لقاء مع يسوع



أعطينى لأشرب


right


يسوع:
أعطينى لأشرب

السامريّة:
كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودى وأنا إمرأة سامرية

يسوع:
لو كنت تعلمين عطية الـله ومن هو الذى يقول لك
أعطنى لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيآ

السامريّة:
يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة فمن أين لك الماء الحى؟
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذى أعطانا البئر
وشرب منها هو وبنوه ومواشيه

يسوع:
كل مَن يشرب مِن هذا الماء يعطش أيضاً ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا
فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذى أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية

السامريّة:
يا سيد أعطنى هذا الماء لكى لا أعطش ولا آتى إلى هنا لأستقى

يسوع:
إذهبى وادعى زوجك وتعالى إلى ههنا

السامريّة:
ليس لى زوج

يسوع:
حسنا قلت ليس لى زوج لأنه كان لك خمسة أزوج
والذى لك الآن ليس زوجك هذا قلت بالصدق

السامريّة:
يا سيد أرى أنك نبى ..
أباؤنا سجدوا فى هذا الجبل وأنتم تقولون
إن فى أورشليم الموضع الذى ينبغى فيه السجود

يسوع:
يا إمرأة صدقينى أنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب ..
أنتم تسجدون لما لستم تعلمون أما نحن فنسجد لما نعلم ..
ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب
بالروح والحق لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له ..
الـله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا

السامريّة:
: أنا أعلم أن مسيا (أى المسيح) يأتى فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ

يسوع:
أنا الذى أكلمك هو


قبل ان أقص عليك لقائى مع الرب وحوارى معه
أود أن ألفت إنتباهك أولا عن امور عجيبة ميزت
هذا اللقاء وهذا الحوار ..

حوارى مع الرب هو أطول حوار سجله الكتاب المقدس
بين إنسان وبين الرب يسوع ..

وأنا أول من كرز بيسوع أنه هو المسيح ..

ولأقُلْ لك ما هو أكثر ..
لقد كان الرب نفسه هو من سعى للقائى لا أنا!!!

وما هو أكثر وأكثر: لقد طلب مني الرب! طلب أن يشرب!! ما أومأ إليه على الصليب طلبه منِّي انا صريحاً!!!

من تظنّه إذاً يكون هذا الذى تمتع بأطول حوار
سجله الكتاب المقدس لإنسان مع الرب يسوع؟
وأول من كرز بيسوع أنه هو المسيح؟؟
بل ومن سعى الرب بنفسه للقائه؟؟؟

رجلاً من رجال الـله العظماء؟؟؟
رسولاً أو تلميذاً؟؟؟
إنسانا باراً تقيّاً فوق العادة؟؟؟

كلا كلا كلا ..
بل إمرأة ..
سامرية ..
ساقطة ..



من جهة نوعي فأنا امرأة في عصر كان اليهودي الفريسي

يصلِّى فيه كل صباح شاكرا أنه لم يُخلَق امرأة..


ومن جهة جنسي فأنا سامرية من جنس شرير منحرف العقيدة..

جنس يمتنع اليهوديّ عن مخالطته

ويتنجس إذا أكل من صحن أكل فيه هو..

بل ويستخدم اسمَه كسباب شرِّير..


ومن جهة أعمالي وبرى فأنا ضعيفة أمام جسدي

بل كنت أعيش في علاقة شريرة عندما التقيت الرب..


وكنت فوق هذا امرأة سليطة اللسان

يستثقل الناس الحديث معي..


لماذا إذاًيسعى الرب يسوع للقاء من كان مثلى؟؟؟

ويمنحني شرفاً فوق شرف؟؟؟ اللقاء وأطول لقاء وتصريحه لي بأنه المسيح؟


أرجو أن تجد الإجابة من خلال قراءتك المتأنية

لقصة لقائي بيسوع وأعدك ألا تندم على صبرك معى..


إن أردت أن تلخص حياتي في كلمة واحدة قبل لقائى مع يسوع

فهذه الكلمة هي :

العطش..

لم يروني على هذه الأرض أى شئ ولا أى إنسان..

وانعكس عطش نفسي على جسدي وابتلعني كُلِّي..

فصرت ضعيفة ومهزومة بل منسحقة أمام جسدي ونفسي..

إذ تحت وطأة هذا العطش القاهر

شعرت دائما بالحاجة إلى الالتصاق بآخر

علِّى أجد معه شبع الجسد والنفس..

ولكنى فشلت مع الجميع..

أو بالأحرى فشل الجميع معي..

كانت حواسي الخمسة تئن من العطش فطفت على الجميع..

خمس زيجات فاشلة.. كلها انتهى بالطلاق..

أما أنهم تركوني ورحلوا..

وأما أنني سئمتهم فضجَّرت حياتهم معي حتى يتركونني..

وأمام تيقُّني بالفشل المتكرر سألت نفسي:

هل ينبغي أن أخضع لرابطة الزوجية تلك؟

فأصير في كل مرة تحت رحمة إنسان قاسٍ

أطلب منه الطلاق فيساومني فألجأ لتنكيد حياته

فتتنكَّد حياتي أنا قبله..

وهكذا من رجل لرجل تدور المأساة ويلتف حبلها ويخنقني..


إن الزواج لا يمثل رابطاً أمام الرجل

الذي لا يكلفه الطلاق ألا ثمن ورقة يسمونها كتاب طلاق..

أما لي أنا فرابطة الزوجية التي أتلهف لها كجنة خلاص

تمثل لي فيما بعد قيداً ثقيلاً خانقاً لا املك تخليص نفسي منه بسهولة..

فهلا أرحم نفسي الضائعة التي تئن عطشاً من نير ثقيل

وأفسح لها طاقة من الحرية

وأعيش مع من أريد بحريتي وبلا أي رابط

فلا أعود تحت رحمة رجال قساة؟!


قد تتقزَّز من الفكرة وتقول مستنكراً: ولكن هذا زنا..

بَلَى..إنه كذلك..

وأعلم أنه خطيئة عظيمة تستوجب الرجم في شريعة موسى

ولكن..

أليست حياة العبودية للشهوة التي أصطلى بها

هي المقدمة الطبيعية للزنا؟؟؟

إن خطيئتي بدأت مبكرا منذ أن تزوجت لأول مرة



بلا فهم لمعنى الزواج المقدس..


ثُمَّ يوم بل أيام استسلمت أمام ضعفي وظمئي

وطفت أستقي من أبار مشققة لا تضبط ماءً..

أنحني وألقي دلوي فيها لأظفر برواسب الماء الراكد في قاعها..

ويسيل عرقي من حرارة الشمس وثقل الماء المالح فأزداد عطشاً !

فألهث لماء الدلو الثقيل حتى إذا ذقته كان مالحا ً،

فيتزايد عطشي حتى أدوخ وأفقد وعيي في دائرة عطش جهنمية..


فهل تعجب لمن سقطت في غيبوبة العطش

أن تسقط وتضيع من حضن الناموس الإلهي؟..

