده..

علشان تخلص منه تقفل باب الكلام في وشه.. ولو معرفتش تبقى تندهنى في أى وقت..

أنا هنا في خدمتك

 

المتمرد

حضرتك مين؟

 

نعمة

أنا نعمة..

 

المتمرد

مستغناش يا آنسة نعمة.. أنا محدش يقدر يعطلنى عن السفر..

فما بالك بالقهوجى ده؟ عموما أشكرك على عرضك الكريم بالمساعدة..

هتلاقى غيرى كتير محتاج..

ماهو مش أى حد يقدر عليه فعلا زى مبتقولى.. ناس ناس

 

نشيطة

خد بالك يا أستاذ.. الموضوع مش بالسذاجة دى.. ده مدرب.. إيه؟

 

المتمرد

ماهو حضرتك مش كنتى واقفة وشفتى بنفسك؟ انا كمان مش سهل..

قعدت ساعة سااعة أزعق فيه وأقول له: إسمع.. مفيش اى كلام بيننا خالص..

و أوديه وأجيبه.. وهو برضه الحق يتقال عارف مقامه معايا كويس..

لما شاف هيبتى خدها من قصيرها ولايمها.. وقعد زى الفار في البوفيه هناك اهه (يشير نحوه)

أما حتى بفكر أروح أقعد هناك أغيظه.. اتسلى كدة لحد السفينة متيجى..

(يهم بالذهاب فتمسكه نعمة)

 

نعمة

تعال هنا رايح فين؟

 

المتمرد

(مستظرفا) رايح أوريه هيبتى.. علشان مينساش ويفضل لازم حدوده..

 

نشيطة

هيبتك؟ يا هيبتك.. عموما إحنا حذرناك.. ولو إحتجت أى حاجة أرجوك إندهلنا..

 

تتجه نعمة ونشيطة نحو باب المقهي ولكن لا تدخلان

 

 

هنا إنتهي الجزء المكتوب