لقاء مع يسوع

إن في هذا عجباً

right

يسوع: أتؤمن بابن الـله؟

...

المولود أعمى: من هو يا سيد لأؤمن به؟

يسوع: قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو

المولود أعمى: أؤمن يا سيد (قال هذا وسجد للرب)

يسوع: لدينونة أتيتُ أنا إلى هذا العالم حتى يُبصِر الذين لا يُبصرون ويعمَى الذين يُبصرون



لا أُجيد الخطاب وإتقان اللغة..
فعملي طيلة عمري حتى قابلت الرب ووجدته، أو بالأحرى قابلني الرب ووجدني،
عملي هو الاستعطاء أي الشحاذة..
ولا يخدعك فيّ براعة خطابي التي أبكمت المعانيدن الذين صنعتهم هي اللغة والمحاججة..
فتلك كانت نعمة الروح القدس الاستثنائية التي سيأتي دورها في الرواية..
ولذلك لا تطمع في كلام موسيقي مُصنَّع
ولكن أعدك بكلام صُلب راسخ رسوخ الحق الذي يشهد له وينطق به..
لا شك أنك عرفتني الآن إذاً:
نعم أنا الذي يعرفه العالم باسم المولود أعمى..

ماذا كان حالي وقت لقائي مع يسوع؟
إلى ان قابلني الرب تستطيع أن تقول آمناً
إني عشتُ طيلة عمري أكرر على لساني كلمات التوسل والاستعطاف..
نعم طيلة عمري حتى قابلني الرب..
فما دفعني للشحاذة هو عمى عينيّ، وهو ما أنا مولود به..
تذكر هذا جيداً فسيظهر أثره في القصة في وقته..
أمر آخر ملازم لكلام التوسل على لساني وهو خيالات المعاني في ذهني..
كيف هذا؟ فكّر في معنى الألوان..
انت تعرف الألوان بالنظر.. رأيتها فعرفتها..
ولكني لم أرى قط ألواناً قبل أن يفتح الرب عينيّ..
فحين كنت أسمع الناس تتكلم عن الألوان كنت أتخيل خيالات بلا جدوى عمّا يقصدون..
فكّر ايضاً في معنى شسكل جميل وشكل قبيح.. شكل منفر وشكل ذي جاذبية..
كلها معاني بلا معنى لديّ وأتخيل لها معانٍ دون معنى..
إذاً قابلني الرب وأنا لساني مفعم بالتوسل وذهني محشو بالتخيلات الفاشلة..

كيف كان الناس ينظرون لي؟
لا.. ليس فقط كمتسوِّل ضرير يشفقون على حاله..
هذا كان حال البعض الكثير صحيح..
ولكن البعض الكثير الآخر بل وبعض البعض المشفق معهم كان لديهم تفسير
كانوا يفترضون أن خطيّة عظيمة قد فعلتها فعاقبني الرب بمولدي أعمى
كيف أخطئ قبل أن أولد؟
ليست قضية كبيرة فبعضهم يفسر ذلك بالعلم الإلهي السابق
وآخرون يتكلمون عن وجود شابق للأرواح وأي كلام هذا او ذاك..
ثم لا مشكلة لدى من بلدت ضمائرهم في اتهام الآخرين بالخطايا العطيمة الافتراضية..
فإن لم تكن خطيتي فخطية أبي أو أمي أو كليهما..
تعرفون ماذا؟ أحياناً كنت أصدقهم..
"ولكن هذا الحال لم يمنع الناس من إعطائي "حسنة
غالباً إتقاءً لإصابتهم بما أصابني وأحياناً من غلبة الشفقة عليهم..

أين قابلني الرب؟
في محلّ عملي..
كان أبواي أو بعض المعارف حيناً ينقلونني لموضع في قارعة الطريق لأستعطي..
وإذ كان زماننا زمن فقر فقد كنت مورد رزق لا بأس به للوالدين..
أقل القليل كنت أكفيهم عناء مؤونتي إلى أن بلغت كمال السن..
متى قابلني الرب؟
حين كنت قد بلغت السن الكامل الذي يكون الإنسان مسئولاً فيه عن نفسه..
هذه معلومة سهلة هي جزء من ذات قصتي مع الرب
كما تعرف وكما سيأتي دورها في الحكاية..

آه صحيح ملاحظة أخيرة في توصيف القصة: متى كان اللقاء الفريد؟ كان في يوم سبت..
أحب يوم السبت كشحاذ ففيه كانت فرصة لبعض الكلام الدينيّ الذي يعين الشحاذ على عمله
في استعطاف القلوب الأنانية..
وفيه كان الناس يتعطلون إجباراً عن العمل ويسرون لمسافات قصيرة فيسهل استيقافهم بعبارات التوسل..

الآن أنت تحيط بظروف القصة وقت لقاء الرب بي..
كان يوماً ككل يوم من أيام ظلام مملة
لا يكسر حدة الملل فيها إلا شئ بغيض كمضايقة من جندي أو زجر من مارّ..
لم تكن هناك أخبار سارة تكسر الملل..
فقط أمور مكئبة هي ما يمكن أن يقطع خط سير الملل..
يوم ككل يوم فيما بدا أولاً..
هنا لديّ عظة لك:
لا تيأس من حالك ولا تفقد الأمل في نعمة الرب
التي تفوق كل عقل ولا تحكمها أزمنة بشر..
في أي يوم قد تزورك..
وتمنحك أكثر مما تتطلب او تفتكر..
هل أنا مثلاً كان يمككني ان أفتكر في أن أبصر؟ ان أميز الالوان؟
إن
أعرف معنى الشكل الجميل والشكل المنفر؟


right



هكذا كان حالي إذ مرّ بي الرب..
لا أطيل في تفصيله فأنا لا أقل تلهفاً عنك في الدخول في متن أحداث اللقاء مع الرب..
تناهت صيحات أن يسوع يمرّ بالطريق..
سرّني هذا..
لم أكن قد سمت عنه قبلاً..
ربما مر بي خبر او شئ ولكن لم أعرفه ولم أكن أعرف أنه هكذا معروف..
تسألني لماذا سُرِرتَ إذاً بمروره؟
هل هذا سؤال تسأله لشحاذ؟
مرور شخص يبدو من صياح الناس أنه معروف وأنه ذو شأن لديهم يفيد بتوقّع ازدحامهم..
والناس هم مصدر رزقي..
جيد وكريم أن شخصاً مشهوراً يمر ويجلب معه الجمهور..
وما عليّ إلا مواصلة عملي بمد يدي..



right


ولكن يبدو أن شيئاً ما يحدث..
الزحام يقترب مني والضجيج تتطاير منه كلمات عني..
الكلام عن حال خطيتي أو خطية والديّ يتطاير إلى أذني..
لا جديد.. اعتدت على ذلك وحاجتي وعجزي يغلبان شعوري بالغضب فأصمت..
ثم لا عجب أن ترد هذه السيرة في حديثهم مع راباي
وهي السيرة التي لم تنفك عن ألسنتهم في المرور العابر والجلسات التافهة..

