لقاء مع يسوع

أسرع وأنزل

right

يسوع: يا زكا أسرع وأنزل لأنه ينبغى أن أمكث اليوم فى بيتك

.
.
.

زكا: ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين
      وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف

يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضا إبن لإبراهيم
      لأن إبن الإنسان قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك




لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام ..
هذا ما يقوله الحكيم بوحى الروح القدس ..
وهذا هو ما يلخص حياتى قبل لقائى مع يسوع ..
فبيتى كان ملآنا ذبائح وأموال ونفوذ مع خصام وتناقضات وصغر نفس ..
وبيت الذى أعنيه هو نفسى ..

دعنى أقدم لك نفسى ..
أنا زكا ..
رئيس العشارين بمدينة أريحا العظيمة ومن أغنى أغنيائها ..
لى أموال كثيرة ونفوذ عظيم ..
قريب جدا ولى شأن وكلمة بين دوائر الحكم ودواوين الدولة آنئذ ..
لعلك تحسدنى على هذا وتقول فى نفسك ليتنى مكان هذا الرجل؟
لا تتسرع فى الحكم وإسمع منى أكثر ..
عملى هو رئيس للعشارين جامعى الضرائب الذين يستوفون أكثر مما فرض لهم
بل وأكثر من هذا .. كنت أشى بالبعض وأسجل عليهم ضرائب باهظة ظلما
لكى يزيد رصيدى عند السلطات الرومانية الحاكمة وأضمن إحتفاظى بمنصبى ..
بإختصار كنت أجمع الأموال وأجمع معها الخطايا على رأسى ..
وكلما إزدادت أموالى على الأرض إزدادت معها ديونى فى السماء ..

لعلك الآن تحتقرنى وتحنق على كخائن لشعبى
وخاطئ وجابى للأموال بلا امانة ولا رحمة ..

أرجوك أن تستمع للنهاية فقد تغير رأيك مرة أخرى وتشفق على ..

إن نفذت إلى أعماقى لوجدت إنسانا مسكينا مستعبدا لعدة عقد ..
ومحصورا بين متناقضات قاسية ..

فأنا قصير القامة بشكل لافت للنظر ..
لكم سخر منى رفاقى فى بكور شبابى وكنت موضوعا لتسليتهم وتفكههم ..
كانت مزحاتهم السخيفة تؤلم نفسى ..
لاسيما وأننى كنت أفوق أغلبهم فى المواهب والذكاء ..
عشت طوال ايامى محاصرا بين مواهبى الفائقة وقامتى القصيرة ..
أقصد كان هذا حتى قابلت الرب يسوع فحررنى كما سأقص عليك ..

لكم حلمت بما يرفعنى فوق جميع رفاقى
وتستطيل قامتى فوقهم لكيما أنظر إليهم من أعلى ..
ولكن هيهات فمن منا إذا إهتم يستطيع أن يزيد على قامته ذراعا واحدة؟
كنت أعيش فى تناقض قامتى القصيرة ومواهبى المتفجرة
فعمدت إلى تعويض قصر قامتى بالتفوق والثراء ..
فشققت طريقى بقوة وبلا رحمة ودون شفقة على أحد
فقت الجميع فى الثراء والنجاح على حساب ضميرى
بل على حساب خلاص نفسى ..

وهكذا صرت رئيسا للعشارين فى أريحا ومن أغنى أغنيائها ..
وأكثر الناس بغضة وإحتقارا من المجتمع ..
وكلما لمست كراهية الناس إزددت ظلما
وكلما حصلت على علامات إحتقار منهم كافأتهم بمزيد من الوشاية ..
ليزدادوا سخرية من قامتى القصيرة وأنا سأزداد إقترابا من الرومان
ويزداد شأنى علوا وطولا لن يبلغوه ..
بإختصار كانت تناقضات حياتى يغذى بعضها بعضا ..