إن من يبدأ بالجهل ويمر على الاستسلام للشهوة

يمهد الطريق لغزو الشيطان وينتهي حتما بالموت في الخطيئة..

ومن يبدأ بقيادة حواسه الخمسة لترعى في حقول الشهوة وتشبع من خرنوبها

فلا عجب أن ينتهي وقد وجد السادس.. وقد أسفر عن وجهه القبيح

وجثم فوق أنفاسه في صراحة الخطيئة القبيحة وحل عنده ضيفا ثقيلا يحتل بيته ويذله..


هكذا بدأت أنا وهكذا انتهيت..

بالحياة مع رجل بلا رابط شرعيٍّ مقدس محترم.

بزنا صريح جسدي بعد حياة الزنا المستتر العقلي..

مع السادس..

والسادس هو الشيطان صاحب العدد ستة الذي يوهم بأنه قريب من الكمال ولكنه ناقص..

رئيس هذا العالم المخلوق في ستة أيام

والذي أعطته مفتاحه أمنا حواء وسلمه له أبونا آدم بإرادته

كانا هما صاحبا السلطان عليه ولكنهما سلماه له فصار هو صاحب الرقم ستة الناقص..

وصار متسلطاً قاسياً..

وجاء دوري فوقعت في حبائله.. فتسلَّط عليَّ..


طبعا امرأة مثلى تكون على عداوة دائمة مع المجتمع..

المجتمع المنافق الذي يرزح تحت نير خطاياه

ويتلذذ بوقاحة بالتهكم على خطايا غيره..

إنه النفاق الأشد نكئاً ومرارةً من الخطيئة نفسها..

يظن هؤلاء الأشرار أن حياة الناس مادة للضحك والسخرية..

لذلك كنت أصير شرسة بالأكثر وسلاحي سلاطة اللسان..

لأعاقبهم عقوبةً مُسْتَحَقَّة..


وهكذا في أحد الأيام بدا مثل كل أيامي خرجت لأستقي..

كانت الساعة في بكور النهار كعادة الاستقاء،

وكانت وجهتي بئر شبه مهجورة خارج الضيعة التي أضعت فيها حياتي..

إنها بئر أثرية تعود لأيام أبينا يعقوب..

البئر بعيدة وعميقة ولعلّ ماءها قليل ومالح نوعاً..

هنا لا أملك القفز على مقابلة حال الماء بحالي:

الماء يطلبه البشر للارتواء والاغتسال فيُشفَى حالُه

ولكن الماء المالح في البئر القديم يفعل عكس المطلوب منه:

يزيد العطش والعفن والمرض!

وحتى إن لم تكن ماء البئر بهذه الحال البالغة السوء،

فإن حالي، الذي لا تكفيه مياه جارية لعلاجه،

يغشى ماء البئر وأي بئر فيزيدها مرارةً وعفناً..

وعلى كل حال فملوحة ماء البئر أهون من مرارة كلمات البشر..

ولعلّ الاستقاء من موضع قليل الناس مردّه تجنّب مرارة رؤيتهم الأعمق أثراً من ماء البئر

لعلك تدرك الآن شدة المرارة التي كنت أعيشها

حتى يَهُون أمامها الماء البعيد

وتهون ملوحة المياه وقلتها وصعوبة الوصول إليها..



وفي طريقي كان المشهد معتاداً.. مع كل رجل أو امرأة ألقاه فيرميني بنظرة متشككة

وأقرأ في نظرته أسئلة وإجابات:

ألازالت هذه المرأة على حالها؟

فكنت أردُّ في نفسي جواباً متفكرة في وحدتي:

لا أحد يفهمني..

ولا أحد يشعر بي..

ناهيك عن أن يشاركني معاناتي..

أنا وحدي أُسابِق الشمس قبل قيظها..

أنا وحدي أستقي من بئر شحيحة المياه..

أنا وحدي أسلك طريقاً غير معتادة..

ذهاباً وعودةً..

ولم أكن أدري أن هناك من يسلك طريقاً غير معتادة أيضاً..

وخِصِّيصاً لي ولأمثالي ممن تسلَّط عليهم إبليس..

الرب الآتي في طريق لم يسلكها أحد من قبل..

من السماء للأرض..

ذهاباً وعودة من أجلي وأمثالي..

ثم هو، الآن، على الأرض، بينما أنا أسير على هذه الأرض المحرقة،

وإذ وٌجِد في الهيئة كإنسان، ما يزال يمشي، ويكمل طريقه الذي بدأه من السماء للأرض

فيسير أيضاً على الأرض، على طريق مماثلة لطريقي..

يُسابق نفس الشمس كعادة المسافرين

ويسعى للوصول لذات البئر المهجورة بإصرار

ليلتقيني هناك..

لأنه يفهمني حين لم يفهمني أحد.. ويشعر بي ويتألم معي ولأجلي..

ولذا فها هو يشاركني معاناتي..

ويجدّ في السير ليلحق بي في وقت مناسب..

وقت الساعة السادسة..
أول ساعات النهار..
يطلب أن يجدني مبكِّراً..



نعم لم أكن أدرى أن هذا هو آخر مشوار لي

فى الطريق البعيدة.. وفي الكدّ من باكر اليوم سعياً وراء ماء لا يروي بقيّة اليوم....


هكذا وصلت أنا إلى البئر..

فكيف وصل يسوع؟


انتقل معي للجانب المقابل من المشهد..

ودعني أستشهد لك مما سجله يوحنا تلميذ يسوع

عن كيفية وصول الرب يسوع لمكان اللقاء..

قال في إنجيله: كان لابد له أن يجتاز السامرة..

نعم كان لابد له..

كانت عادة اليهود المتشددين في مظاهر التقوى

أن يتجنبوا المرور في مدن السامرة في أسفارهم..

وان اضطرّوا فلا يتوقّفون فيها

ولكن إرادة يسوع لا تخضع لعادات الناس..

كان يسوع يعلم بميعاد مجيئي وهو العالم بكل شئ..

وقد أحب فقرر فحتم أن يلتقي بي

فسلك هو أيضا طريقاً غير معتادة من خاصته..

ساعياً بإصرار للقائي!!!




لم أكن أعلم شيئاً من هذا عندئذٍ..

فعندما وصلت لبئر يعقوب كما أصل عادةً

كان كل ما أراه من المشهد رجلاً يهودياً جالساً على البئر..

كانت مفاجأة..

والآن التفت.. فها أنا أنقلك معي وبداخلي فكرة بفكرة وكلمة بكلمة ولحظة بلحظة

لأعطيك صورة كاملة ودقيقة عنيِّ بين وقائع هذا اللقاء الخالد..


التفِت معي..

كان أول تصوُّري هو غرابة المشهد غير المألوف..

رجل يهودي عند البئر جالساً هكذا..

هل هناك غيري يأتي في ذلك الوقت لتلك البئر المهجورة؟

والأعظم مدعاة للدهشة أنه يهودي..

فما الذي أتى به هنا؟

لعلَّه ضل الطريق!!