ولكن هناك جديد..
هناك جديد قيل..
هناك ما لم يُسمَع من قبل..
تذكّروا أن الأعمى العينين مفتوح الأذنين جداً..
وربما لم أسمع هذا وقتها وسمعته بأثر رجعيّ
بعد عمل الرب معي وإيماني به والتصاقي بكنيسته..
ولكن على كل حال سمعته وسمعتَه أنت أيضاً..
جديد..
قيل أمراً جديداً..
قال لهم يسوع: "لا هذا أخطأ ولا أبواه ولكن لكي يظهر مجد الـله فيه"..
لم يقل الرب هنا إنني ووالديّ بلا خطية
ولكنه كان ينفي أن خطية بعينها هي السبب في حال عينيّ..
وليست هذه هي القضية الجديدة..
بل الجديد أن حرماني من البصر الجسديّ كان لكي يظهر مجد الـله فيّ..
لحطة..
إن كنت في مكان السامعين فلعلك كنت تظن أن مجد الـله الذي قصده الرب في كلامه
كان في إظهار قدرة الـله على حرمان بعض خليقته من عطاياه مثلما هو في قدرته على منحها..
هذا تفكير كثيرين..
ولكن لم أفهم هذا هكذا ولا يفهم عاقل هكذا إلا عميان الذهن والضمير..
ذلم لأن حالة الولادة بالعمى لم تنفرد فيّ أو في عدد نادر بل هي حالة معروفة..
فلا إعجاز يلفت نظر البشر حتى تكون تلك حالة كفيلة بغظهار مجد خصوصيّ لـله..
وعلّة أُخرى لعدم فهم كلام الرب هكذا،
يلتقطها مفتوحي الآذان:
نبرة صوت الرب كانت ممتلئة بالوعد والمسرة..

على أني حتى وقتها ومع فهم كل هذا كنت مستخِفّاً بكل ذلك..
فهو راباي طيب لا يقصد المعاني القاسية التي يفهمها أجلاف البشر وما أكثرهم..
ولكن ماذا سينوبني منه إلا أنه يستغل حالتي لكي يعظ..
كنت مادة وعظ وتعليم رخيصة أو قُل مجانية لديه..
وبهذا فهو الوجه الآخر للعملة البشرية:
القساة يعظون أنفسهم بي بقولهم "من رأى بلاوي الناس"
وحتى الرباي الذي يبدو طيباً فلعله هو الآخر يستغلني على نحوٍ ما لحساب مهنته..
لا جديد في البشر..
كله يبحث عن مجد ذاته وهم يتكلمون عن مجد الـله..
الفريسيون يمجدون الـله بتعييري..
والراباي يسوع الطيب يمجد الـله بالتظاهر باللطف..
وكله على حسابي..
ولكن لا ضرر.. فما يضيرني اكثر مما انا فيه؟
أقلّه تتوفر لي مصلحة بازدحام الناس..
الناس..
الناس..
إنهم يقتربون بضجيجهم ويبدو أن الرباي يسوع هذا في بؤرة الجمع..

شئ ما يحدث بالقرب اللصيق مني..
صوت ما..
ليس صوت شخللة العملات الضئيلة التي أعرفه جيداً..
إنه صوت بصاق..
نعم بصاق!!
ماذا يجري؟
آااااااااااااه..



right



لم يحدث لي هذا من قبل منذ آخر مرة وضعتُ أصابعي أنا على عينيّ
لأحاول استجلاء أمرهما بحاسة اللمس التي لم يبقى لي غيرها مع السمع..
كلمني يسوع بكلمات طيبة بصوت عذب له سلطان ثم..
ما هذا؟
إن إصابع ما تدعك عينيّ بمادة رطبة..
طين..
أنا أعمى منذ ولادتي ولكني خبير بالطين مع ذلك
بل لذلك عينه..
إذ طيلة مقامي هي في الطريق وطالما اختبرت الطين..
وحاسة اللمس هي حاسة رئيسة للأعمى وكانت ملامسي كأعين لي
آها.. فهمت,, لهذا كان يبصق..
يبدو أن يسوع يُجري اختباراً ما على عينيّ..
لن أتركه قبل أن يعوضني بـ"حسنة" ليست بقليلة..
لا أحد يختبر متسولاً ويجرِّب عليه أوهامه مجاناً..
هل ينقصني الطين المصنوع بالبصاق؟
إن في هذا عجباً
ستتكرر هذه الكلمة التي لازمتتني وذكرها الإنجيليّ التلميذ يوحنا حبيب الرب على لساني
والذي كان أقرب الواقفين لصيقاً بالرب حاضراً اللقاء وسجّله مع كل تبعتاته..