لا تظن أننى أبحث عن أعذار لخطاياى ..
كلا .. وحاشا ..
فالخطية خاطئة جدا والإنسان بلا عذر ..
بل أننى أصور لك كيف أننى كنت مسكينا مابين إستعبادى لمحبة المال والنفوذ
وما بين فقدانى للسلام مع المجتمع ..
وأصور لك عمق إحتياجى لمن يصالحنى مع الجميع ..
مع أمتى ومع الآخرين ومع وضعى كإبن لإبراهيم ومع نفسى ومع قامتى القصيرة ..

آاااه .. من يقوم لى بخدمة المصالحة؟
ويخلصنى من صغر نفسى؟
وعبوديتى للمال والجاه؟
ويمنحنى القناعة؟ ويعيد لى وضعى كإبن لإبراهيم فأعمل أعمال إبراهيم؟

من يكون صديقا حقيقيا لى ألصق من الأخ ويملأ بيتى سعادة
وإن إلتففنا حول مائدة من الخبز اليابس
ويطرد عنى أصحاب الذبائح والخصام ؟

لا أمل فيما يبدو ..
أوبالأحرى هذا ما بدا لى قبل لقائى مع الرب يسوع ..
دعنى أقص عليك تفاصيل ذلك اليوم المجيد فى حياتى ..
يوم لقائى بالرب يسوع ..

كنت فى دار جباية الأموال حبيس مملكتى محاطا بخدامى والعاملين تحت إمرتى
أشغل نفسى بمراجعة الحسابات والتفكير فى طرق جديدة لزيادة موارد الجباية
وموارد جيبى معها ..
لعل مزيدا من النجاح ينسينى السجن الذى يحبس نفسى بداخله ..
بينما أنا غارق فى سجن هذا الروتين إنطلق ضجيج من الخارج ..
الناس يركضون والهتافات تتعالى ..
إسم واحد كان يتردد ويعلو وسط الضجيج:
يسوع .. يسوع ..
الهتاف يعلو:
يسوع قادم ..
كانت فرحة الناس بقدوم يسوع عجيبة ..
كان العيد الفصح قد إقترب وهو أكثر المواسم بهجة وفرح
ولكن فرحة الناس بمرور يسوع بالمدينة فى طريقه لأورشليم
كانت تفوق فرحتهم بالعيد نفسه ..

شئ ما هزنى فى أعماقى ..
لازال هناك من يقدر أن يسعد الناس ويخرجهم من همومهم ..
ويجعل الجميع يركضون كالأطفال متلهفين ..
رغما عن الرومان .. وعن حياة الإستعباد ..
وعن سلب تعبهم وجباية أموالهم ..
رغما عنى وعن وشايتى بهم ..
وعن شراسة فريق العشارين العامل تحت إمرتى ..

إزداد الركض وتزايد الناس المسرعون نحو شارع المدينة الرئيسى ..
هل هؤلاء هم الرازحون تحت أعباء لا تطاق؟
لا يبدو ذلك على سرعة حركتهم وحلاوة ابتسامتهم ..
وبريق أعينهم وهم يتسابقون نحو لقاء يسوع ..
كانت أخبار يسوع تملأ الأرجاء ..
لم نعهد مثله من قبل بين المعلمين الدينيين من كتبة وفريسيين ..

من يكون يسوع هذا؟
كيف أسر الجميع لحبه وخلصهم من سجن أتعابهم؟
أنا أيضا أريد من يخلصنى .. يقولون أنه يحب العشارين والخطاة!
ولكن كيف له أن يحب العشارين وأنا نفسى رئيس عشارين
ولا أحب نفسى ورغم كل شئ فلست سعيدا بعملى؟

عجيب أمر يسوع هذا ..
طلبت من عمق نفسى المتهرئة أن أراه

قلت لنفسى:
أميل وأنظر هذا المنظر العظيم ..
لعلى أعرف كيف أكتسب محبة وإحترام الناس مثلما فعل يسوع ..
إنه فقير وبلا نفوذ أو منصب والجميع يحبونه
وأنا الغنى العظيم محتقر ..
يجب أن أراه وأعرف سره ..
بل ربما .. ربما ..
لقد ضبطت نفسى أقولها سرا: ربما علمنى يسوع كيف أفرح وأبتسم ..
ربما أرشدنى كيف أتخلص من أحمالى وألقى عنى أثقال همومى
مثل هؤلاء البؤساء اللذين إنقلبوا بمعجزة إلى موكب أطفال سعداء
يلهثون لرؤية والدهم العائد بالهدايا ..
لم لا يكون لى نصيب معهم أنا أيضا؟
ألست إبنا لإبراهيم مثلهم؟

حسنا .. لأترك هذا العمل الذى أورثنى الكآبة ..
وأخرج لأرى يسوع ..
طلبت أن أرى يسوع من هو ..
ولن يمنعنى أحد ..

