لقاء مع يسوع

 

نُشِرَ في مجلة رسالة الشباب الكنسي

مارس 2001 – عدد 154

 

ملكـوت الـلـه

 

right

 

+ الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله..

+ الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يدخل ملكوت الله..

+ ليس أحد صعد إلى السمار إلا الذي نزل من السماء إبن الإنسان الذي هو في السماء..

+ لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية..

 

 

لاشك أنك تحفظ الآيات السابقة وترددها في مناسبات عديدة وتسمعها في كثير من العظات..

أما أنا فكانت أذناي هما أول أذنين سمعتا هذه الأقوال الربانية ومن فم الرب نفسه في لقائي معه..

أنا نيقوديموس ومعنى اسمي ناصر الشعب..

من جهة الناموس فريسي..

 

من حيث الوضع الاجتماعي رئيس لليهود وعضو بمجمع السنهدريم


أعلى سلطة قضائية ودينية لليهود..


وفوق هذا فأنا أحد القلائل الذين يُعتَبَرون معلمين للشعب..


ولا أقصد بكلمة معلم هنا الكلمة العبرية الشائعة "راباى"


التي تطلق على كل من كانت حرفته التعليم الديني..


ففي كل زمان ومكان كان هناك بين الشعب اليهودي كثيرون حملوا لقب "راباي"..


أما لقب معلم الذي أتحلى أنا به فيكافئ لقب فيلسوف عند اليونانيين


أي صاحب مدرسة ومنهج في التعليم الديني..


أعرف أن طريقتي في تقديم نفسي قد تستفزك..


فكوني فريسي وعضو بمجمع السنهدريم الذي سلم الرب لبيلاطس

 
بعد محاكمة ظالمة يجعلك تغير غيرةً للرب وقد ترفض بالنيابة عنه لقائه بي..


ولكن ما رأيك أن الرب نفسه بقلبه الواسع قبلنى ولم يخرجنى خارجا عندما طلبت لقاءه


رغم أنني طلبت لقاءه ليلا خوفا من الفريسيين..

وأكاد أسمع سؤالك:


لماذا يسعى من كان مثلك لمقابلة الرب؟


هنا يجب أن أكمل تقديم نفسي لتعرف إجابة سؤالك:


فأنا من جهة الإيمان كنت متوقعا تعزية إسرائيل وطالبا لملكوت الله..


و من كان يطلب ملكوت الله بصدق ونقاء فلابد له


أن يلتقي بالرب يسوع حيث كلام الحياة الأبدية عنده..


كانت الأحداث تتسارع جدا في جيلنا..


كان كثيرون في جيلنا يتوقعون ظهور ملكوت الله وكان الأبرار يطلبونه ويتوقون إليه..


وكنت أنا وصديقي يوسف الرامي من هؤلاء ممن يطلبون ملكوت الله..


وكانت الأمة ترزح وتئن تحت وطأة الاحتلال الروماني الوثني..


وقد ظهر كثير من الأدعياء أضلوا الشعب بدعوى أنهم المسيح المنتظر


وهلكوا وأهلكوا معهم من تبعهم..


وكان على من يطلبون الملكوت أن يكونوا حذرين جدا إزاء أي دعوى لأي مُدَّعِي..



 

 

وظهر يوحنا المعمدان.. وتوقعنا أن يكون هو المسيح..


ولكنه أقرّ أنه ليس هو.. وخاب أملنا..


وهنا ظهر يسوع على مسرح الأحداث..


ولما كنت متابعا بدقة لكل ما يجرى فقد سمعت شهادة يوحنا عن يسوع..


ورأيت آياته وسمعت تعليمه..


ثم رأيته في أول عيد للفصح بعد بداية خدمته وهو يطهر الهيكل


من أدناس الباعة والصيارفة ويزيل الوضع الذي كان يؤلم


ضمير كل يهودي غيور دون أن يستطيع حياله شيئا..