ولكن هل يضل يهودي الطريق للسامرة؟ لا أظن..


جعلتني المفاجأة أتفرّس في الرجل لعلى أحل لغزه..

كان يجلس في ثقة وسلام على البئر متعبا من السفر..

تبدو عليه دلائل الأمانة والصدق هادئ الملامح وديع النظرات..

لا يبدو عليه كبرياء الفريسيّين ولا سُوقيّة العامة..

ولكنى لم أبالي..كل اليهود سواء في كراهيتنا..

المتديِّنون منهم يتجاهلوننا

ولا ينسون في إعراضهم عنا أن يظهروا بعض دلائل الإشمئزاز..

والعامة يتحرشون ويهزئون بنا إن أمكنهم..

ولا انتظر أن يكون الجالس هذا استثناءً..

كان يهودياً ورجلاً وهذا يكفي لتوقع الأذى منه..

وأفضل ما يصنعه لي ولنفسه أن يتجاهلني ويدعني لشأني..

أما إن أظهر أيّة علامة تأفّف،

فأنا مستعدة ومدرَّبة على الرد عليها بمثلها وأحسن..

صحيح أنني أتحاشى ملاحقة الناس

ولكن عندما يزاحمونني هم في أماكن عزلتي

ويتطلَّب الأمر سلاطة اللسان فأنا فارسة في هذا الميدان..


تجاهلْتُه وألقيت جرَّتي في البئر

وأنا أتوقع بين لحظة وأخرى أن يبدأ مضايقاته

فمظهري يغرى الرجال حتى من بني شعبي بمضايقتي

احتقاراً من المتظاهرين بالصلاح.. وتحرُّشاً من السوقة..

هؤلاء بني شعبي وما ألقاه منهم..

فكم وكم برجل يهودي؟

ماذا تراه يفعل وكيف يبدأ؟


ولكن بينما أنا منحنية نحو البئر المالحة والشحيحة والبعيدة الماء

سمعت هذه الكلمات:


أعطينى لأشرب..

لحظة هنا قبل التعليق

لقد سمعتُ بمفردي هذه الطلبة التي أسمَعَها الربُ كأنه للجميع على الصليب

الصليب حيث ارتفع فجذب إليه الجميع

ولكن أنا بمفردي أسمعها

وحتى طلبته على الصليب كانت تخلو من ثقته بصالبيه وسامعيه

قال وقتها: "أنا عطشان" وحسب، أما لي فطلب بثقة: "اعطني لأشرب"!

ولكن أنَّى لي وقتها أن أعلم أي ثقل مجد يزنني الرب به؟

فما توفَّر لي وقتها في غشاوة عطشي هي صوت رزين

صوت رزين وديع هادئ ذو ثقة وسلطان ظاهرين

وبه محبة وود واضحين..

تعجبت..

أنا خبيرة في الرجال وطرقهم..

وهذا قطعاً ليس رجلا يهزأ بي أو يتحرش بي أو يضايقني..

إنه فعلا يعني ما يقول..

يريد أن يشرب..

لو سمعتًه معي لتأكدت أنه جاد ويريد أن يشرب..

ولكن كيف؟ كيف؟؟

اليهود المتدينون لا يشربون من أواني السامريّين..

ولا يعاملونهم على الإطلاق..

بل ولا حتى يتكلمون مع نساء غريبات من الأصل..

فكيف يتكلم هذا الرجل اليهودي معي؟

وأنا امرأة؟ وسامرية؟



ولم يكن هذا هو كل ما يثير العجب في كلمته..

فقد كان هناك الأكثر مدعاة لتعجُّبي..

ما نخس أذناي من نغمة جديدة عليهما..

إنه يكلمني باحترام وتوقير..

لم تتعود أذناي لهجة كتلك..

لا أحد يحترمني ولا أنا أحترم أحد..

وفوق هذا فإن مظهري لا يوحي لأحد لا يعرفني بالاحترام..

وإن كان يعرفني فالاحترام خارج نطاق المعقول..


أخرجني من حيرة هذه اللحظات الخارجة عن حساب الزمن

غريزتي المتحفزة المبرمجة على الهجوم..

بلا شك هو يهزأ بي

لا بأس..أنا أقدر منه على السخرية والتهكم..

لنكمل التمثيلية إلى نهايتها..

تصنعت الورع وقلت له بلهجة امرأة تقية

كمن يلومه على خروجه عن حدود اللياقة:

كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟


توقعت منه أن يسترسل في مهاترته

فيكون قد وقع في يد خبيرةٍ..

ولكنه بدلاً من ذلك أمعن في مفاجأتي:

لو كنت تعلمين عطية الـله ومن هو الذي يقول لك

أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءا حياً..

نفس الجدِّيَّة والثقة..

تطلعت إليه لأرى من يكون هذا الذي يقول إنني لا أعلمه..



الرسّام يصوِّر الربَّ واقفاً والسامريّة جالسة على عكس الحال في بداية اللقاء
وفي هذا تأمُّل يستحق التوقّف والنظر رغم عدَم تقديري لواقعيّة حدوثه



لا أزعم أنني استطعت معرفة من يكون..

ولكنني على كل حال خبيرة بالرجال..

قد لا أعرف من يكون ولكنى أعرف من لا يمكن أن يكون..

لا يمكن أن يكون أحد أزواجي الخمسة

الذين مَّروا حياتي ومرَّرت حياتهم..

وقطعاً ليس هو الرجل الذي أعيش معه في الخطيئة..

ولا حتى أحد الرجال السوقة قليلي النصيب من الشهامة الذين يحلو لهم التحرّش بي..

وبالتأكيد ليس هو أحد أدعياء التدين الذين يقتلون مشاعري

وهم يظنون أنهم يقدمون قرباناً لـله بإظهار التأفف مني واحتقاري..


من يكون إذاً؟؟؟

لعله يهودي حالم ينظر لنا نحن السامريِّين

كضائعين نحتاج لهدايته؟

استنفر هذا فيَّ التعصب العرقي

وشعرت بالاعتزاز المبالغ بهويّتي السامريّة

يجب أن يتذكر أننا أيضا أبناء يعقوب وليس هم فقط..

ويجب أيضا أن يتوقف عن ادعاءاته المضحكة..

من أين له الماء الحي؟

الماء الحي يكون في الأنهار الجارية..

وليس ههنا أنهار في تلك الناحية..

فقط آبار ذات ماء مالح شحيح شبه راكد..

ولكن طريقته لم تُوسِع لي مواصلة التهكم..

هكذا وجدتني أحترس في صياغة ما أريد قوله

وأضع فيه كل ما أستطيعه من احترام فقلت:

يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة..

فمن أين لك الماء الحي؟

وعلى ذكر السؤال أين رفعت نظري تلقاءً

فرأيتُ جبل جرزيم جائم على المشهد..

الجبل الذي يكرهه اليهود لأن عليه نحتفل نحن السامريِّين بدلاً من صهيون..

يكرهونه بسببنا رغم أنه هو الجبل الذي قيلت عليه البركات في سفر التثنية..