عندما أغلقت ادراجى شعرت بإثارة لم أعهدها فى نفسى من قبل ..
وعندما قمت من على مقعدى العالى إنتبابتنى طاقة عادت بى لأيام الشباب ..
وعندما خرجت من دار الجباية صرت واحد من هؤلاء الأطفال
الذين يركضون ويتقافزون فى سعادة ..

أنا الآن خارج دار الجباية ..
الجميع يركضون فى إتجاه واحد نحو الطريق الذى سيمر منه يسوع ..
لم يعد لى خيار .. أما أن أركض مع الجموع أو اداس تحت الأقدام ..
وجدت نفسى أركض .. ها قد عدت لأيام طفولتى بلا شك ..
أقتربت من الطريق ..
واقترب يسوع ..
سمعتهم يقولون حولى وهم يلهثون للوصول للطريق إنه قد عبر أريحا القديمة ..

ربما ينبغى أن أكلمك قليلا عن جغرافية المكان ..
أريحا مدينة من جزئين .. أريحا القديمة المذكورة فى التوراة ويشوع
التى سقطت أسوارها بالمعجزة المشهورة
وهى مدينة صغيرة وأبنيتها قديمة ..
وأريحا الجديدة العظيمة التى أقطنها أنا
والتى بنى بها هيرودس قصرا عظيما لنفسه
وتقع على الجنوب من إريحا القديمة فى إتجاه أورشليم ..
وبينهما طريق يمثل ملتقى طريقين عظيمين يسلكهما الصاعدون لأورشليم جنوبا
إذن فقد إقترب يسوع جدا ولابد أن ألحق لنفسى مكانا على الطريق لرؤيته ..

زاد تزاحم الجموع على جانبى الطريق .. ليس هناك موضع لقدم ..
كان يركض أمامى جموع كثيرة .. كلهم طوال القامة ..
حجبت الرؤية عنى تماما .. إننى أقصر من أن أرى ..
ها أنا أصطدم بأول عقد نفسيتى بينما أنا فى طريقى لنسيانها ..
وازداد إقتراب يسوع .. وأزداد الركض والهتاف من حولى ..

ماذا أفعل؟
لقد فقدت كرامتى وتنازلت عن كبريائى وصرت أسير
بين الجموع بلا جنود يحيطون بى أو يفسحون لى الطريق ..
كل هذا لكى أرى يسوع ولكن يبدو أننى لن أحظى بالرؤية ..
ليس بعد كل هذا ..
لقد طلبت أن أرى يسوع من هو ..
وينبغى أن أراه ..

زاد إصرارى وأسرعت جدا فى ركضى ..
ركضت كما لم أركض فى أيام طفولتى وسبقت كثيرين
وتقدمتهم ووصلت لأفضل مكان يمكن أن أرى منه يسوع ..
نظرت خلفى فإرتعبت ..
الجموع زاحفة خلفى ..
كلهم يريدون أن يروا يسوع ..
سيصلون إلى ويزيحوننى عن مكانى المتقدم
فى الطريق ولن يعبأ بى احد ..
إن أقصرهم قامة سيحجب الرؤية عنى ..
ماهى الطريقة الوحيدة يا زكا يا قصير القامة؟
لن ينفعك نفوذك ولا جاهك ..
لن يخاف منك أحد هنا ..
كيف تضمن رؤية يسوع دون مضايقة أحد؟