ألعل هذا هو المسيح؟؟؟


ألعله هو الذي يأتينا بملكوت الله ويقود جيشا أعظم من جيش يشوع


يخلص به شعبه ويهلك أعداءه؟


إن يسوع لم يعلن بالقول أنه هو المسيح.. ولا هو ينفي هذا أيضا مثلما نفى يوحنا عن نفسه..


فقط يجول يصنع خيرا وقوات.. ويظهر سلطانا فائقا في الأقوال والأفعال..


آه.. لابد أنه هو.. سأقابله وأسأله.. امتلأ قلبي رغبة في لقائه والحديث معه..


ولكن الأمر ليس سهلا هكذا..


فلا أستطيع أن أنسى أننى رئيس للشعب وهو فرد من العامة خاضع لرئاستي..


أنا نيقوديمس الشيخ الجليل وهو لم يزل رجلا شابا متواضع النشأة..


أنا معلم إسرائيل.. معلم للشعب كله.. وهو رغم كل شئ مجرد راباى كما يدعوه تلاميذه..

 

 


ثم من هم تلاميذه ؟ حفنة من العاميين عديمي العلم..


سيسخر الشعب منى ويقولون أن معلم إسرائيل صار تلميذا للراباي النجار يسوع بن يوسف..


وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد..


ستتعرض مكانتي للخطر بين رؤساء اليهود والفريسيين


الذين يتخذون موقف عداء معلن من يسوع..


أنهم دائما يحذرون الشعب منه قائلين: "هل رأيتم أحدا من الرؤساء يتبعه؟"


و لن يتسامحوا معي وأنا أحد هؤلاء الرؤساء أن أهدم منطقهم..


لابد إذن أن ألتقيِ به ليلا حتى لا يراني أحد..

 

 

 

ولكن حتى هذا لا يكفي..


فكبريائي أمام نفسي وأمامه هو يمنعني..


آااه.. لا لا.. لن تحرمني هذه الأفكار والمشاعر من شهوة قلبي للملكوت..


إن إجابات أسئلتي عند يسوع ولن يمنعني شئ من الذهاب للقائه..


لا.. لن اعجز عن إيجاد حل للصراع الدائر بداخلي..


سأسأله وأتعلَّم منه دون أن أضع نفسي موضع التلميذ أمامه..


وسأخاطبه بلهجة تحترمه هو دون أن تنقص من قدري أنا..


وهكذا جهزت بداية كلامي معه بألفاظ منتقاة بعناية:


سأدعوه راياى ولا أظنه سيغضب من هذا

 

فتلاميذه دعك من جموع الشعب ينادونه هكذا..


وإن كانوا هم يستخدمون الكلمة في بساطة قلب


وبمعناها اللغوي أكثر من معناها الاصطلاحي فهي بالمعنى اللغوي تعني محيطاً بكل المعرفة..


ثم يجب أن أقدم لنفسي وله مبررا مقبولا لتنازل وقدوم معلم إسرائيل إليه..


سأذكِّره أن تعليمه وقواته هما من الله..


وبناء عليه فليس ثمة حرج من سؤاله كمن يسأل الله الذي أرسله..



 

وهكذا بادرته بالحديث المصاغ بدقة:


يا معلم (راباي).. نعلم أنك قد أتيت من الله معلما

 

لأن ليس أحد يقدر أن يعمل الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه..


وبعد ذلك لذت بالصمت.. ولم أوجه له سؤالا مباشرا..


فكيف أفعل هذا؟


هل أسأله مثلما سألنا يوحنا من قبل:


أانت المسيح؟


إن في هذا لهجة استجوابية وهيبته تمنعني..


هل أسأله: مثلما يفعل العامة:


أي صلاح أفعل لأرث الحياة الأبدية؟


لا يمكن.. أنا نيقوديموس رئيس اليهود ز معلم اسرائيل..


آه.. إنه نفس الصراع..


و هكذا لذت بالصمت بعد حديثي الأول وتطلعت إليه.


أما هو فقد دخل في الموضوع مباشرة كما يقال.. وكأنه يقرأ أفكاري ويتحداها:


إن كان أحد لا يُولَد من الماء والروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله..