تزاحمت الأفكار بداخلي فخرج من فمي سؤال يعبِّر عنها مجتَمِعة:

لعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر

وشرب منها هو وبنوه ومواشيه..

فيعقوب هو أبونا نحن السامريِّين شئتم أم أبيتم..

وهو أبونا معاً نحن وأنتم إن لم يكن لك غرض من الاستكبار العرقي والديني..

ثم في الإجابة ما يُسكِته عن مواصلة كلامه الحالم..

وفيها ما يرفع من قدري ويُظهرني بالعارفة بالتواريخ والأسفار المُقَدَّسة..

فيها ما يرفع من شأني كسامرية.. ويسترني كامرأة خاطئة معاً..

شعرتُ بالرضا عن إجابتي التي أصابت كل أهدافها..

تذكَّر.. لقد قلتُ لك أنني فارسة في ميدان الجدل

وليس من السهل أن يتخطّاني أحد في هذا السباق..


وانتظرت أن يتوقف عن حديثه بعد هذه الإجابة المُرضية لي ويدعني لشأني..

أو يقول شيئا يواصل به حلمه ليحفظ ماء وجهه ثم ينصرف لحاله..


أقول الحق..لم أتمنى أن يحدث هذا..

لأن روحي كانت حارة بداخلي..

وكانت نفسي تتلذذ بمذاق الاحترام الخالي من الغرض لأول مرة..

بل أعترف أنه قد خالجتني رجفة خوف وتساءلت:

هل تراني بالغت في خشونتي معه فينصرف عنى؟

نعم شعرت بالندم على ما أبديته من خشونة معه

وتمنيت لو يواصل حديثه..

وقد فعل..

كان يتحدَّى جفائي واستفزازي وثقل كلماتي

بحلمه ورقته وطاقته على العطاء..

وكان حديثه تلك المرة نافذاً ماساً للقلب ولامساً للجرح

برِقّة وقوة معاً:

كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا

ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا

فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه

يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية


آآآه يا سيد..العطش..

انفتح جرح قلبي لينزَ صديد السنين المتعفن داخله..

أنا ظمأى.. طوال حياتي..

لم أجد ماءً مُرْوِيَـاً..

البئر بعيدة وماؤها فيها بعيد..

تنفتح ينابيع عرقي طريقي تحت الشمس للبئر..

وأتصبب مزيدا من العرق في رفعي له من العمق السحيق..

لا يكفيني ما أتحصّله من هذا الماء

لتعويض ما فقدته في سعيي للحصول عليه..

وماء البئر مالح يا سيد..

يزيدني عطشاً فوق عطش..

يخرج مائي عرقاً مالحاً فأعوضه بماء البئر المالح.. دائرة ملتهبة..

وأنت تتكلم عن ماء ينبع بداخلي..

ماء حي جارٍ.. وبالداخل..

هذا يغنيني ويرويني ويشبعني هناءً

فلا أحتاج معه إلى أحد أو شئ..

أرتوي من داخلي وأتحرر من عبودية العطش..

ولا آتى هنا مرة أُخرى..

أحتاج هذا الماء يا سيد..

تعبت من ملء جرَّتي..

كل الآبار صبت في جرَّتي.. والجرة ليست بملآنة..


لم أكن أتكلم بلساني الذي جف من السعي والحاجة للماء

بل بقلبي المبتل بقيح الجرح الذي فتحه هذا السيد..


أفلتت من عيناي

ومن بين نظرات الوقاحة والاستهزاء التي جمدت فوقهما من طول الزمن-

نظرة استجداء

وقلت بصوت مرتعش رعشة امتزاج الأمل باليأس:

يا سيد أعطيني هذا الماء لكي لا أعطش

ولا آتى إلى هنا لأستقي


لعله حالم كما تصورت أولاً..

ولكني تكلمت بما تريد نفسي الكلام به..

قلت ما أريد لأفرج عن الكبت بداخلي..

وهذا أقل القليل كرد تلقائي على نكئه لجرحي الغائر..

نعم لكم تمنيت أن يكون هذا السيد صادقاً وجاداً فيما يقول..

ولكن أنَّىْ له أن يعطيَني ما لم يعطني إياه أحد؟

تفرَّست فيه آملة أمل اليأئسين أن يكون جاداً..

فقال لي بذات لهجته الجادة الواثقة:

اذهبي وادعي زوجك وتعالى إلى ههنا..


ها خطيئتي تطاردني حتى عند البئر البعيدة..

يظن هذا السيد العجيب أن لي زوجاً..

والحق أن ما قاله هذا السيد هو بمعيار أصول التعامل في منتهى الصحة والحكمة

فالتعامل الذي يتطلَّب سفراً لحيث مكان هذا الماء الحي ينبغي أن يكون بين الرجال

ولا يصح أن يدعوني أنا المرأة الغريبة للتحرك معه بعيداً..


ولكن من أين لي الزوج؟

كان أسهل حل أن أتظاهر بالموافقة:

"حسنا يا سيد سأعود لأدعو زوجي

فانتظرنا هنا ولا تنس تجهيز الماء الحي لنا"

فكَّرت أن أقول شيئا كهذا

ثم أذهب بجرَّتي وأترك السيد ينتظر

إلى أن ييئس من عودتي فيمضى في طريقه

ولكن لا لا..

هل أكافئ احترام السيد وثقته بي بالخداع

وأتركه ينتظر مطلع النهار في موضع هو غريب وسيكون مكروهاً فيه

ولكن ماذا أفعل وقد ورطني بهذا الطلب

من أين لي بزوج لآتى له به؟

ليس من مفرّ.. لأتركه ينتظر وأمضى لشأني..


أفزعتني تلك الفكرة..

فهل تكون كلمته تلك نهاية الحديث..

لا..لا يمكن..

إن فكرة الذهاب بلا عودة أخافتني..

فأنا أُريد الماء الحي الذي وعد به..

فكرت لوهلة أن أدعو شريك الخطيئة ليأتي ويمثل دور الزوج

علنا نصل لنهاية الشوط مع هذا السيد العجيب..

لا.. إنها فكرة سخيفة..

فما حاجة هذا الرجل الشرير معدوم الشهامة إلى الماء الحي..

وهو الذي يستمرئ شرب الماء الذي أملأه بعرقي ودمي..

ثم أن لساني استثقل دعوة هذا الشيطان زوجاً لي..

إنه لا يستحق الكلمة حتى ولو مجرَّد تظاهر عابر للخروج من مأزق..

ثم أن شيئاً ما بداخلي نفر من تلك الفكرة تلقاءً..

شئ ثانٍ.. أنني استحيتُ من النطق بالكذب أمام السيد..

شئ ثالث.. لم أُرِد أن أترك السيد ولو لمسافة الطريق..


ولعلك تتعجب وتتساءل كيف لا تكون هذه الفكرة هي أول ما أفكر فيه؟

لاسيما وأنني اعتدتُ تقديم هذا الرجل لمن لا يعرفنا على أنه زوجي..