right



ولم يتوقّف العجب..
وجَّهني يسوع بالذهاب بي للاغتسال في بركة سلوام..
الذوق كله واللطف كله في المعلم يسوع..
أنا لا أرى ودائماً بحاجة لمن يقودني..
وكان المنطقيّ أن يقول لي: سيأخذونك لتغتسل..
ولكنه كلمني كأنتي صاحب أمر نفسي..
قال لي اذهب اغتسل في بركة سلوام..
لماذا يركة سلوام؟
بركة كأي بركة..
لعل الراباي يسوع يحاول حبك دوره بإلإيحاء بمعاني كلامت من حيث لا معنى..
ربما يحاول إنشاء بركة تحمل اسمه
مثلما هناك بركة بيت حسدا
المعروفة بنزول الملاك فيها لتحريك الماء لشفاء أول من ينزل بعدها..
من يدري..
قال بركة سلوام، وهم سيبقودونني إليها على كل حال..
لم أتوقّف وقتها لدلالة المعنى.. فيما بعد ظهر لتعيين البركة
دلالة خطيرة وخطيرة جداً بقدر خطورة الخليقة الجديدة كلها..
بقدر قيمة أن يتصوّر المسيح في الواحد..
سأعود لذلك في وقته لا داعي للعجلة..
الآن وأنا منقاد تجاه البركة يسوغ التريّثث قليلاً في وصف الأحداث
لكشف بعض اعتمالات نفسي وقتها:
فرغم كل عوامل الشك بل الاستهزاء،
فليس من بد دون إقراري أن نفسي استراحت لعذوبة يسوع وطيبته،
وانحزتُ لتصديق أنه يصدق نفسه..
وليتني أستطي تصديقه أنا أيضاً.. رغم عجيب ما يفعل!!
أمسكوني وقادوني حتى البركة ليغسّلوا وجههي..
ولكن ما جدوى ذلك كله؟ هكذا تساءلت!!
لا ضير بل كله مصلحة.. سأكلفهم ثمن جنونهم هذا بمجرد أن تنتهي محاولتهم..
لأصبر وأرى نهاية الأمر..
ماذا قلتُ؟
لأرى نهاية الأمر..
نعم لأرى إن كنت سأرى أم ماذا!!!
لم أكن أتجيّل أنني سـ"أرى" بكل معنى الكلمة..
ارتجفت رغم عدم توفّر أي رجاء..
باقٍ لحظات ويكبّون الماء على وجهي وأرى نتيجة "العمليّة"..
أرى..
تعجز الألفاظ هنا وتصير باطلة للوصف وإنما شئ من اثنين هو الفاعل
إما أن يخوض الواحد التجربة بذاته
أو يُمعِن خياله لاستيعاب بعض إحساس من خاضها بنفسه..
وسأحيطك ببعض عوامل الموقف لأعين مخيلتك على استيعابه والاقتراب من إحساسي..
كانت حاستي الرئيسة في التعرف على المحيطين هو الصوت..
الآن أرى شكل الواحد فأعرفه من صوته..
لقاء مدهش مذهل مع كل واحد حولي..
هكذا بقيت تجربتي لأيام بعد المعجزة..
أنت فلان هذا شكلك ما أعجب هذا..
ستقول لي: كنت تقابل بين شكله الحقيقي وشكله في خيالك؟
اجيبك لا.. تذكر أنني مولود أعمى وليس في خيالي أصلاً معنى لكلمة شكل..
ألم أقل لك إن التجربة تحتاج لخيال دقيق أو أن تجتازها بنفسك
عافاك الرب من احتياجك لهكذا معجزة..
أبي وأمي كانا من بين من رأيتهما وتعجبت وتعجبا، وإن كانا غير مستريحين تماماً..
ربما لأنهما قلقا من فقدان مصدر رزق،
أو ربما لأنهما كانا قد اعتادا على الحال،
وكثير من الناس أعداء التغيير بما يصاحبه من قلق ومفاجآت..
أول من رأيته كان نفسي في انعكاس صورتي على مياه بركة سلوام،
وكان أمراً غير مفهوم لي أنني أرى نفسي في لوحة مياه..
فهمت كيف أرى المحيطين بي بذواتهم ولكن كيف أرى نفسي في المياه؟
خليقة الرب عجيبة وسأرى كثير من العجائب.. ولكن،،،
لم أر يسوع نفسه بعدُ!!
أين هو؟
بعدما رايت الكثيرين وتعمقت سريعاً في تجربة رؤية الوجوه
والتعرف على ما تتركه من انطباع في النفس من حيث نظرة عيونها،
ملأ خيالي صورة أعلى من الجميع لمنظر وجه يسوع وانظباع نظرة عينيه..
ولكن أين هو؟
كيف أرى ولا ارى من جعلني أرى!؟



right


كان أول يومين بعد إبصاري فترة براءة الهناءة التي لا تتكرر
كنت أُسرّ جداً حينما يتعجب الجيران الطيبون من إبصاري ويقولون:
أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟..
كنت أنتشي حين يتحيّر من هم أبعد قليلاً في معرفتي..
وكنت أمتلئ غبطة حين كنت أشفي حيرتهم بقولي:
إني أنا هو..
ولكن لم أكن أنتبه لما يدور خلف بعض النفوس
حتى علمت بعدها أن شفاء أعمى مسكين يوم سبت كبيرة في حق ضمائرهم..
بينما عماه ومسكنته لطيفة علتى قلوبهم
وفرصة لهم للاستهزاء بخطيته التي صنعها قبل ميلاده
أو خطية والديه الأكثر مسكنة منه..
كأنهم كانوا يستخسرون فقدان تسلية منخفضة مجانية بربحي لبصري
تحولت براءة تأكيدي لأني أنا هو إلى مباراة في العند ومحاولة ما تسمونه "كسر الإرادة"..
قاموا باستجوابي من شفاك وكيف شفاك وأين هو
يسوع شفاني طلى طيناً وامرني بالاغتسال في بركة سلوام ولا أعمل أين هو ولا من هو
كل ما اعلمه هو ما سمعته من الناس حوله فإذاص هو إنسان يُقال له يسوع
وغير ذلك لا أعلم
لم يستريحوا.. كأنما كانوا ينتظرون مني ان أسب لهم من شفاني!!
إن في هذا عجباً
كانوا في حيرة وعدم ارتياح ولكنهم لم يملكوا شيئاً أكثر
فقادتهم شياطين حنقهم إلى اقتيادي بدرجة ما بما يُسمَّى لديك "تسليم أهالي" إخلا انه لم يضربني أحد
ولكن العنف المعنويّ لم يكن قليلاً على نفسي..
حتى انتهى مسارهم بي إلى مجمع لذوي وجوه عنيفة هم الفريسيون الذين طالما سمعت عنهم
آه.. لم يكدر صفو الابتهاج بمعجزة التاريخ هذه إلا وجوههم..
ياليت العيون المبصرة كان لها غربال فتصفي عن رؤية مثل أولئك..
إن مناظرهم فلأول وهلة مبهرة وكنت أرى "خضّتهم" على عيون المبصرين الذين اقتادوني..
فكم بالأكثر أنا محدث الإبصار..
ملابس وعقد وشراشيب وعمائم وأغطية رؤوس ووجوه..
لو كان المشهد بغير هذه المواجهة والمباراة الغبية لكانت مناظرهم من أمتع المشاهد..
كيف فتح عينيك؟
كم مرة أجيب على هذا السؤال؟ اختصرت الإجابة هذه المرة بنفاد صبر:
طلى عينيّ بالطين واغتسلت فصرت بصيراً..
وهنا تحولوا للكلام فيما بينهم
وظهر لي ما كنت أدركه من البداية حنق الفريق الأكبر وحسدهم ليسوع وتشنيعهم عليه بحجة انه كسر السبت
ودفاع العقلاء عنه بقولهم إن إنساناً خاطئاً لا يقدر على صنع هكذا آيات
وبعد جدل عنيف ليس بقليل أذهلني
إذ كنت طالما في مجلسي على الطريق أسمع العوام يتندرون بجدال الفريسيين
ولكن لم يسبق لي حضور جدلية بينهم بالفعل
حتى كانت المعجزة الأعجب في التاريخ التي صنعها يسوع معي فأهلتني لحضور هذه الجدلية
ولزيادة العجب- وكلم لا يزيد وقد انفتحت أعاجيب السماء مع معجزتي،
فكانت أيام كلها أعاجيب- لزيادة العجب تحولوا من جدالهم معاً للكلام معي ثانيةً فسألوني:
ماذا تقول عنه من حيث انه فتح عينيك؟
عجباً.. هل ينتظرون رأيي؟ ألست مجرد شاهد للحدث
هل انا عالم مثلهم؟
ولكني اجبت بتلقائية العوام ونقاء البسطاء:
إنه نبيّ
النبيّ هو من يتصل بالرب ويعلمنا عنه ويعمل أعماله..
إذاً يسوع نبيّ لأنه صنع معجزة لا يقدر عليها إلا الـله فحتماً قد اخذها منه
فعادوا للدمدمة وتكررت إيماءات منهم تتهمني بالكذب وتتهم من اقتادوني بالغفلة والانخداع
يحاولون الآن إثبات أنني لم أكن أعمى
إلى هنا كان الموقف لايزال بغير الخطورة التي تبدّت فيما بعد..
ولكني فوجئت بخبر أنهم استدعوا أو بالأحرى اقتادوا والديّ للمجمع
ورأيت انزعاجهما الذي يكاد يكون ذعراً..
فكانت تلك هي بداية تحول الموقف من هناءة العجب بالمعجزة
إلى سماجة التعجب من حال أولئك..
ولكن لأنني لم اكن أعلم ما سيصير له الأمر فيما بعد فقد استرحت لذلك..
قلت في نفسي لم يصدقوا إني أنا هو ولكن ووالديّ سيحسمان الأمر..
ولكن لم يكن المنتهى بعد، بل الهدوء..
الذي يسبق العاصفة والزوابع والبراكين التي اعتملت في نفوس أعجب مخاليق الرب..
قال والديّ: هذا ابننا ووُلشد أعمى..
وأكثر من ذلك لا نعرف واسألوه هو كامل السن..
لقد خاف والديّ من الإجابة على اي شئ بعدها..
هنا وأحيطك بأن المجمع لم يكن سلطة روحية محض
بل كان له جنود وكانت له سلطة مدنية فوق الروحية التي تستدعي معها بالضرورة سطوة اجتماعية نافذة..
فلا غرابة من ذعر والديّ المسكينين إزاء مجمع متسلط على غير وجه وله رهبته..
وبقي والديّ أثناء اقتيادهما، كما قيل لي فيما بعد من الأقارب والجيران، يولولون:
إنه كبير بالغ كامل السن ابحثوا عنه واسألوه فيجيب عن نفسه..
بلغني أن المجمع الكبير عاد يطلبني وأرسل من يحبثون عني.. ولكن ماذا لي؟
لقد ظفرت ببصري ولا أغلى إلا ظفري بملسة محبة الرب لي ودفاعه عني..
وأنا أفهم وق كل شئ سبب انزعاجهم وحنقهم من أمر معجزة الرب معي،
لأنني وإن كنت أعمى وإن كنت متسولاً ولكني أفهم كغيري اعتمالات النفوس
وحسدهم لسمعة "الرباي يسوع" وتجمع الجماهير حوله..
وليس إلا قليل وقد وجدوني وطلبوني للمجمع..
كل ما سبق كان الهدوء، الذي يسبق العاصفة،
التي ستسبق ظهور الرب..
وقبل استكمالك للقراءة أدعوك لاستدعاء كل التفاصيل التي توسعتُ في حكيها في البداية
فهي التي تقيس عظمة المعجزة التي حدثت حين وقفت أمام المجمع!!



