توفيق لا يَـرْقَى لمرتبةالتلفيق!

رصد سريع لفجوات كتاب "... بين العلم والدين"
للأب هنري بولاد



  أتت هذه النبذة في عُجالة ردّ على طرح الكتاب كحجة للتوفيق بين العلم والكتاب المُقدَّس المناقشة دارت على فيسبوك، كاستطراد في التعليق على قول مأثور لطيف قدّمته في نقد نظريّة التطوّر نقداً إيمانيّاً وأعيد تقديمه هنا بتحويل النصّ الدارج إلى لغة رسميّة مع ترميم بعض الجمل التي كتبتها في العُجالة المُشار إليها، مع ترك الاصل كما هو للشهادة والذكرى :)   لم يأخذ الرد أسرع من القراءة، وليست السرعة مدفوعة بقلة تركيز ولا استهانة وأكيد ليس استهزاءً فليس ذلك من طبعي بنعمة الرب، ولكنها سرعة الخبرة في مثل هذا النوع من "التوفيق" ويمكن أن يُقال إن أخطاء بعض الكتب واضحة تتقدمهم إلى الرصد والنقد..   وبعد رصد هذا الكم من المغالطات سريعة الانكشاف لم تكن من حاجة لاستكماله بعد فصلين كانا كافيين لإكفائه والانتقال لغيره ولم يَرُدّ من دفع بالكتاب رغم أنه بدأ التداخل بحماسة وثقة واعدتين..




  قرأت الجزء الأول من كتاب الأب بولاد.. البطريركية الكلدانية - الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين للأب هنري بولاد،
والذي يهدف فيه، بصريح تعبيره في صفحة 10، إلى التوفيق بين الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديثة، وهذا ما كتبه:
"الموقف الرابع، وهو ما أصبو إليه، هو محاولة لتوحيد وترابط وتوافق بين الدين والعلم، وأتمنى أن انجح في ذلك، وهو الخط الذي سننتهجه في صفحات هذا الكتاب وفصوله"

  ولم تتحقَّق أمنيته بالنجاح بكل أسف!
ولا أدلّ على ذلك مما يلي:


  1)   في صفحة 16 يحاول الكاتب توفيق تطور حال الأرض فيقول:
"قبل انهمار المياه يصف الكتاب المقدس حالة الأرض الأولى، كما يلي:
وكانت الأرض خاوبة خالية وعلى وجه الغمر ظلام (تك1:2) فلم تكن آشعة الشمس قادرة على النفاذ من خلال الغيوم"


  ولكن من أين أتت الشمس إلى خيال الأب بولاد، بينما النور نفسه لم يكن قد خُلِق في (العدد 2)؟ النور خُلِق بعد ذلك بعد خلق السماء والأرض (تك1: 1) وكانت خلقته في اليوم الاول من أسبوع الخليقة التي عمَّر بها الرب الارض المظلمة في تك1: 2)..
ثم حتى أنوار السماء ومنها الشمس خُلِقضت في اليوم الرابع (تك1: 14)..

  فلم يكن وقت خلق السماء والأرض السابق على أسبوع الخليقة أي خلق للنور هل يصح ذلك أو يًصدَّق ما جادت به قريحة الأب بولاد للتوفيق؟!؟!

  هل ذلك هو توفيق العلم مع الكتاب المقدس؟
  أم عبث على مستوى مفرط السذاجة بالكتاب ؟
  أم يُحتَمَل شيءٌ آخر وهو أن خلفية الأب الموقر بولاد لم تخلُ من النزعة المحدثة التي أغرقت كنيسته نحو الانتصار لنظريات هو نفسه يسميها نظريات، وعلى حساب الإقرار بدقّة الكتاب المقدس؟

  فليكن أن هذه هي خلفية الأب بولاد ولكن لا يحقّ له ولا لغيره أن يُسمِّي أحدهم هذا "توفيقاً مع الكتاب المقدس"؟

  إن الكتاب المقدس في فكر ذلك الكاتب، إن كان واعياً لما يكتب، ليس مضمون الانضباط في ترتيب الأحداث، فترتيب أحداث الخليقة في الكتاب المقدس محلّ شك أقوى لديه من الشك في صحة "النظريات" العلمية التي ما زالت نظريات وبعضها حتى "افتراضات" وليس نظريات بحسب قول العلماء انفسهم!

  فإذاً هو لا يوفِّق العلم مع الكتاب بل ياخذ من النظريّات والافتراضات في ناحية البحث العلمي ويعتبرها حقائق يعيد على أساسها ترتيب أحداث الكتاب المقدس، ويتكرَّم بإغفال جرح مشاعر قارئه بالنصّ على أن الذي يُعاد ترتيبه هو الكتاب المقدس يترك ذلك متكرِّماً لفطنة القارئ..

  ليكن له ما يكون من عقيدة، ولكن هذا ليس توفيقاً مع الكتاب المقدس، بل مخالفة له، ومن يسمي عمله هذا "توفيقاً" مع الكتاب المقدس فهو غشّاش سواء كان صاحب التسمية قارئ يرشّحه لغيره، أو كان هو الكاتب نفسه حين سمّاه هكذا..


  2) وفي صفحة 44 يحاول "التوفيق" مرة ثانية بين نظرية الانفجار العظيم من ذرة واحدة مُركَّزة، وبين قصة التكوين، فيقول:
"هكذا كانت المادة الأولى في بداية الكون، كانت على شكل مُركَّز للغابة، وهذا الانتشار او الامتداد جعل المادة تأخذ شكلها بصورتها الحالية. قال الـله ليكن نور فكان نور هذه هي أول أعمال الخلق كما ورد في سفر التكوين (تك1:3)، فهل نفهم من هذا ان المادة الأولى كانت على شكل نور؟"

   بل نفهم من هذا أن الأب بولاد لم ينجح في التوفيق بين الدين وبين نظريات الالبحث والافتراض العلميّ، ، وإن كان صدقَ في أنه "يحاول" التوفيق،

  ولكن محاولته تأتي على حساب الكتاب المقدس الذي يدعي عليه بكل بساطة، ومن عنديّاته، ولا كان الكتاب المقدس حاضر ومتوفرّ، أن أول اعمال الخلق هي خلق النور..

  وقبله بعددين يقول أنه في البدء خلق الـله السموات والأرض! كانت السموات والأرض والغمر موجودة قبل خلق النور فلا تستقيم رواية الكتاب المقدس مع رواية الانفجار العظيم.. !إلا بعد حذف عددين من سفر التكوين أو بعد دفع الأب بولاد لعدد لاحق إلى أعلى..

إذاً هذه "محاولة" على قول الاب بولاد، ولكنها لم تنجح في التوفيق، لأن التوفيق لا يوافق التلفيق، ولا يكون على حساب أحد طرفيّ التوافق..




  وبعدُ، فهذا هو "التوفيق"!!!
صحيح هذا الاتّجاه توقّعتُه قبل القراءة ولكني لم أحب التسرع في الحكم. .
وما لم أتوقعه هو درجة السذاجة في تقديم هذا الاتجاه على حساب الكتاب المقدس..

   ثم ألن أتفاجأ بعد هذا إذا وجدت ما هو أكثر "سذاجة" في الجزء الثاني الذي لذلك لن أقراه فلا حاجة بدع ثبوت ما ثبت، واوفّر الوقت لشئ نافع للمُتابِع لقراءة إنتاجي المتواضع بدل مزيد لنقد ما بقي نقده تحصيلاً لما هو بكل أسف حاصل،،،


   






Site Gate    Main Table of Contents    Exegetical Technicalities    Sign Guest Book