ولِمَ استثقلها الآن؟

وكيف أستسهل الزنا وأستثقل الكذب؟

ولكن كما سبقتُ فقلتُ: شيءٌ ما ردني عن هذه الفكرة..

تابع معي وستفهم كل شئ..


بقي السيد يتطلع إلى منتظراً إجابتي..

وبقيت في حيرة أمري..

أليس هناك مَخرَج مريح؟

وانعقد لساني..

كان الكذب على هذا السيد ثقيلًا على لساني..

وكان مجرد تصور إنهاء الحديث معه يزيدني ارتباكاً..

وكانت كلماته الأخيرة ترن في أذني:

اذهبي وادعي زوجك..

فأنسى كل نواح المأزق وتلح عليَّ الكلمة..

الكلمة تصرخ في أذنيَّ بأنها كلمة عميقة لا تقف عند حدود معناها القريب..

ثم تنفذ وتقرع قلبي..

بالكلمة شئ ما..

ومازالت الكلمة تنفذ فيَّ باحثة عن مفرق النفس والروح عندي..

ترى ماذا يقصد بتلك الكلمات؟!

هذا السيد صاحب الكلمات العميقة من البداية لا يمكن أن تقف كلماته عند سطح المعنى..

الذي قال لي أعطيني لأشرب فكانت الكلمة ذات دلالة تقود لماء حي

ماذا يقصد بطلبه منِّي أن استدعي زوجي؟

بادلته النظر علِّى أفهم شيئا

فغمرتني نظرته الوديعة العميقة

ومعها نفذت كلمته وأصابت هدفها

فأخرَجَتْ من قلبي أمراً كان كامناً فيه

أشعر به ولا أعرف كيف أضبطه بكلمات تُعبِّر عنه..

وكانت كلمة السيد وكانت كلمتي

التي انتزعتها كلمة السيد من عمق قلبي:

ليس لي زوج..


قلتها وصمتُّ وأطرقتُ خجلاً..

كانت مذاقة الخجل غريبة عني

منذ استودعتها زمن طفولتي ونسيتها هناك..

قلتُها ولم أكمل..

فأي شئ بعدها يؤذيني مجرد تذكُّره لا ذِكْره..

ولكني قلتُها..

كانت هي الكلمة..

الكلمة التي تعبِّر عن مأساتي وتصلح كعنوان لقِصّتي..

كلمة محور حياتي التعيسة قبل لقاء الرب..

ليس لي زوج..

ليس لي..

ولكن دعني لا أسبق الأحداث.. ولأضع كل كلمة في مكانها بعد اكتمال معناها..

فما أفهمه الآن تماماً بعد اللقاء أخذ يظهر لي تدريجاً في عين اللقاء..

فقط التفتْ لإجابتي للرب.. واحفظها.. ثم واصل معي لتدرك أبعاد معانيها..

ليس لي زوج..


لعلك ترى فيها إجابة ذكية تصيب كل الأهداف..

فلم أكذب وأعرِّض نفسي للإحراج لو كشف السيد كذبي..

ولم أثقل ضميري بمجازاة السيد بالكذب..

ولم أثقل مشاعري فأدعُ هذا الشيطان زوجاً لي..

ثم أنني قدَّمتُ سبباً قوياً يسمح لي بأن أواصل طلبتي للماء الحيّ

دون تعطيل ودون حاجة للذهاب والعودة..

إجابة تغلق باب هذا الأمر المزعج..

أقصر طريق للإجابة هو الصدق..

وأنت على حق في كل هذا..

إذا ما حلَّلتَ الأمر في دائرة وعيي وحساباتي الظاهرة لي..

ولكن ألا تدخل معي للعمق.. عمق نفسي العطشى الخائبة دوماً..

لقد توقفنا قبل إجابتي مع كلمة الرب لي وهي تنفذ من الأذنين للقلب..

تلمس شيئاً ما..

وتواصل طريقها بهدوء وثقة..

تبحث عن مفرق النفس والروح مني..

تذكَّر هذا وواصل معي..


الآن قادتني طرق السيد معي لقول الصدق هكذا ببساطة..

أراح قول الصدق ضميري فلم أكذب على السيد ولم أخدعه بشئ..

لأول مرة في حياتي أفهم بل أشعر بحلاوة التكلّم بالصدق..

وبراحة الضمير..

رغماً عما في الإجابة باعتراف بالخطيئة..

قد تستوقفُني لتعترض:

ليس هناك اعتراف.. ربما هناك صدق ولكنه ليس اعترافاُ بشئ..

أنت لم تذكري أن معكِ رجلاً غريباً..

ولكن مهلاً يا صديقي.. تذكَّر أن بإجابتي اعتراف أمام نفسي..

الإجابة تنكأ ضميري أمام نفسي.. وهي الخطوة الأولى اللازمة للتوبة والاعتراف..

ثم ما رأيك، وأنا أُسلِّم معك بأنها ليست صدقاً تاماً، أن الرب حسبها لي صدقاً..

وما نقص فيه أتمَّه هو لحسابي..

وإذ بينما كنتُ لازلت بين خجل مواجهة الخطيئة ومتعة الاعتراف بها

سمعتُ، واسمع معي، ما أجابني الرب به:


حسنا قلت ليس لي زوج.. لأنه كان لك خمسة أزواج

والذي لك الآن ليس هو زوجك..


وتوقف معي مع أول كلمة أجابني بها الرب..

حسناً..

حسنا قُلتِ..

أنه لا يقرأ فقط تاريخ حياتي مع الخمسة والسادس..

بل يقرأ قبله تاريخ مشاعري..

ألم يسبق ويكلمني عن العطش؟

وها هو الآن يكشف انه يدرك ما تدور به الأفكار في ذهني والمشاعر في نفسي..

حسناً أنكِ حسمتِ الصراع داخلك لصالح الإقرار بالحقيقة أمامي..

حسناً أنك لم تصري على إنكار الخطيئة..

لكنك لم تعترفي تماما..لم تقولي كل الحق..

لكنك مضيت خطوة في الطريق..هذا حسن..

وأنا أعطيك الأحسن..

أعلِّمك كيف لا تكتمين خطاياكِ فتنجحين..

أكمل لك اعترافك..اسكبي كماء مالح خطاياك أمامي..

لِمَ تكتمينها أمام من يعرفها؟


ثُمَّ.. التفت أنت معي لكلمة الرب..

والتفت لوقعها في نفسي..


حسناً فلتِ ليس لي زوج..

لقد أخذ الرب الكلمة من فمي وكرَّرها..

الإجابة التي قلتُ لك التفت لها واحفظها..

ليس لي زوج..

وبين قولي لها وتكرار الرب لها انفتحت أعماق نفسي..

نعم ليس لكِ زوج..لأنك تعيشين وحيدة ظمأى فارغة..

وأنا أعلم ذلك وسعيد بفهمك له..

الآن خرجت المشكلة من لاوعيك لتظهر في وعيك وتنطقين بها بكلمات محكمة:

ليس ليِ زوج..