صدمت.. أنا لا أقدر؟..


بل ولا اقدر علام؟ مجرد رؤية الملكوت وليس حتى دخوله؟


وماذا احتاج لكي أراه؟ أم أولد من جديد؟


إن ميلادا جديدا يعنى إنسانا جديدا رضيعا..


يعنى أن الشيخ العتيق سيزول ويزول معه مجده وكل ما أنجزه ويفتخر به..


تزول ألقابه بل وتزول شخصيته


ومدرسته في التعليم..


كيف لفشل الشيخ المهيب في رؤية الملكوت؟ ويقدر على هذا الطفل الرضيع؟


إن هذا الكلام يضع أمامي اختياراً خفياً:


أما رغبتك في اللحاق بملكوت الله أو مجدك الأرضى كله بل وشخصيتك ذاتها..


بادرت بالرد عليه وقد غلبتني لهجة استنكار لا إرادية:


كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر أن يدخل إلى بطن أمه ثانية؟


كنت أفهم طبعا أن الرب لم يقصد ميلادا من بطن الأم.. هو نفسه قال "يولد من فوق"..


و لكن لسان حالي كان يقول:


كيف يمكن للإنسان أن يتخلى عن كل ما حققه حتى صار شيخا له مكانته؟


هذا مستحيل وأيسر من أن يتضاءل مجد الشيخ أن يتضاءل جسده ويدخل إلى بطن أمه ثانية..


ولكن الرب كما حركت إجابته الأولى ركود كبريائي


حركت إجابته الثانية جمود الفكر المادي الذي استقر في جيلنا عن الملكوت:


الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله..


المولود من الجسد جسد هو.. والمولود من الروح هو روح..


لا تتعجب أنى قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق..


الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها


لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب..


هكذا كل من ولد من الروح..



توارت نزعات كبريائي أمام هذا التعليم المبهر الذي يرسم صورة جديدة لإنسان الملكوت..


إنسان فوقاني وليس أرضى..


روحاني وليس جسداني..


كيف يولد هذا الإنسان؟ ما هي الوسيلة؟


لقد أملنا في يوحنا ولكنه أقر بأن معموديته ليست هى الوسيلة..


وأنا أعلم وأدرك أن تطهيرات الناموس لا تصلح..


وكم دارت مباحثات بين تلاميذ الناموسيين وتلاميذ يوحنا من جهة المعمودية والناموس


ولم يصل كلاهما لأية نتيجة..


فماذا قصد يسوع بالريح؟


ذكرني كلام يسوع بكلام الجامعة الذي قال:


"كما أنك لا تعلم طريق الريح كذلك لا اعلم أعمال الله"..


ولكن يسوع يعلم كل شئ.. ويقدر أن يخبرني إن أراد..


كيف يمكن أن يكون هذا؟


أعدت سؤالي الأول بلهفة ولكن هذه المرة برغبة في الفهم وليس باستنكار أو اعتراض..

 

نعم.. لقد أخذت دون أن أدرى موضع التلميذ أمام معلمه..

 

 

right

 

 


أجاب يسوع بلهجته اللطيفة المداعبة:


أنت معلم (ديداسكالوس) إسرائيل ولست تعلم هذا؟


شعرت أنه لا يلومني على عدم علمي.. وإنما يلومني برِقَّته على مخاطبتي له كراباي..


وأنا من يجب أن يعرفه قبل أي أحد آخر في الشعب..



 

خجلت من نفسي.. ولكنى لم أجد فرصة للاعتذار أمام تدفق حديثه المبهر..


يعوزني الوقت وتعوزني الأوراق لو أفصل حديثه اللاحق..


ولكنى سأوجز فأقول أنه غير فكرى تماما عن المسيح وملكوت الله المنتظر..


فالمسيح لم يأت ليخلصنا ويهلك الآخرين كما كنا نتوقع بل ونتمنى..


وإنما أتى ليخلص الجميع


هكذا أحب الله العالم


لكي لا يهلك كل من يؤمن به..


كما أن دينونة المسيح ليست انتقاماً من عدم الإيمان به..