right


الآن أنا أمام المجمع الرهيب ثانية..
أقول لك سراً فكهاً:
بعد المرة الأولى بقيت مناظرهم بأزياهم وبداعة تفصيلها تخايلني
فكنت رغم رعبة الاقتياد الثاني لهم أتشوق لمعودة النظر لمنظر مجمعهم..
منظرهم لطيف لمن يشاهده من بعيد ولكن في مواجهتهم شر يستشعره الواحد بغير معلم..
وفعلاً كان في نظراتهم ونبراتهم هذه المرة ما زاد على ما كان في المرة الأولى..
ظهر أنهم أخذوا الموضوع أو أن الموضوع اخذهم لخطورة خانقة لهم وبالتالي ستنعكس على مصيري..
..
انتبه:
المعجزة ستنبلج الآن!!
ومجد الرب سيعمل في أذهل مستوياته!!!
هل تظن أن ما سبق هو المعجزة التي ظهر فيها مجد الرب والتالي هو توابع لها؟
كلا كلا..
ولا حتى في مواجهتي الاولى لهم لم يكن كل العمل قد ظهر في أوج مجده بعد
إن كانت معجزة الشفاء المهلة غير المسبوقة كنور القمر
وعجائب مواجهتي الاولى للفريسيين كالنجمة البدريّة
فإن الىتي هو نور الشمس بالقياس
فالمعجزة معجزتان والمجد\ ظهر على مستويين..
فاما ما سبق فقد كان المعجزة الأيسر..
والمجد في صورته المرئية..
والتالي هو المعجزة الأعجز والمجد الأمجد..
أيما أيسر: أن تبصر عيون الجسد أم عيون النفس؟
وأيّما أمجد؟ أن يتمجد الرب في خلقيته الترابية أم في خليقته الجديدة العامل فيها روح مجده؟
لم أكن وقتها أدرك حقيقة المعجزتين وتمجد مجد الرب في عمق النفس، ،
ولأعُد حيث توقفت حتى يأتي وقت كل شئ في دوره،
ولكن لزم تنبيهك وأنت تتابع أن المجد الذي ظهر هو عربون للمجد الىتي عمله فيّ..
وعلى سيرة المجد فلإن المجمع بادر الكلام بما لم يسبق له معي
قال لي اعط مجداً لـله
هذا استحلاف خطير وافتتاح لجلسة شهادة مجمعية خطيرة
أعطيتُ مجداً لـله والحق أن الـله سبق وتمجّد في معجزة بصري
وأستبق الأحداث لأقول إنني اكتشفت بعدها ان مجده كان يعمل فيّ في وقوفي امامهم بأعظم من كل ما سبق
إذاً أنا مطلوب مني إعطاء المجد
أنا الذي للتوّ قد تمجّد الرب فيّ كما لم يتمجد في احد منذ بدءالخليقة
فياليتهم هم يعطون مجداً لـله ويتوقفون عن محاولتهم كسر عنق الحقيقة
عدت لحظة ليوم سابق
كنت امساً أستعطي ولا ارى شيئاً والامور هادئة
الآن صرت مهماً لكثيرين وأراهم وكانهم يحسدونني على نعمة البصر فينكِّدونها عليّ بمناظرهم المنفرة
الآن أنا أمام المجمع مُستَحلفاً أقول ما يثير عجبهم وأرى وأسمع ما يثير عجبي:
العجب على كل وجه
ولكن وجوهمم مكفهرة وحانقة والعجب يزيدها حنقاً وعيونهم تفيض مكراً..
وقد أدركت ذلك نعم:
فإنني بخبرتي الطويلة في العمى،
ورغم حداثة خبرتي في البصر والتعرف على دلالات الملامح،
فقد تعرفت على عماهم من مناظرهم..
هم عميان قلوب ونفوس وبالقصد..
لهم أعين ولكن يغلقونها..
الحسد أوصد جفونهم ولصقها..
وأما أنا فأبصر..