تلفت حولى بسرعة يائسا وخائفا ..
فوجدت جميزة عالية لحد كافٍ ..
لمعت فى ذهنى فكرة ..
إرجَع وصِر مثل الأطفال ..
وتسلق الشجرة كما كنت تفعل وأنت بعد طفل ..
ولكن ..
ماذا إن رآك أحد؟
الشعب الذى يخاف منك سيضحك عليك ..
وستفقد هيبتك ..
وماذا عن الجنود المكلفين بحفظ الأمن؟
أنت بمثابة رئيس وأمير لهم ..
كيف ستواجههم إن رآك أحدهم وأشاع ذلك عنك؟

ليقل الجميع مايقولون ..
لقد طلبت أن أرى يسوع من هو..
وينبغى أن أرى يسوع ..
تسلق الجميزة يا زكا ..
إفعل هذا أو تنازل عن رؤية يسوع ..
إن لم ترجع وتصر مثل الأطفال وتتسلق الجميزة فلن ترى يسوع ..
أفعلها قبل أن يفعلها الأطفال الراكضون بين الجموع
وتفقد آخر مكان يمكنك من رؤية يسوع ..

وكذا أسرعت بتسلق الشجرة قبل أن يأخذ مكانى عدة اطفال آخرين ..
ولكن تلك الجميزة اللعينة ملساء.. وانا منكبّ على المناضد أُطالع الدفاتر وأحسُب الحسابات
لقد تركت الرياضة الجسديّة حاسباً انها غير نافعة لكثير
ولكنّها انفع ما احتاجه الآن
إمّا أنا وإمّا فشلي في التسلّق
خشونة فكرة فقد رؤية يسوع ثبّتت مَلَس سطح الجميزة
وصعدت
وتشبّثت حتى لا أسقط
شعرت براحة نفس عظيمة وأنا فى موضعى فوق الجميزة ..
لقد بدأت أشعر بالقاء أثقال همومى وأنا بعد فى طريقى للقائه ..
وها أنا رابض فوق جميزة كالأطفال لا أبالى ولا أحتسب لشئ ..
فماذا إذا رأيته?

right


الطريق واضح الآن دون مزاحمة ..
أستطيع أن أرى موكب يسوع يقترب ..
وأرى الجموع كلها من أسفل الجميزة ترنو نحو الموكب ..
إزدادت دقات قلبى مع إقتراب الموكب ..

سمعتهم الناس أسفل الجميزة يتناقلون بإنبهار معجزة صنعها يسوع ..
يقولون أنه شفى أعمى على الطريق عند خروجه من أريحا القديمة فى إتجاهنا
ما أسرع تناقل أخبار يسوع! إنها تصلنا قبل أن يصل هو نفسه ..
سمعت أحدهم يقول: إنه بارتيماوس الذى يجلس ليستعطى هناك ..
وآخر يقول: بل شفى أعمى آخر معه أنهما أثنان لا واحد ..

إزداد شغفى ..
ياترى ما هو سر يسوع؟ وسر قوته؟
من هو؟
وهل يقدر أن يجعلنى سعيدا مثل هؤلاء البسطاء؟

لا وقت للتخيل .. ها هو يسوع قد إقترب جدا ..
أستطيع أن أرى موكبه ..

تشبثت بغصون الجميزة ومددت رأسى لأرى يسوع ..
كيف ينظر وكيف يتكلم ..
لا يبدو عليه شئ مثير ..
التراب يعفر ملابسه وهى ليست ملابس ذات شأن ..
نظراته وديعة ولا يبدو عليه كبرياء المعلمين العظماء ..
ولا ينتهر الجموع التى تتصارع لمجرد لمس أهداب ثوبه المترب ..

نسيت مخافة السقوط من فوق الجميزة التي بقت معي منذ تسلقتها بصعوبة
أرى حوله أشخاص أستطيع أن أتذكر أن بعضهم
كانوا عرجا وها هم يتقافزون حوله بسعادة
وهذا هو بارتيماوس المتسول .. إنه يبصر حقا كما قالوا
ويزحمه البعض ليلمس يسوع ولكنه يكافح ليلتصق به مرة أخرى ..
الجميع يتزاحمون حول يسوع بمنتهى الإصرار وكثير منهم قد نال معجزة من يسوع ..
لهم كل الحق فيما يفعلون ..
آاه .. هل يمكن أن اصير كواحد من هؤلاء؟

توقف يسوع عن المسير تحت الجميزة تماما ..
خفق قلبى ..
ها هو قد وقف ..
ربما سيلقى عظة ..
نعم بالتأكيد وإلا لما وقف؟
سأسمعه بإصغاء ..
ربما يقول شيئا يلمسنى ويدلنى على
سر السعادة وينزع عنى إكتئابى مثل الجميع ..