والآن أقول أنا أن كلمة الرب التي صدمت أُذنيّ..

وقلتُ لك أنها نفذت إلى قلبي ومسَّت شيئاً ما فيه..

وقلت لك أنها كانت لا تزال تتحرك داخلي في هدوء وثقة تبحث عن هدفها..

الآن مع إجابة الرب أقول لك أنها قد وصلت لمفرق النفس والروح مني..

وفتشت وشكَّلَت وعدَّلت وانتزعت كلمة إجابتي من خارج وعيي

لتلقي بها على لساني ويظهر لي ومن فمي مشكلتي..

أنني بلا زوج..



مشكلتي التي أشعر بها وأئن تحت وطأتها ولا أتبين كيف أصوغها

وفي هذا كنتُ أترنّح يميناً وشمالاً

باحثة عن دواء لمشكلة لا أفهمها..

فتصبح المشكلة معقَّدة:

مشكلة احتياجي.. ومشكلة بحثي في غير موضع سداد الاحتياج..

ليس لي زوج..

نعم يا سيد ليس لي..

كان لي خمسة أزواج بالشريعة..

ولكن لم يفِ أحدهم بحق أن يكون رجلاً..

والآن معي سادس..

ليس لي بل ضدِّي..

يأخذ ولا يعطِ..

وماذا يأخذ؟ سلامي وكرامتي وكل شئ..

ليس لي يا سيد..

احتجتُ فبحثتُ فلم أجد

وزادني بحثي احتياجاً..

الآن أفهم لماذا لم أعرف كيف ادعو إبليس هذا زوجاً لي بالخديعة..

وأفهم لشمَ حتى لم أفكِّر أن أستر نفسي بقولي:

كان لي أزواج ولم يعد..


ثُمَّ الآن.. في هذه اللحظة من اللقاء.. اضطرم بداخلي الشعور المزدوج..

شعور الخجل من خطيئتي..

ومعه بل أقوى منه شعور فرح المريض بتوصل الطبيب لدائه..

فرحه بعثوره على طبيب يثقُ هو به ويطمئن بقربه أن أوان الشفاء قد زال..

وان مهارة التشخيص

ودقة وضع الإصبع على محل الداء

تشيان بقدرة الطبيب على العلاج التام..

الآن تذكَّرتُ كلمته الثانية معي منذ بدأ كلامه:

لو كنت تعلمين من يكلمك..

لو كنت تعلمين من يكلمك..


الآن بدأت الإجابة تتشكل عندي..

ولكن ليس لي بعد معرفة النطق بها..

من هو هذا الذي يقرأ مشاعري وتاريخي معا؟؟؟

هل يكون نبيّاً؟؟؟

لقد توقف الأنبياء منذ زمن بعيد جداً..

حتى اليهود لم يعد يظهر بينهم أنبياء..

ولكن هذا لابد أن يكون نبيّاً..







مع هذه الأفكار لم يزايلني بعدُ ارتعاش رهبة مواجهتي لإنسان يعرف ماذا صنعتُ ويعلم أفكاري..

نعم كنتُ في حالة روحية عجيبة

ولكني لم أكن قد اعتدتُ بعدُ على مواجهة الخطيئة..

كنتُ قد اعتدتُ فحَسَبْ على ارتكابها وعلى الحياة فيها وعلى التبجح لمن يواجهني بها..

ولكن لم أعْتَدْ على مواجهتها أنا..

كان هذا يسبب لي إحراجاً رغم ارتياحي لهذا الرجل..

إن تزاحم وتضارب الأفكار وقبلهم مواجهتي لهذا الرجل العجيب أصابني بارتباك وحرج..


فكَّرت في نفسي.. وجلتُ بعيني بحثاً عن كلام بعيداً عن نظرات هذا الرجل

فرأيت جبل جرزيم ثانيةً..

آه.. قد علمت ماذا أقول..

أتذكَّر الآن كلمات تلقنتها وأنا طفلة عن جبل جرزيم

وعن موضع السجود الصحيح

وعن معاندة اليهود لنا..

فلأستفد من وقوفي أمام هذا النبيّ العظيم

وأخرج من كل الموقف المُحرِج هذا بسؤال واحد..

ولكن أرجو أن تصدقني أنني لم أقصد المراوغة..

كان السؤال هو الطبيعي والأفضل في موقفي..

سألتُ:

يا سيد أرى أنك نبيّ..

آباؤنا سجدوا في هذا الجبل..

وأنتم تقولون أن في أورشليم

الموضع الذي ينبغي فيه السجود..


لعلك تعلم قصة انقسام مملكة إسرائيل

الواردة في سفر الملوك..

وكيف أن ملوكنا قد غيروا موضع العبادة من جبل صهيون

إلى جبل جرزيم لأسباب سياسية كما يقول اليهود..

ولكن رجال الناموس والمفسرون لدينا يقولون إن آباءنا سجدوا

في هذا الجبل وهذا ما ينكره اليهود بشدة..

لعل هذا النبي اليهودي الغير المتعصب يريح ضميري في هذه

القضية الشائكة دون أن يكرر لي ادعاءات اليهود..

كنت في قمة تركيزي وانتباهي في انتظار ما يقوله..

وقال:

يا امرأة صدقيني إنه تأتى ساعة لا في هذا الجبل

ولا في أورشليم تسجدون للآب..


أين إذاً؟؟

هل يعنى هذا أنه لا نحن ولا اليهود على حق؟؟؟

كما تعوَّدت من هذا السيد: ما إن أفكر في سؤال

إلا وتكون كلماته التالية إجابة قاطعة:

أنتم تسجدون لما لستم تعلمون أما نحن

فنسجد لما نعلم لأن الخلاص هو من اليهود..


عدت للإحباط.. إنه يصر إذاًعلى أن اليهود على حق..

ولكن مهلاً.. مهلاً.. كلمة لا يمكن أن تفوتني..

لقد قال إن الخلاص "من" اليهود..

ولم يقل أن الخلاص "لـ" اليهود..

"من" وليس "لـ"..

أليس هو نفسه يهوديا ولا يراوغ في الحق ولا يساوم..

ومع ذلك فإنه لم يبخل بنفسه عليَّ..

لا يهمني إذاًممن يكون الخلاص..

يُهمُّني أن يكون للجميع..

ومنهم أنا..

فمن أينما يأتى الخلاص فأنا أقبله وأرحب به..

فلقد سأمت الخطيئة بل يأست منها..

ومرارة الخطية كفيلة برذل كل تعصب وتحزب فارغ عمن يكتوي بها..

ويأس الغريق الذي تعلَّق بكل الأطواق فوجدها في المياه إلى أسفل معه

قدير على إقناعه بقبول الخلاص أينما كان..

طالما أنه خلاص حق وطوق نجاة جدير بالثقة..


لقد اقترب منيّ الخلاص..

وحانت ساعة السجود للآب الحنون..

لا يهمني أين أسجد بعد الآن..

فلم أجد من هذا الجبل إلا شاهداً على عطشى وذُلِّي..

