حساب الوزنات

 

 

نشر بنشرة كنيسة ما مرقس بواشنطن دى سى

عدد سبتمبر اكتوبر 2002 بمناسبة رأس السنة القبطية

و هناك تعديلات طفيفة فى هذه النسخة الإلكترونية

 

مع إستقبالنا لعيد رأس السنة القبطية

نكون قد أمضينا عاما كنسيا طقسيا كاملا من حياتنا الروحية

بكل أصوامه و أعياده و خدمته ..

و يليق بنا فى بدء العام الكنسى الجديد أن نراجع حساب وكالتنا عن العام الروحى الماضى ..

ماذا ربحنا ؟ و كيف إتجرنا فى وزناتنا ؟ و لحساب من ؟

 و قد علمنا الرب مثلين يعينانا على ضبط حساباتنا ..

الأول هو مثل الوزنات متى 25

و الثانى هو مثل الأمناء (جمع منا) لوقا 19

و هذان المثلان هما بمثابة مثل واحد بصورتين متكاملتين كما سنرى ..

و أود أن أساهم معكم بفلسى الأرملة فى التأمل فى هذين المثلين السيديين ..

و حتى تكون الفائدة مكتملة أرجو أن نفتح الكتاب المقدس أمامنا على هذين المثلين

و سوف نجد فيهما الإجابات على كل أسئلتنا

من فم الرب نفسه ..

 

 

 

+ هل كان نصيبى من الوزنات عادلا ؟ (التذمر)

 

يثور  هذا السؤال كلما شرعنا فى محاسبة النفس ..

إنه بمثابة دفاع إستباقى عن النفس قبل الحساب ..

و لكن يسد الرب الطريق أمام هذا السؤال فى المثلين و يشرح لنا عدالته .. فكيف ؟

فى مثل الأمناء نجد أن الجميع أخذوا بالتساوى

بينما فى مثل الوزنات نجد أن توزيع الوزنات لا يتساوى

فواحد أخذ خمسة و الآخر إثنتين و الآخر وزنة واحدة ..

فكيف يتفق الأمران ؟

هكذا يتفقان إذ يقول الرب : "أعطى كل واحد على قدر طاقته" (متى 25 : 15)

إننا مثل مجموعة من الأوانى مختلفة السعات و لكن كلها ممتلئة عن ىخرها من وزنات الرب

و فى هذا  عدالة حكيمة ..

العدالة فى أن الجميع ممتلئين حسب سعاتهم

و الحكمة أن الرب لم يثل على أحد بأكثر مما يستطيع التحمل

و لذلك حكى لنا الرب المثل الواحد بطريقتين

ليوضح لنا فى مثل الامناء ان التوزيع كان عادلا متساويا

و فى مثل الوزنات أن هذه المساواة حكيمة و نسبية بحسب طاقة كل واحد

بل أننا إذا مضينا فى الحساب سنكتشف أن الرب فى توزيعه لم يكن حكيما و عادلا فقط

بل و رحيما أيضا ..

لإنه إن كان العبد الكسلان قصر فى التجارة بوزنة واحدة فقط فكان مصيره كما نقرأ

فكم يكون مصيره إن دفن وزنات اكثر ؟

أفلم يكن الرب رحيما به عندما لم يكثر له فى الوزنات ؟

و العجيب أن العبد الشرير نفسه رغم كل حججه السخيفة ووقاحته فى مخاطبة السيد

لم يجرؤ على التذمر على الوزنة الواحدة

أخشى اننا نحن كثيرا ما نتجاسر بتذمرنا فنصل إلى مالم يتجاسر العبد الشرير على الوصول إليه ..

إن التذمر يعوقنا مرتين فى حساب وكالتنا

إذ يعوقنا أولا عن التجارة و الربح

ثم يعود بعدها فيعوقنا عن محاسبة النفس بأمانة لأنه يقد حجة شريرة للنفس

و بغلقه باب محاسبة النفس يسد الطريق أمام التجارة مطلقا ..

 

و فوق هذا يهين الرب فى عطاياه لنا ..

لأن المتذمر كمن يقول للرب :

إن عطاياك و نعمك غير مقبولة وغير كافية

التذمر يعوقنا عن التجارة

ثم يعوقنا عن مراجعة النفس

ثم يهين الرب فى عطاياه لنا

و يصل بنا إلى ما لم يصل إليه العبد الشرير

فلنترك إذن هذا التذمر واثقين فى حكمة الرب و عدالته بل و رحمته فى االتوزيع

 

 

 

+ نتاجر أم نربح ؟ (الخوف)

 

ما مدى مسئوليتنا تجاه الوزنات ؟

ماذا إذا تاجرنا و خسرنا ؟

كثيرا ما نتحجج بالخوف من الخسارة ..

أخاف أن خدم فى الكنيسة فاخسر وزنة الوقت فى خدمة غير مثمرة ..

أخاف ان أصوم فاخسر وزنة الصحة الغالية ..

أخاف أن أنبه أصدقائى و أقاربى لخطاياهم الظاهرة المشينة

و المؤذية لنفوسهم قبل غيرهم

لئلا أخسر رصيدى من المحبة لديهم

يزيل الرب مخاوفنا الوهمية فى هذا المثل ..

بداية يطمئنا الرب بأننا لن نحاسب  على الربح بل على التجارة ذاتها ..