مددت رأسى أكثر وأكثر لأسفل حتى أسمع
فإذا بيسوع ينظر إلى أعلى فى ذات اللحظة ..
والتقت عينانا ..
كان موقفا محرجا خاصة لمن كان فى مثل وضعى ..

لم أجد وقت للتفكير فى كيفية تبرير هذا الموقف
إذ فاجأنى يسوع بشئ مذهل لم أتوقعه:

يا زكا

إنه يعرفنى ..
كيف؟؟!
لم يسبق له أن كان فى المدينة ولم يلتق بى من قبل ..
وقد نادانى فور أن رآنى دون أن يسأل عنى ..
لم أفهم كيف ..
لم يتركنى الرب فى حيرتى إذ أكمل:

أسرع وأنزل

كأنى اسمع صوت امى وقد ضبطتنى وأنا طفل أختبئ منها فوق الجميزة:
لهجة مرحة مداعبة إمتصت سخرية الناس وأزالت حرج الموقف بدرجة كبيرة ..

كأنى بالرب يقول لى بلهجته الشفوقة التى لم تحلو من المرح:
إنزل يا زكا ..
من علياء نفوذك .. ومن فوق تلال أموالك ..
أسرع .. فقد ظللت تنظر لكل أحد من أعلى وأنت كما أنت ..
قصير القامة ..
لم تقدر أموالك أن تزيد قامتك ذراعا واحدة ..

أسرع يا رجل وادرك الساعة الحادية عشرة
أسرع فالوقت مُقَصَّر

ومع إيحاءات قول الرب هذه كلّها لم أُخطئ تمييز إيحاء آخر
نبرة لهفة
أسرع قد اشتقتُ لك يا صديق
كمن يتعجَّل صديقاً لدعوة ولقاء

نظر الجميع إلى أعلى وبدأت أسمع ضحكاتهم تتعالى ..
إلا أن يسوع أكمل كلامه لى بما لم أتوقعه أنا ولا أى من الواقفين:

لأنه ينبغى أن أمكث اليوم فى بيتك

ماذا تقول يا رب؟
فى بيتى ينبغى أن تكون أنت؟
بل ومتعجل على دخول بيتى؟
هل تعرف من أنا؟ وماذا يقول الناس عنى وعمن يلتصق بى؟

هذا كثير وكثير جدا يا رب ..
لقد يأست من أن يفهمنى أحد من المحيطين بى ويدرك معاناة نفسى
وها أنت تدعونى بإسمى دون سابق لقاء ..
طلبت أن يكف الناس عن إحتقارى وتجنبى فإذا بك أنت ذاتك تكلمنى ..
طلبت أن أرى من أنت .. فقط أرى من أنت ..
وها أنت تطلب لا أن ترانى بل أن تحل فى بيتى ضيفا ..

انا طلبته وهو وجدنى ..
كثير جدا هذا يا رب ..
أكثر مما طلبت أو افتكرت .. وأكثر كثير مما أستحق ..

كأننى فى حلم أنسانى ضحكات الناس على منظرى فوق الجميزة ..
لم أبالى بضحكاتهم بل لم أسمعها من الأصل .. بل لم أرى احدا منهم ..
صار المشهد كله مقتصرا أمامى على يسوع ..
كأننا بمفردنا هو وأنا بين هذه الحشود الهادرة ..



هممت بالنزول بخفة الأطفال وسرعتهم ..
وصوت ضحكى أنا يعلو على صوت الناس ..
ضحك لم تتذوق شفاتى طعم مثله قبل نداء يسوع لى ..
تسلمنى يسوع بحنان وأنا أنزل فمشيت بجانبه وقلبى يرقص فرحا وأنا أقوده لبيتى ..
أمشى بجانب الرب فخورا وأنا أشعر أن طول قامتى قد تضاعف ..
لم أعد أشعر بنقمة على قامتى القصيرة ..
بل صرت سعيدا وممتنا جدا لطول قامتى ..
فهى سبب لقائى العجيب مع الرب ..
لولاها لكنت واقفا مثلى مثل الآخرين الطوال فى الطريق
أراه مارا ويعبر دون أن أحظى بالمزيد منه ..
لقد تحررت من أول عقدى ..