لحظات كنت أفكر فيها وانا استعد لإعطاء المجد الذي طلبوه
ولكنهم لم يمهلوني فقالوا:
نحن نعلم انه خاطئ.. كرروا بحنق..
قالوا فوراً بعد الاستحلاف
لم يعطوني فرصةً حتى لكلمات الاستحلاف من جانبي
إن في هذا هزلاً
طالما تعلمون فلماذا تنتظرون مني أنا الأقل من عاميّ موافقتكم؟
هل من فمي انا تُؤخَذ الشريعة ويُفهَم الناموس ويُحكَم على الناس؟
أيها العميان الفهم والأغبياء هل لو قلت أنا الشحاذ الجاهل أنه خاطئ صار كذلك؟
تنتظر مني ان أقول هنا أيضاً: إن في هذا عجباً؟
كنت أكرر هنا في الرواية تعليقي الشهير "إن في هذا عجباً"
ولكن سبقني قبل القول الانتباه لقصدهم..
لا عجب هنا لأنهم عميان ضمائر ولا يهمهم الحق بل يهمهم إخفائه
وفي شهادة الذي صارت إليه المعجزة أداة شريرة يستعملونها لإعماء الناس..
سيشيعون أن الذي أبصر هو نفسه قال إن من شفاه ساحر..
سيكملون من عندياتهم أي كذب
وسيتركون بقية القصة لنزعة الجموع لإضافة "تحابيش" القصص
التي يتسلى بها اختلاقاً واستماعاً فقراء الضمير..
وما كان أسهل مجاراتهم طلباً للسلامة
لولا أنني كلما ضرب أي نور في عينيّ كان كمطرقة تذكرني بفضل من شفاني..

إن تفاصيل الحديث بيني وبينهم تأخذ كل كلمة فيها ليلة للحكي والشرح
وعنوان كل سطر فيها هي كلمة قلتها مرة واحدة خلال المواجهة الأعجب في تاريخ المجمع
كلمة واحدة قلتها مرة واحدة ولكنها تظهر في كل سطر..
إن في هذا عجباً..
على كل وجه
عجب عمل الروح الذي لم أكن قد انتبهت لحقيقته بعد وإن كنت أشعر به وأمتلئ إحساساً بالدفء..
وعجب صَغار الكبار وغباء العلماء ورداءة خلق المحسوبين رجال الـله..
عيّروني حين عجزوا بأنني مولود في الخطية بجملتي
ففي أي شئ وٌلدوا هم؟
هل هم من نسل آخر غير ىدم؟
إن في هذا عجباً..
أم لعلهم وٌلدوا "ليس بمجلتهم في الخطية فأفلتت من الخطية يد لهم او قدم؟
إن في هذا عجباً..
ألا يفتخر الفريسيون بحفظهم للمزامير؟ فهل نسوا قول داود: في الخطايا ولدتني أمي؟
إن في هذا عجباً..
ألم يفهموا ما علم به تلميذ غمالائيل
وكتب بعدما صار رسولاً للرب أننا جميعا مولودين تحت العصيان؟
وغمالائيل هو أحد كبارهم؟إن في هذا عجباً..
آدم سقط وصار سجيناً وكل نسله ولدوا حاملين ديونه وفي محبسته كمثل عبد أولاده مولودين عبيداً..
فمن أراهم أنهم هربوا من هذا السجن؟
إن في هذا عجباً..

يكفي مظاهر التعجب من حال الذين أعماهم حسدهم
أو بالأحرى وهم المبصرون أغلقوا أعين أنفسهم حتى لا يروا..
ولأتحول معك إلى عجب عمل الروح:
لقد اعتاد لساني كلمات الاستعطاف والآن أنا اكدر السائلين
إن في هذا عجباً.. وعملاً للروح..
لقد اعتدتُ التصاغر أمام الصغار والآن أنا أسوق الكبار وأحصرهم..
إن في هذا عجباً ومجداً..
لو تُرِكت لنفسي لفلتت كلمة مني ولو بغير قصد من كلمات التسول الخانعة النبرة ولكن لم يحدث
لو تُرِكت لرد الفعل التلقائي لمُحدِث بصر
يرى أمامه وجوهاً عاتية وعمائم سامقة وألوان أزياء مبهرة لارتبكت كثيراً..
ولكني لم أرتبك ولا قليلاً..
إن في هذا عمل الروح الذي يعمل على خلاف طبيعة الإنسان ويسوقها حيث يريد..
إن في هذا مجداً..
مُشِعّاً وبارقاً بكل العجب
ألم تنه كل نقائصي كمقومات لمجد إرساليتي؟
وماذا أقول إلا ان أكرر
إن في هذا عجباً!!
لقد أطلت في تقديمي للقصة لأجل أن أؤسس لهذه الفقرة القصيرة الثمينة
فأرجو أنك قدَّرت الآن قيمة التقديم وتعلّمت كيف تدرس وتعي أعماق اللقاء مع يسوع

كانت مناظرة بين من ينظر بعد عمى،
وبين من تبطّروا على نعمة البصر فأغلقوا أعين أذهانهم وضمائرهم بإصرار ..
وتجدها مسجلة بتفصيل المفيد فيها في إنجيل تلميذ الرب الأحب له،
والأكثر عناية بالتفاصيل الإنسانية يوحنا..
أحيلك لها ولا استكمل الغوص فيها، لأنني أريد تكريس جهدي في كشف وتفصيل
المعجزة الثانية والمجد الأمجد الذي عمل فيّ..

هكذا دار الأمر ومازالوا مغلقين لأعينهم وأما أنا فلا أخشى تهديدهم ولا أنضغط بضغطهم
فهم عميان بإعلاق عيون انفسهم وأما انا فكنت أعمى والآن أبصر
!!!
أبكمتهم لوهلة هذه العبارة الأخيرة حين قلتُها لأختم جدالهم الأعمى..
أبكمت جملتي المتواضعة أذهانهم لوهلة،
حتى استجمعت ألسنتهم مخزون المحفوظات غير المفهومات بقصد التعيير أطلقوها للتشويش..
إن في هذا ..... ضحكاً..
ضحكاً مبكياً..
تخيّل كبار رجال المجمع كبار العلم وكبار الدولة وكبار كل شئ
تخيلهم "يردحون" لشحاذ

تخيلهم يدخلون سجالاً بعناد الصبيان معه
تخيلهم يعملون رأسهم برأسه؟
إن هذا مضحك..
ثم تخيل علماء المجمع يلجأون لما يسمونه في آخر الزمان "أد هومينيم" أو التهجم على الشخص
حين العجز عن تفنيد موضوع كلامه..
ادم هوميمين ضد من؟ ضد أقل من عاميّ شحاذ أعمى..
وممن؟
من عتاة العلم والمحفوظات..
هم يتوسلون موافقتهم من متسول,br> إن في هذا عجباً
ويستبصرون الرأي من أعمى الميلاد
إن في هذا هزلاً
ثم يدعون أنني خاطئ ويستميتون مني موافقتهم
إن في هذا ضحكاً فوق العجب
إن في هذا عجباً بقدر تواضع شأني مضروباً في عنجهيتهم
وهكذا اتطلقوا في تعييري بعد عبارتي الفارقة التي صارت شعاراً لقصتي بحسب الشائع
اكثروا من التعيير باكثر مما كانوا أولاً على كثرة ما كان في الاول أيضاً