مثلما لم أجد من بئر يعقوب إلا التعب لماء مالح..

فلا جبل ولا بئر.. ولا أين أسجد..

ولكن لماذا؟ ولمن؟ وكيف؟ ومتى؟

هذه هي الأسئلة ذات المعنى الذي انكشف لي

بمواجهتي لعطشي وانكشاف مرضي والتهاب رجائي في الارتواء والشفاء..

لقد قال السيد إن اليهود يعلمون لما يسجدون..

فإن كان اليهود يعلمون فهذا النبي تحديداً بالأولى كثيراً يعلم..


ها هي بقية كلماته تحسم السؤال بالإجابات:

ولكن تأتى ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون

يسجدون للآب بالروح والحق..لأن الآب طالب مثل

هؤلاء الساجدين له..الـله روح والذين يسجدون له

فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا..


الآن.. الآن.. أتت الآن..

وللآب..

وبالروح والحق..

ولأن الآب المُحِب هو الطالب لهذا السجود ولهؤلاء الساجدين..


السيد يعلم كل شئ ويجيب على كل الأسئلة ذات المعنى..

أخبرنى السيد بكل شئ..

بمشاعرى..بتاريخى..

بزمن وكيفية السجود.. وبحقيقة شخص المسجود له..

أراح ضميري دون مجاملة..

و أقنع ذهني بلا مجادلة..

وفتح لي باباً للرجاء..

من هذا الذي يخبر بكل شئ؟


عدت لما كنت أسمعه وأنا طفلة..

أليس هذا هو المسيا الذي أخبرونا عنه؟؟؟

إن لم يكن هو فمن يمكن أن يكون؟

فكرت أن أسأله ولكن هيبته منعتني من السؤال المباشر..

راهنت أن أقول له أطراف ما أفكر فيه وهو العارف بكل شئ سيفهم ويكمل لي..

فسألتُ:

أنا أعلم أن مسيّا يأتي

فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ..


وضعتُ كعادتي كل كلمة في مكانها..

بحرص ودون تجاسر..

وختمتُ السؤال بكلمة يخبرنا بكل شئ.. ليفهم تلميحي..

كنتُ في قمة انفعالي الروحي والنفسي

في انتظار أعظم إعلان يتوقعه شعبي وشعب اليهود أيضا

منذ آلاف السنين..

بل يتوقعه الجنس البشرىّ كله منذ أيام آدم..

زاد بداخلي يقين بأني أمام المسيح..

ويقين أعظم بأنه لن يحرمني من الإعلان عن ذاته..

وقد كان..

نعم..لقد سمعت أُذناي هذا الإعلان..

لقد قالها السيد لي عند بئر يعقوب بضيعة سوخار..

أنا الذي أكلمك هو


سرت في نشوة روحية عجيبة مثل....

هممم..ليست مثل أي شئ عرفته من قبل..

إنها حالة تُختَبَر لا توصف

ولا يُنطَق بها

ولا يسوغ لإنسان أن يعبر عنها بالكلمات..


أفقتُ على ضجيج أناس قادمين مسرعين نحو السيد..

يبدو أنهم تلاميذه..

نظروا إليَّ نظرات تعجب دون أن يجسروا على النطق بكلمة..

أما أنا فلم أبالي أصلاً..

تركت الجرة عند قدمَيْ يسوع

وركضت كطفلةٍ امتَلَكَتْ العالم..


تسألني لماذا تركتُ جرتي بعد كل هذا العناء في ملئها..

هل أردت أن أكون سريعة الحركة لأبشر الناس بالمسيح

لذلك ألقيت الجرة الثقيلة عنى حتى لا تعطلني عن الركض؟

نعم..

أم لعلِّي نسيتها إذ لم يعد يملأ فكرى إلا المسيح الرب؟

بالتأكيد نعم..

أم أنني كنتُ اكرهها وأرى فيها شرَّاً لازماً هي ومن أملأها لهم؟

هذا عين الصواب.. والآن صارت رمزاً لهذا الشر الذي لم يعد لازماً ولا قادراً..

فتركتها رمزاً لانتصاري عليها وعلى كل ما عنته وشهدت عليه من سالف الأيام..

النهاية أنه لم يعد لهذه الجرة مكان في حياتي..

هي والماء المالح الذي يملأها..

لذلك تركتها..بغير رجعة..

تركتها

وركضت كالأطفال..

ألهث وأصرخ للجميع:

هلموا انظروا..

إنسانا قال لي كل ما فعلت..


أنا خاطئة نعم..

وهناك من كشف خطيتي وحررني منها..

وأمام طهره ونفاذ معرفته تنكشف خطايا الجميع..

لذا لا أخجل من الاعتراف بخطيئتي أمام جميعكم..

تعالوا إليه.. لتكشفوا خطاياكم أنتم أيضاً أمامه..

لم يعد للخجل سبب..

إسمعوني..

لأنه هو سيحرِّركم منها..


ألعل هذا هو المسيح..

إنه عند البئر..

تعالوا إليه بلا جرار..

فهو سيعطيكم ماءً ينبع من داخلكم إلى حياة أبدية..


توقّفوا هنا وانظروني والتقطوا ثلاثة مظاهر

أنا أجري!
,كان هذا دليلاً ظاهراً أن نفسي قد ارتوت، وامتلأت ريّاً
فالعَطِش لا يجري

وأدعو الناس لسماعي
وهذا دليل أن الماء عمل عمله الغاسل المُطهِّر أيضاً
والمتسخ يتوارى لا يُقبِل بل بالحريذ يركض ليطلب الناس
ولا يدعوهم للتطهّر بدورهم وهو وَسِخ بعد!!


وأنادي
والذي ينقصه الماء فأول ما يخف هو فمه ويشقّ عليه الكلام!!!

إن ماء الرب ظهرّ فيّ مبكِّراً بكل عمل الماء: ماء للنشاط وماء للريّ وماء للطهر

ولم أعهد هكذا ماء قبلاً..
فماء البئر كان يثقلني في حمله عائدة ويعتبني في طلبه ذاهبة
ولا يصلح حتى لحموم الجسد فضلاً عن عطش النفس فضلاً عن عفونتها
وعندما يبلّل لساني ما كان يعينه إلا على كل قول سليط


والآن أنا اختبر ماءً يروي النفس دون أن يعبر على فم الجسد
وانطلق بحماس بقوته وزهوه وترطيبه
:وكان يقودني في حماسي وارتوائي اختبار غير مسبوق لي

أنه صار لي زوج.. بعل.. رب.. هو المسيح الرب بنفسه..

لقد استأمنني على سره.. وعلى حقيقة كيانه..

وكشف لي ما لم يسبق أن أعلنه على الناس..

إنني له وموضع ثقته..

وهو لي..

ولي أن أعلن عنه وأدعو إليه..

انتبهتُ فقط أنه قد صار لي زوج.. ليس زوج جسديّ بل زوج روحيّ.. بل.. ربّ.. مسيح..