كنت أتلهف الوصول للمنزل ..
هناك سأقضى وقتا أطول مع يسوع ..
أسأله وأتعلم منه ..
أطلب منه ويجيبنى ..
وأتحرر اكثر وأكثر ..
لن أتركه مالم يملأ قلبى فرحا ويزيل كل أسباب الكآبة عن ..

بدأت ضحكات الناس تتحول لهمهمات غاضبة على إستحياء ..
وعندما وصلنا البيت كانت الهمهمات قد تحولت إلى تذمر مسموع ..
كان الحميع غاضبين ..
كيف يبيت يسوع مسيحهم وربهم فى بيت إنسان خاطئ وبغيض هو أنا؟

كيف أشرح للناس؟
كيف يفهمون؟
إن يسوع هنا لأنه فهمنى ..
لأنه إستجاب لطلبة لم أطلبها ..
إنه عندى ليعلمنى كيف أكون سعيدا مثلهم وليس لكى يصيروا هم غاضين ..
لكى يعلمنى كيف أحبهم وليس ليكرهونه هو ..
نظرت إلى يسوع فوجدته يسمع تذمرهم
وهو فى هدوئه ووداعته وصمته ينظر إلى مشفقا ومحبا ..
كأنى به يقول:
أنا أقبل أن أعير بك ومن أجلك ..

أطرقت برأسى خجلا ..
أنت وأنا فقط يا رب نفهم لماذا أنت عندى ..
أنت وأنا فقط ولكنهم لا يفهمون ..
أنت تعير من أجلى ومن اجل خطيتى أنا ..

إنتظرت أن يدافع يسوع عن نفسه فلم يفعل ..
غرت غيرة للرب ..
لن يهان الرب من أجلى ومن أجل خطيتى ..
لن يأتى ليسعدنى وأنا أترك الناس يعيرونه بى ..
ولن أترك الناس غاضبين متألمين دون فهم ..
أولئك عميان القلب لم يروا ما رأى الرب
ألم يروا في ذهابي وطلبي لرؤية يسوع من هو أنني طالب توبة؟
وإن لم أقلها بفمي لكني قلتها بكل ما يمكن للفعل أن يقول
ولكن معهم حقّ، فلا بد من الاعتراف الشريف حتى يقبلوني فهم ليسوا الرب
ولو أمهلوني لكنتُ لأتكلّم بالاعتراف والتوبة وبالقول والفعل
ولم أكن في موقفي هذا إلا لأفعل
لا يليق أن أبنى سعادتى بالرب على ألم الناس وحيرتهم كما كنت أفعل دائما ..
كفانى من هذا ..
فوقفت وقلت:

ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين
وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف

عندما قلتها شعرت بكل اثقالى وقد انزاحت ..
لا أعرف كيف أصف لك مشاعرى ..

قد تستصعب عملى وتظنه نزوة جنون
وتسأل: كيف تركت كل هذا المال الذى جمعته بالعناء بكلمة واحدة؟
بل وكيف إعترفت بوشايتك وظلمك للناس هكذا ببساطة؟
أجيبك: لم يكن الأمر بسيطا أو سهلا لى بل ولا حتى متوقعا منى
ولكنه كان سهلا بل طبيعيا بل حتميا بفضل عمل يسوع معى
فالمال ليس هو من أطال قامتى ورفع رأسى بل وجود يسوع فى بيتى
لقد حررنى يسوع من صغر نفسى فحررنى حتما من محبة المال المتسلطة على نفسى

وماذا عن نقمتك عليهم وهم من كان يعيرك ويكرهك؟ تسألنى
فهل تعطيهم المال بكل هذا الكرم وتعترف بظلمك لهم ووشايتك بهم؟
أيضا نقمتى على الناس زالت فمحبة يسوع لى وأنا الأولى بنقمته من الجميع
حولت نقمتى إلى محبة وشفقة وأخجلنى من خطيتى أنا وأخفى عنى إساءة غيرى