بل هي نتيجة طبيعية لرفضه.. أي أن عدم الإيمان ذاته هو الدينونة بعينها..


فقد قال الرب:


الذي لا يؤمن به قد دين


ولم يقل:


سيُدان..


والفرق في زمن الأفعال بين الإيمان والدينونة يعطى فرقا واضحا في المعنى للسامع المدقق..


وأعجب من هذا كله أن المسيح ليس فقط لن يأتي ليقود جيشاً مهلكاً كيشوع


ليحطم به أعداءه.. بل هو نفسه سيبذل فدية عن كثيرين:


بذل ابنه الوحيد



 

وتعلمت من حديثه أيضا أن المسيح هو إله متجسد


فقد كان يقول تارة ابن الإنسان وتارة ابن الـله..



 

لم أجد حاجة بعد هذا أن أسأله: أأنت المسيح؟


فالسؤال سيكون إيضاحا للواضح وتحصيلا للحاصل..


خرجت من لقاء الرب وقد تغيرت أشياء كثيرة..



 

كنت أطلب ملكوتاً لا افهم عنه شيئا يأتي به مسيح لا أعرفه..


و الآن أنا أنتظر ملكوتا أعرف سماته الروحية وأعرف مسيحه الوديع الباذل..


و صرت من وقتها منتظرا بشغف تحقيق الخلاص وبدء ملكوت الله على الأرض


و معرفة وسيلة الميلاد الجديد المؤهل لدخول الملكوت الذي كلمنى عنه الرب يسوع..



 

أعترف أنني آنذاك أخفيت إيماني وكنت أكتفي بالاستناد إلى الناموس


في دفاعي عن الرب أمام الفريسيين..


لم أكن وحدي هكذا

 

بل كان مثلي أيضاً صديقي يوسف الرامي تلميذاً سرياً للرب

 

وكان الرب بقلبه الواسع متمهلاً على ضعفنا


مقدراً لنا انتظارنا لتحقيق خلاصه ومجيء ملكوته..


ولم يطل انتظارنا فستجدني بعد أقل من ثلاث سنوات من لقائي بالرب


وأنا تحت الصليب مع صديقي يوسف الرامي نُنْزِل جسد الرب


ونطيِّبَه ونكفنه وندفنه في قبر صديقي يوسف الرامي..


وفي هذا المشهد الرهيب تذكرت قول الرب لي قبل ثلاث سنوات


عن الحية النحاسية وأخذت أرتل برهبة:


قدوس الله قدوس القوى قدوس الذي لا يموت..



 

وبعد حلول الروح القدس ونداء بطرس للشعب أن يتوبوا ويعتمدوا باسم يسوع المسيح


اكتمل تحقيق كلام الرب لي وفهمت تماما معنى الميلاد الفوقاني بواسطة الماء والروح..


الروح القدس الذي يحل على الإنسان مثل ألسنة نار..


فلا يعرف من أين أتى..


ولا إلى أين يذهب به..


ولكن يشعر بلا أدنى شك بقوة حلوله وعمل تجديده وإيلاده الثاني للإنسان وحمله إياه..


وفهمت بعد معموديتي أن دخولي لملكوت الله هو دخول ملكوت الله إليّ إذ ها ملكوت الله داخلكم..


وقبل أن أدعوك لمراجعة وقائع لقائي مع الرب التي تجدها مدونة في الإصحاح الثالث من الإنجيل حسب يوحنا


أحب أن أسألك:


هل هناك ما يعوقك عن لقاء الرب يسوع؟ ويكدر اشتياقات قلبك لملكوت الله؟


لن أقول لك تخلى عن هذا الذي يعوقك..


بل فقط أقول: تعال على نفسك مثلى وأطلب لقاءه..


وهو هو الذي سيتكفل بإقناعك بالتخلي عن كل ما يعوقك عن التمتع بملكوته

 

على قلبك

 

وفكرك

 

وجسدك........

 

 

 

 

 

 

 

 

اضغط هنا لقراءة المقال

بصورته الموسَّعة