الحق أنا نفسي لم أعلم كيف صغت هذه العبارة النابغة، على بساطتها،
تلك التي صارت قولاً مأثوراً عبر التاريخ..
حتى فهمت فيما بعد سر طلاقتي..
وألم تفهم أنت بعدُ سر كل هذا؟
عد بذاكرتك لقليل بعد بدء لقائي مع الرب..
وتوقف عند قوله بركة سلوام..
الذي تفسيره
مُرسَل!!
ولاحظ كيف بعدما حرص الرب على تعيين موضع غسل عينيّ
كيف اعتنى الإنجيليّ يوحنا بتوضيح ترجمة معنى الاسم..
معجزة الرب كلها رموز لحقائق
استعمل التراب ليرمز لأنه يهدف لخليقة جديدة..
ليس خلق عينين لجسدي فالمعجزة ليست هكذا،
إذ الخليقة المادية الأولى قد استراح الرب منها مرة وللأبد في اليوم السابع
ولكن الرب كان يشير لأنه يزمع عمل خليقة جديدة مبصرة فاستعمل التراب..
ومع التراب وضع ماءً من فمه كأنه ليعمدني..
وأشار لموضع الاغتسال حيث أخرج منه بشبه رسول..
ومن ثم شابهت بل سبق الرسل في كل ما قاله الرب عنهم
من جهة الوقوف أمام المجامع وقفتُ
من جهة عدم الاهتمام بما أتكلم به فروح الآب يتكلم فيهم تم معي وتكلم فيّ كلاماً فوق ما أقدر عليه
كلام لم يستطع جميع معانديّ أن يقاوموه..
وفي كل ذلك كنت أسبق منهم..

هم وقفوا أمام مجامع فانا قبلهم..
هم حل عليهم الروح فأنا عيرت باسم الرب فحل الروح عليّ..
هم لم يتكلموا من أنفسهم بل روح أبيهم تكلم فيهم فأنا أسبق..

وأيضاً تعلم ما يقوله الرسول بطرس:
إن عُيِّرتُم باسم المسيح فطوباكم لأن روح المجد والـله يحل عليكم..
أنت تعلم من المكتوب المشروح ما لم أكن أنا وقتها أعلم عنه شيئاً فيما كنت أختبره بذاته..
ألم يكن هذا كلامي حين استوقفتك قليلاً قبل تدفق وصف هذا المشهد الرهيب؟
حين قلت لك راجع كل تفصيل ما قلته في البداية لكي تحسن قياس المشهد..
وإذ يظهر عجب العجب فيه فإنما إذا عُرٍف السبب بطُل العجب
وكان السبب هو حلول الروح القدس بفعل إرسالية من الرب،
التي مفتاح مغالقها كان بركة سلوام..
صرت سابقاً على الرسل في كل ما قاله الرب لهم..
وسابقاً على كل المعترفين الذين وقفوا أمام المجامع وعُيِّروا باسم المسيح..

أفهم قلقك الآن
أنت قلق من حديثي عن نفسي أنني رسول ومعتمد
والرسول عندك يحتاج لطقس ووضع يد صريح
والمعمودية لها طقوسها اللازمة في وعيك..
افهم إشكالك وحله بسيط وأقرب لك مما تتخيّل:
صحيح بالمعنى الكنسيّ الذي تعهده فلستُ رسولاً ولا ادعيتُ ذلك
ولا استغنيت عن المعمودية ووضع اليد
ولكن من يمنع الروح أو من يعرف أين أو كيف يهب على بعدٍ عام كان أم خاص؟

إن بين عمومية وخصوصية موهبة الغرسالية بعض القول أرجو أن تنتبه لتدقيق أعمى سابق في طرحه:
المعنى الذي ينتهي بعُرف كنسيّ رسوليّ له دوائر متصلة تعم بالكل وشرح ذلك يسير:
أما الرسل رؤوس الكنيسة فإرساليتهم "خاصة"--
من حيث اختصاص أفرادهم بالإرسالية بالإرسالية المسكونية والرئاسة المجمعية،
دون عموم أعضاء الكنيسة..
المعنى الكنسيّ "خاص" من حيث يخص رسل بعينهم عيّنهم الرب وروحه ليكرزوا للعالم..
فالكنيسة كلها تئتمنهم ولهم اعتبارهم كشهود بشهادة الرب والروح لهم..
وبالمقابل فإن عمل الإرسالية يكون عاماً للجميع من حيث هم صورة المسيح أمام من يحيطون بهم..
ولكن من حيثية أخرى-- حيثية موضوع الإرسالية،
فالعمل الرسوليّ "يخص" الرسل المعينين بشكل عام من حيث عمومية عملهم تجاه كل الكنيسة،
ولكنه بالمقابل "خاص لبعض المؤمنين حين يخصهم الرب بموقف بعينه تجاه مجمع أو نظارة بعينهم،
فيقدمون شهادة حق للرب-- فيعملون عمل الرسل وإن لم يكن لهم تعيين بعموم عمل الكرازة للمسكونة..
هو خاص لرؤوس الرسل من حيث رئاستهو وعام للجميع من حيث كونهم صورة المسيح..
وهو عام للرسل الرؤوس من حيث دائرة خدمتهم،
ويكون بالمقابل خاصاً لكل مسيحيّ يشاء له الرب الوقوف في مشهد رسالة ما..
وأما المعمودية فإن الروح، الذي يعمل فيها من خلال الكنيسة،
هو من يعمل في نفوس الناس وقتما يشاء كيفما يشاء،
وهكذا شاء بإبراز رمز للمعمودية وعينة من عملها في معجزة شفائي،
الغنية بالرموز الممزوجة بعينات ظاهرة من ذات العمل الإلهيّ ككرازة له وتعليم مسبق به..
فالعمل الكنسي لازم ولكن عمل الرب فيه أوسع منه: يشمله ولا ينحصر فيه..
وهكذا شاء بسبق إظهار رموز له وعينات منه في شخصي..

أتريد امثلة أخرى ماثلتني في نعمة العمل الرسوليّ في حدوده السالفة الشرح؟
لديك المرأة السامرية التي سبقت الرسل في الكرازة بالرب،
ولم ينفِ ذلك اختصاصهم بخصوصية\عمومية إرساليتهم،
بحسب المشروح البديهيّ الذي لم يكن بحاجة لشرح..
أتريد مثلاً آخر؟ يتمتع بعمل الرسول بمعناه الأبسط مثلما عملت أنا؟
مثل قريب منك جداً:
إنه أنت نفسك-- وكل مؤمن بالرب يحمل صورته ويظهر شهادته متى وُضِع موضع الشهادة..