بل سأفيدك بما هو أدقّ وألزم
لقد أقررت بحقهم في النقمة عليّ
وفي أحقيّتهم في التذمر على من يزورني
وتحولت نقمتي عليهم إلى نقمة على نفسي
بل الرب نفسه لولا أنه رأى بشائر توبتي ما كان قد زارني
هوذا أمر رئيس أقوله:
لقد تعمَّد الرب أن يسمعني غضب الناس النابع من مرارتهم
والذي يُوجِب أن مثلي بغير توبة معلنة لا يُزار
وإنما فقط لقد اعتمد الرب التوبة وكافأ علامتها الظاهرة
ولقد أسمعني حق الناس في الشكوى
وقدر مرارتهم من إهانتي للناس والناموس
ولو كانوا مخطئين لكان الرب قد صحّحهم
ولكنه صمت ليتيح لي فرصة الكلام
كأنه يقول لي: هذه الشكوى لا تزال تقف بيني وبينك وأنا في بيتك
وإذ فتحت بيتي للرب، بل إذ فتح هو بيتي
فقد فُتِح قلبي للنظر لأصحاب الحق في النقمة
وسمعت أنينهم الناقم تحت صراخهم الزاعق للمرة الأولى
والرب في كل هذا صامت
فهذا دوري أنا في الكلام ولا يريد الرب الجور عليه
كان هذا حديثه الصامت وأنا أسمعه ونفسي تفور فيّ بطلب تمام التوبة
ولم يبق لي إلا ان أُظهر للشاكين حقّهم توبتي بإعلان يلمسه الجميع
وليس ببشائر لا يملكون التيقن من منتهاها
فليس الجميع لهم رؤية يسوع النافذة
وقد كان

تعرف ما قلتُ: نصف أموالي للفقراء والتعويض بأربعة أضعاف لكل من وشيت به
ذهل السامعون ..
لو عرفوا سر يسوع معى ما أذهلهم هذا ..

قال يسوع كمن كان منتظرا لقولى واثقا أنى لن أخذله:

اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضا ابن لإبراهيم
هذا البيت! البيت الذي دعاني يسوع لكي يدخله وادخل معه
نعم هو من دعاني إلى بيتي لأنه صار بيته ألم يكن مزمعاً ان يخلّصه؟!
والمخلِّص يكون صاحب ما خلّصه
ولقد رأى الرب بداية ذلك منذ طلبت أن أرى من هو يسوع
فصار بذلك صاحب أمر الدعوة فيه
هو صاحب البيت.. هذا هو
أكمل الرب فيما تعتمل نفسي بشعور فائض:
لأن إبن الإنسان قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك

يطلب؟؟؟
هزتنى هذه الكلمة ..
أنا الذى كنت أطلب أن أرى يسوع ..
وها هو يعلن لى :
أنا الذى أطلبك ..
أنت طلبت أن ترانى وأنا طلبت أن أخلصك ..
وها أنت على بداية الطريق .. تتحرر أكثر وأكثر ..
ها قد تخلصت من عبودية سيدين قاسيين آخرين:
المال الذى أعدته للمحتاجين والمظلومين منتصرا عليه ومجازيا استعباده لك أربعة أضعاف ..
وكرامة الذات التى أبت عليك بالإقرار بظلمك وغشك ..
وها أنت قد سحقتها بإعترافك بخطيئتك ورضوخك للحق ..
لقد بدأت حريتك يا زكا فإفتح أبوابك فلم تعد حبيسا ..

فتحت أبواب منزلى كلها ودعوت الجميع ..
تدفق الناس على بيتى ..
لقد إمتلا البيت ناسا ..
بسطاء وسعداء ويحبوننى ..
لقد حقق لى يسوع كل شئ ..
البيت الذى كان الناس يدخلونه خائفين ويخرجون منه حانقين
اصبح يأوى الناس وهم سعداء يسمعون تعليم يسوع ..
وهكذا صرت بفضل يسوع سببا لسعادة الناس ..
وصرت بفضله واحدا من تلاميذه أحيا فى شركة محبة مقدسة معهم
بعد حياة المظالم تقابلها البغضة والإحتقار ..