ولكن كان هناك ما لم أنتيه له،

يعطيه لك الإنجيليّ الذي سجّل القصة

أمري مع الماء..

إشكالي الدائم مع الماء روحيّاً وماديّاً..

النفس العطشَى التي كانت دوماً هي نفسي الآن تمتلئ ماءً..

لقد صدق الرب في قوله

أعطاني ماءً حيّاً جارياً

انظروا الدليل بل الأدلّة الجارية:


انظروا جريان الماء: أنا اجري مثل الماء الجاري فيّ

انظروا الارتواء: لم اعد احتاج للجرّة

بل تكلّمتُ كثيراً وبصوت عالٍ بل وبعد ركضٍ حثيث..

والمتكلِّم يطلب الماء، والذي يجري يطلبه بالاكثر.. بينما أنا قد ألقيتُ الجرّة

انظروا الاغتسال: أنا أعترف بسابق عفن كل ما فعلت، لأنني لم أعد اخجل منه لأنني اغتسلتُ منه

حقّاً ماء جارْ مطهِّر مروي ينبَع لحياةٍ أبديّة

بهذه الثقة وهذه المشاعر غير المسبوقة عندي

وبمشاعر الحب الحقيقي لعشيرتي

والتي توارت تحت قسوة الشر والخطيئة انطلقت..

نعم للجميع.. لأزواجي السابقين.. وحتى للرجل الشرير

ألم يقدِّم له الرب الدعوة.. ألم يدعني لأدعوه؟

وللجميع معهم..

لكل من يحتاج.. ومن؟ لا يحتاج؟



لم أعظ بكلمات أو بتفاسير..

بل مجرد شهادة..

فقط شهدتُ لما رأيت وسمعت..

لم تكن مجرد أخبار بل أيضا اختبار..

صدَّقني الكثيرون وتشكك البعض ولكن..

عندما خرجوا إليه وتحققوا من كلامي

دعوه إلى المدينة فمكث عندنا يومين..

وعندها تحولت شهادتي لهم إلى حقيقة ملموسة..

والأخبار إلى اختبار..

وزاد عدد المؤمنين أكثر إذ سمعوا كلماته..

واختبروا محبته إذ وهو اليهودي يجلس بين أعدائه

وفي عقر دارهم يوزع محبته ونعمته بسخاء وسرور

وكأنما هو بين أصدقائه وإخوته الأحباء..


اسمح لي أن أستطرد قليلاً..

قفي جلسة الرب بينهم لمحتُ واحداً من تلاميذه شاباً حدثاً

أكثر انتباهاً من الجميع..

وهو الذي انفرد بتسجيل كل هذه التفاصيل لك..


لعلي لمحته في أثناء لقائي بالرب عند البئر مراقباً وقائع اللقاء في هدوء وانتباه..

ليسجِّل لك الجميع: لقاء الرب بي وبشعبي..

لقد سجَّل لك حدثاً فريداً يفوت الكثيرين التأمل في معناه..

كيف قَبِلَ شعبُ السامرة الربَّ مبكراً بل حتى قَبْلَ خاصته

الذين أحبهم وشهد لهم أن الخلاص منهم..

نعم لقد وُجِدَ الربُ من الذين لم يطلبونه كما قيل في الأنبياء الذين لم نكن حتى نقْبَلهم..

وإنما وُجِدَ من الذين طلبهم هو.. ولم ينتظرهم لكي يطلبونه..

وهذا الإنجيلي الذي سجَّل لك هذا هو نفسه الذي تعلم أنت

كيف أنه سبق مرَّةً وطلب من الرب في غضبه هو

أن تنزل نار لتحرقهم وقت عنادهم الأول..

ها هو الآن معنا وكلمات الرب تطفئ نيران الحقد والبغض والخطية

لتشعل نار لهيب لظى محبته في قلوب الجميع..


واختم استطرادي وأعود لقصتي..

لقد حوَّل الرب إيمان شعبي من إيمان أخبار إلى إيمان اختبار

وهذه هي شهادتهم إذ قالوا لي:

إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن..

لأننا نحن سمعنا ونعلم

أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم..



قد تظنَّ أن هذه شهادة افتخار منهم ليقلِّلوا من فضلي..

وقد تغضبَ أنت لي

غير صحيح..

أولاً ليس لي ولا لغيري فضل أمام رب الأفضال

وثانياً فإنهم قد أقرّوا مشكورين بفضلي الذي هو نعمة الرب فيّ وليس منّي

ألم يقولوا: "لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن"؟

هذه شهادة أنهم آمنوا أولاً بسبب كلامي..

وهكذا صرتُ أول من كرز بيسوع أنه هو المسيح..

وسبَقتُ فأعددت شعب السامرة للانضمام للكنيسة

حتى إذا ما أتم الرب عمل الفداء وانطلقت إرسالية التلاميذ

من أورشليم إلى اليهودية إلى السامرة إلى أقاصي الأرض

وجدوا للرب في مدينتي شعباً مستعداً

وبذرة مهيأة للسقي..



والآن أيها الحبيب:

لقد أشركتُكَ في لقائي بالرب..

وفتحتُ قلبي ودخيلة نفسي لك بكل تفصيل..

أشركتك في كل الأخبار من داخل..

هذه التي سبق الإنجيلي وأشركك فيها من خارج..

ولم يبق الآن إلا أن تشاركني وأهل مدينتي في الاختبار

بعد أن شاركتنا في الأخبار..


صدِّقني

بعيدا عن يسوع

سيبقى يسوع متعطِّشاً لك..

وستظل أنت عطشاناً بدونه..


ما قاله لي الرب قاله للجميع، ومجتمعين، وأين ومتى!! على الصليب ذاته، ولماذا؟ لإكمال نبوة:

قال:
أنا عطشان

وينتظر هل تعطيه ماءً أم خلاً؟
ولكن مهلاً أخيراً:
ليس لعوزه للماء، الذي مشي هو عليه، والذي أرسله قديماً طوفاناً، هو يعطش!!
وإنما عطشه من أجل عطشك، وعطشه لك ولإروائك..

عطِش لكي يرويَك! وعطشان إلى إروائك!

لن يُطفئ العالم كله ظمأك..

ولن يطفئ ظمأ يسوع لك إلا أن تعطيه قلبك

ليملأه ماءً حياً..


هو لا يحتاج إليك ولكنه يحبك..

وأنت تحتاج إليه وعندما تلتقي به ستحبه..

هو يمشى إليك من مطلع النهار

لينتظرك عند كل بئر تظن أن لك فيها ماءً..


عندما تلتقيه القِ جَرَّتك عند قدميه

وأعطيه قلبك ليشرب..


قُلْ له كل ما فعلت

وهو سيقول لك كل ما ينبغي أن تفعل..


واطلب منه ماء حياة لتشرب وترتوي إلى الأبد..

واذهب اكرز للجميع بهذا،،،،،



P. Eng. Basil Lamie
aka Christopher Mark
VA, 2003


Site Gate         Main Table of Contents         Interview with Jesus         Guest Book