إن دوائر العمل الرسوليّ ثلاثة:
1) من الآب للابن وسياتي الكلام عن "ابن الـله" بعد سطور في قصتي،
وبعد ساعات من حيث أقف الآن في الاحداث..
2) ثم من الابن والروح لرؤوس الرسل المعينين رسلاً بفم الرب وبعمل وقيادة وملء الروح،
الذين كما أرسله الآب أرسلم هو، والذين كما يشهد الروح يشهدون هم..
3) وأخيراً فكل مؤمن يتلقى الرسالة من الرسل أو من أناجيلهم ومن خلفائهم في الكنيسة،
فهو يصير بدوره رسولاً للرب،
في حدود دائرته الأوسع كرائحة المسيح المتصوِّر فيه نوراً للعالم..
المعنى بسيط إذاً وأنت لاشك بصير به والآن فأنت أبصر..

راجياً الا اكون قد اثقلت عليك بالتفصيل النظريّ..
فلا تقلق على أي حال أن ياخذ أعمى الكلام فينفي لزومه،
لأن ما يثبت الشئ فإنما يفهم منه أنه ينفيه الأعمى فقط..
دعك من هذا النزق والقلق بلا مدعاة، وعد معي لمرافقتي إحساسي بالاختبار الجديد:
لإحساسي بالرؤية وقتها التي زادت وزادت حتى صارت رؤيتين: بالجسد وبالقلب..
انتبهتُ في آخر المشهد الرهيب بعدما هدأ روعي لما كان ينمو فيّ طيلة وقوفي..
إنه امتلاء بخبرة البصر الروحيّ..
إنني أبصر ثانيةً..
بصراً فوق بصر..
أبصر في عمق مفرق النفس والروح مني..
ابصر بنور روح الرب الذي لم أكن أعلم بعدُ انه هو العامل فيّ وقتما أبكمت المجمع المُنيف..
بعمل الروح الذي وعد الرب به أنه يتكلم على السنة رسله..
الروح الذي قال الرسول بطرس أنه يحل على من يُعيَّرون فرحين باسم الرب..
أبصر بصراً فوق بصر عينيّ،
متمجداً الرب في شخصي الضعيف بأعظم مما تمجد اسمه في معجزة شفائي غير المسبوقة..
اختبار فوق الاختبار..
ومعجزة فوق معجزة..
ومجد فوق مجد..
كما من الرب الروح..

حكموا بطردي من المجمع..
لكي تفهم هذا فهو أخطر من حرمان مما تعرفه في الكنيسة باسم "أناثيما" أو حرمان"..
لأن المجمع كان ذا سلطة مدنية وقانونية فوق الاجتماعية..

ولكن تأخّروا..
لقد سبقتهم..
لقد حرمتهم أنا أولاً من احترامي..
الحسد يملأهم ولكن ممن؟
من إنسان نبيّ يجول يصنع خيراً..
إن في هذا عجباً..
كان لديّ ما يشغلني عن الأسى..
كنت محدث اختبار للبصر،
ولازلت أرى الأشياء وأراجعها على توصراتي التخيلية لها قبل معجزة الرب..
هل مثل هذا يؤسفه حرمان عميان القلوب والضمائر والأذهان له؟
ولكن هناك شئ ما ينقصني..
أين يسوع؟
لقد رأيت كل شئ حولي ولكن أعظم شئ في كل ذلك لم أره..
إنه يسوع الذي انعم عليّ بالبصر الذي أرى به..
لن أحسب نفسي مبصراً قبل أن أراه..
أين أجده؟ وكيف أجده؟
بينما الجميع يتحاشون الإجابة عن أي شئ يخصّه خوفاً من مجمع الجلقاء ذاك..
أين ومتى أجد يسوع؟
وجدني يسوع..
لم أجده انا بل هو وجدني..
وما الغريب؟ لقد فعل هذا في بداية قصتنا..
لم أدعه ليشفيني كقصص لعميان آخرين، ولم يطلب من أجلى احد..
كانت حالتي ميئوس منها كما هو معلوم؟؟
ولكنه أتى من ذاته..
أيضاً بعدما طُرشدت من المجمع وجدني هو..
أمرغريب..
في المزامير ترتيل لطيف يقول: "ابي وأمي قد تركاني والرب قبلني"..
وأنا أبي وأمي تخليا عن الدفاع عني والمجمع طردني..
والرب قبلني..
كيف وجدني؟
بكل بساطة.. أتاني وانا اعلم صوته..
وفرحت جداً لرؤية وججهه..
بنوره عاينتُ النور..
مجد الـله في وجه يسوع..
الآن برؤيته وجهه أقول أبصرت بالفم المليان..
قال لي:
أتؤمن بابن الـله؟
قلت: من هو يا سيد لأؤمن به..
الأمر بسيط لديّ: كنت أعمى والآن أُبصِر.. يسوع نبيّ بلا شك..
معنى هذا انه يكشف لنا كلام الحق الذي من الرب الإله..
ما يقوله هو الوحي..
فالإجابة الصحيحة ليست "من هو ابن الـله،"
ولكن "من هو لكيما إذا قلتَ لي يا سيد عنه آمنتُ به"..
انا يهوديّ قبل كل شئوأفهم ما معنى "ابن الـله"..
معناه المسيح الذي يأتي من أعلى ليفتقدنا بخلاص أبينا السماويّ..
وكثيرون ادعوا أو ظن الناس انهم هم..
ولكن الآن معي نبيّ سيفيدني بمن هو..
ومثلما منحني بصر الجسد،
فما كانت تلك إلا علامة لكي أفهم أنه هو من يمنح بصر الذهن والروح..
ليُريني من هو فأرى..
لقد انفتحت أنوار السماء لي مجاناً فيالشكر الرب الإله الكريم على الفقراء التفهاء مثلي..
من هو يا سيد لأؤمن..
اتلهّف للمعرفة والإيمان..
أجابني: "قد رأيته والذي يكلمك هو..
كان درساً خصوصياً لخّص لي فيه منفرداً عقيدة إيمان الكنيسة كلها عبر الجغرافيا والتاريخ:
ابن الـله الذي لا يؤمن بلاهوته إلا من يعمل فيه الروح القدس!
الروح القدس روح المجد والـله،
الذي كان يشهد وأشهد انا أيضاً للرب وقت وقوفي أمام المجمع حين عيّروني باسم الرب!!
الروح هو روح الـله
والرب يسوع هو ابن الـله
وهو هو يقف أمامي معلناً اتصال الآب بي بكلام كلمته وعمل روحه!!!
في هذا يكمل العجب..
عجباً أن الرب يُفرِد لي درساً خصوصياً فوق ما في الدرس ذاته من عجب اللاهوت العجيب..
كل هذا بكلمة حين قال لي "قد رأيته"..