لعلّ نشوتي بخلاصي أخذتني لحد بعيد فلم أر إلا علاقتي أنا بالرب وعلاقتي بالآخرين من حيث ما يُرضي الرب ويزيل اسباب غضبهم ودمدمتهم عليه
ولكن هناك نظر الرب للناس!
كيف نظر الرب إليهم؟
فالرب لم يكن ينظر لي فقط..
نعم! فأولئك الذين دمدموا من جهة الرب لدخلوه بيت زكا الظالم
كنت أولاً منحصراً في تزكية توبتي أنا بتزكية الرب لدى الغافلين وانتبهت أن ما قادني له الرب لم يكن لي فقط بل لمن فككتُ نهم الظلم بقبولي للرب
لقد جال ودخل وصنع خيراً للجميع

وبدأ يسوع يُعلِّم فى بيتى ..
وفى بيتى أنا زكا العشار علم الرب بمثل الأمناء الشهير ..
ربما أراد أن يقول لى أن العمل فى محال الأموال
ليس عيبا فى ذاته ولا حراما فى ذاته فاختار مفردات المثل بما يناسب المجال ..
لقد سمعت أنه كان يكلم الصيادين بأمثلة عن السمك والصيد ..
والفلاحين بمثل الزارع .. والأجراء بأمثلة من واقع عملهم ..
وها هو يضع العاملين فى الأموال على قائمة الشرف
ويؤكد لى أننى مقبول ..

أخيرا ترك بيتى لينطلق نحو أورشليم نحو العيد حيث ينتظره الجميع ..
كما تعلمت وآمنت بعد هذا كان فى طريقه ليخلص العالم كله بصليبه ..
حدث هذا بعد أيام قليلة من دعوته إياى

ولكنه وهو فى طريقه لتقديم الخلاص للعالم كله
لم ينس أن يمر بزكا العشار الخاطئ الذى طلب أن يراه ..
وينادينى أنا بالإسم ..
ويمكث فى بيتى أنا ..
ويقدم لى أنا وأهل بيتى وعدا بنصيب فى الخلاص المزمع ..
أنا محبوب عنده بإسمى الذى نادانى به بنفسه أمام الجميع ..
العالم كله وخلاص البشرية كلها لم ينسه خلاص زكا ..
وآلام البشرية كلها لم تصرفه عن آلام نفس زكا الخاطئة ..

لقد شفانى من كل صغر النفس الذى سحقنى سنينا طويلة
لم تعوضنى الأموال عن قصر قامتى
ولا النفوذ
لكن إهتمام يسوع جعلنى لست فقط لا أبالى بقصر قامتى
بل أفرح بها وأعتز وأزهو

حبيبى القارئ إن كنت قد صبرت معى لتقرأ قصة لقائى مع يسوع
فلى كلمة معك:
هل نفسك حبيسة سجن ما؟
هل يسخرك سيد قاس أو يستعبدك إله شرير؟
مال؟ منصب؟ طموح؟

وهل يأخذ مسخرك من صغر نفسك أو من عقدة فى حياتك
منفذا للتسلط عليك وتسخيرك موهما إياك بأنه يعوضك عن نقصك
فلا يزيدك إلا مهانة وشقاء؟

أيا كان ..
لماذا لا تطلب أن ترى يسوع من هو؟
أسرع وعد مثل الأطفال ..
أركض وتقدم وتسلق الجميزة حتى تراه ..
سيدعوك بإسمك ..
سيجررك من كل ما ومن يستعبدك ..
سيدخل تحت سقف بيتك ويحرر نفسك كما فعل معى ..
وسيعلن لك:
اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ أنت أيضا إبن للموعد
يسوع وحده يستطيع إعلان هذا لك ..
سيقولها ولن يخجل من تعييرات معيريك ..
بل سيحملها معك وبدلا منك سعيدا ..
لأن إبن الإنسان قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك ..


P. Eng. Basil Lamie
Virginia, April 2003



Site Gate         Main Table of Contents