لحظة..
عُد معي لبداية الكلام..
توقّف برويّة مع قول الرب: "قد رأيته"..
:)
تعلم عن الرب أنه دقيق الكلمات وهو الكلمة ولا يتكلم عبثاً و حشواً
ولكن لعلك لم تنتبه في علمك عنه أنه لطيف الطبع ويملأ أفواه أحبائه ضحكاً..
ضحك مقدس لا اتكلم عن ضحك المستهزءئين حاشا..
الرب هنا كان يداعبني بمنهتى اللطف..
تذكر أنني لم أكن أرى حتى وهبني الرب البصر بمعجزة لم يُسمَع عنها طيلة الدهر!!
وهو هنا يضغط بلطف على هذا المعنى كأنما بليهنئني بنعمة البصر التي استجدّت عليّ..
قال: "قد رأيته..
وهو مثلما يداعبني بحسب الظاهر فهو يجيب على سؤل قلبي الذي حدّثتك عنه من قليل..
قلتُ لك إنني لم أحسب نفسي أُبصِر بعد طالما لم يخدمني البصر في رؤية من وهبه لي،
وها هنا الرب يقول: "ها قد رأيتَ من كنت تبحث عن رؤيته"..
وأكمل الرب: "والذي يتكلم معك هو هو"..
كم أخذتُ من الوقت لاجيب؟ لا شئ..
كانت الإجابة على لساني: "اؤمن يا سيد"..
الحق أن الإجابة كانت جاهزة أيّاً من يقول الرب إنه هو ابن الـله..
ولكن إذ يقول إنه هو نفسه هو هو فلم يكن في ذلك عجباً..
هي المرة الاولى التي لا أرى عجباً في شئ في القصة..
إذ من يكون هو لو لم يكن الرب الذي تكلم عن مجد الـله في تجربتي،
وشفاني بغير دعوة واختارني وصنع مني رسولاً عجيباً عبر بركة سلوام!!!
إن في هذا لا عجب!!



right


قلتُ له وسجدتُ له..
في نَفَس واحد..



right


وأقام الرب من سجودى إعلاناً كريماً منه منصفاً لكرامتيي..
لعل سجودي للرب ختام القصة لاسيما وقد تكاثرت مشهادها وتلاحقت وتكاثفت عجائبها..
ولكن يبقى مشهد عجيب أخير..
حكم الرب الذي قلب القضية أو بالأحرى عدلها..
فبعض الصبر معي ولن تندم لاسيما إن كنت من الاشغوفين باللاهوتيات والتفاسير:

تتذكر كم أسائوا لي
بافتراضهم أن تجربتي هي بفعل خطية عظيمة لي أو لوالديّ..
تتذكر كيف تكثفت إهانتهم في المجمع..
الآن الرب قال للفريسيين المجتمعين يتابعونه مترصدين له،
إنه حكم عليهم هم بالعمى إن كانوا مبصرين..
كان مشهداً بديعاً جديداً في قصة تلاحقت مشاهد عجبها وتكثّفت
أعني أنني كنت كمثل طفل تكاثر عليه الأشرار وقاومهم بشجاعة،
حتى اتى اخوه الكبير فكدَّرَهم في محضر أخيه انتصافاً له وجبراً لخاطره وإحقاقاً لحقه..
وأن عماهم ليس عذراً لهم عن خطيتهم لأنه هو نفسه الحكم المحكوم عليهم لذنبهم..
الآن هم في موضع العيب وبحكم الرب..
وأما أنا فعتيق الرب من العمى ومن العار..
كيف يحكم عليهم بالعمى ولا يكون إيقاعه الحكم عليهم عذراً لهم عن خطيتهم؟
ثم كيف لا يكون عماهم أصلاً عذراً عن خطيتهم،
في حين قال الرب في ذات الجملة: لو كنتم عميان ما كانت عليكم خطية؟
هل تريد حل اللغز؟
بسيط: فإن العميان فيهم يغشون أنفسهم ويسلكون سلوك المبصرين وفي غشهم ذنبهم
وأما الذين جلسوا على كرسي موسى والانبياء وأبصروا نور الناموس وعرقوا الحق
فإنهم بعدما عرفوه ألقوا عن أنفسهم أثقله،
إذ نزعوا تباعاً الحق والرحمة والإيمان
ألم تكن معنا وتسمعهم ينزعون الحق باتهامي من عندياتهم بخطية ارتكبتها قبل مولدي؟
أما نزعوا، بعد الحق، الرحمة بتعييري بما سبق فاتهموني به؟
أما نزعوا عن أنفسهم الإيمان بالمكتوب،
لكي يثبتوا ما تلقنوه من ذواتهم وعن آبائهم الذين سبقوهم في نزع الحق والرحمة؟
لقد حكم الرب عليهم على مسامعي فسمعوا مي ورأوني أسمع وأرى..
نعم الآن جمعت مع سمعي رؤيتي،
فبينما كانوا يخرجون عليّ من طريق أذناي قبلاً فالآن أخرجني الرب عليهم من أذنين وعينين ..
تظن الآن أن المعجزة-- معجزة شفاء مولوداً أعمى قد انتهت أحداثها..
وتتعجل كلمة ختام..

مهلاً قليلاً
سأختم ولكن ليس معجزة بل معجزتين..
لقد بدأتُ معك بتقديم نفسي..
كان ذلك تقديم خليقتي الأولى..
والتي عرفتني فيها باسم املولود أعمى..
والآن يسرني إعادة تقديم نفسي لك:
أنا المولود مبصراً..
في ميلاد خليقتي الجديدة في الرب..
لذلك فعمل الرب معي فاق حدود شخصي،
لأنه رمّزني رمزاً لعمله مع كل مختاريه بنقلهم من نفس حية أو ميتة،
على مثال آدم الأول الذي خُلِق نفساً حية وصارت ميتة وعمياء بالخطية،
أولئك ينقلهم الرب إلى صورة ومثال نفسه وهو روح محيي ونور العالم،
ولم أكن أنا إلا مثالا للجميعً..
وكلمة تهنئة أختم بها:
فإن كنيستك تقرأ قصتي فيما تعتبرونه "أحد المعموديات"، وتعتادون الإكثار من المعمودية فيه،
وليس أبرع من ذلك ربطاً إيمانياً،
ففي المعمودية الخليقة الجديدة المبصرة في الرب،
والتي جعلني الرب رمزاً لها..
فتذكرني كل عام وتذكر تفاصيل ما رويته لك،
ولن تتعب في حفظ التذكار فالمناسبة مرتبطة بي بكل وضوح..
وهنالك تسمع سيرتي كما فصّلها يونا رسول الرب في إنجيله، تسمعها من فوق منجلية الكنيسة..
وإن في هذا مجداً..



Delayed from April 2003.
Accomplished as a DRAFT April 2018,
even under headache,stomachache and worse,
but the word of God is not bound!!



Site Gate         Main Table of Contents         Interview with Jesus         Guest Book