لأن وصية السيد لنا هى : "تاجروا" (لوقا 19 : 13)

لم يقل السيد تاجروا و إربحوا بل فقط تاجروا حتى آتى ..

و من عدالة الرب أن يحاسبنا فى حدود الوصية ..

على أن السؤال الذى لا ينبغى أن تفوتنا إجابته هو :

لماذا لم يطلب الرب منا أن نربح ؟

أليس الهدف من التجارة هو الربح ؟

و الإجابة هى ان الربح مضمون فى الوصية ..

و الدليل على تلك الحقيقة الهامة هو أنه لم يتاجر أى واحد من العبيد

فى المثلين إلا وربح

لم يخسر قط أى واحد تاجربأمانة

و تلك ملاحظة يثيرها توقف الرب فى تدرجه فى المثل عند من دفن الوزنة

هناك من ربح كثيرا ثم يأتى بعده من ربح ربحا معقولا

ثم من لم يربح على الإطلاق

و كان المتوقع ان يمضى الرب فيكلمنا عمن خسر

و لكن هذا لم يحدث

لان كل من يتاجر ربحه مضمون

و لو كان العبد الكسلان الشرير قد تاجر لما كان قد خسر

لان الربح مضمون فى الوصية ذاتها

و لذلك فمجال الحساب هو مدى الخضوع للوصية

و التجارة بأمانة و ليس مدى الربح !!!

فالرب سيد حكيم يعرف قدراتنا و يعطى الوزنات حسب الطاقة كم قال هو نفسه

فعندما يوصينا بالتجارة فهو هو يضمن لنا الربح و بالتالى لا يطالبنا به

لانه هو العامل معنا فى تجارتنا الروحية

إذن فلا يبقى مبرر للخوف من الخسارة

إلا إذا نسى الإنسان ان الوزنات هى من الرب و ينبغى ان تعود إليه

و طمع فى وزنات الرب لنفسه

هنا يدخل الخوف و يملك على نفسه من فقدان وزنات التى إغتصبها و حسبها لنفسه

نعم ليس هناك سبب آخر للخوف

فمن يرى فى نفسه خوفا على وزنات الرب من الخسارة فى التجارة

فليتيقن أن الطمع فى وزنات الرب لنفسه قد داخله

و ليراجع حساباته بدقة

 

 

 

+ خوف أم كسل ؟ (الكسل)

 

قد يكون الخوف مصطنعا ليخفى الأسباب الحقيقية

و هو ما يكشفه الرب لا فى حواره مع العبد الكسلان الشرير

هذا العبد أخذ وزنة واحدة فكان المطلوب منه إذن أهون كثيرا من المطلوب من غيره

و لكنه مع ذلك تكاسل و لم يرد أن يتاجر

و عندما عاد السيد ليحاسبه حاول أن يخفى كسله بحجة الخوف ..

و هى حجة مكشوفة ..

لو كان العبد خائفا حقا من السيد فكيف تجاسر على مخاطبته بهذه الوقاحة ظ

العبد الشرير هنا يدين نفسه بفمه ..

كما أن الوصية تقول تاجروا فحسب كما رأينا فى النقطة السابقة

و لم تكلفه بالربح و لم تهدده على الخسارة ..

إن احجام العبد الشرير عن التجارة كان نتيجة أنه كسول و ليس خائفا

لم يكلف نفسه حتى عناء الذهاب للصيارفة ليودع عندهم الوزنة ..

و كونها وزنة واحدة لا يمثل ثقلا حتى فى حملها ..

ليخفى شره و كسله راوغ العبد فى الإجابة و لكنها كانت مراوغة مكشوفة وفاشلة ..

فهل نتكاسل نحن عن الخضوع لإرشاد الكنيسة و وضع وزناتنا تحت تصرف صيارفتها ؟

 

إذا كان التذمر هو العائق الأول و الخوف هو العائق الثانى

فإن الكسل هو العائق الثالث الأشد خطورة ..

لأنه يطبع النفس و يكبلها ..

و لا يصلح معه تعليم لأنه ليس عن جهل .إنما عن تهاون .

بل يحتاج ليقظة و تنبه دائمين ..

إنه مشكلة العذارى الجاهلات اللواتى لم يستطع احد أن يساعدهن

لا الباعة و لا حتى رفيقاتهن العذارى الحكيمات ..

إن حل مشكلة الكسول هى فى ضميره و إرادته ..

 

 

 

+ قاسى أم محب ؟

 

و هى الشكوى ضد السيد بأنه قاسى يحصد حيث لا يزرع

و أنا أثق بأن هذا الفكر لا يراودنا نحن المختبرين لمحبة سيدنا

الذى دعانا بنعمته أبناء و احباء

و لكن لكى يكتمل الموضوع فلنرى كيف تعامل الرب مع هذا الإتهام

أولا يلفت نظرنا أنه لم يكلف نفسه عناء الدفاع عن نفسه ..

لأنه يغلب إذا حوكم و ليس هدفه أن يبرر هو ذاته

بل أن يقودنا لموضع الخطأ

و لهذا إهتم بوضع إصبعه على موطن المرض الحقيقى للعبد الكسلان

دون أن ينشغل بالدفاع عن نفسه

و لكن لنا فى تصرفات السيد أبلغ دفاع عن محبته و رقته ..

محبة عاملة و ليست بالكلام و لا اللسان

إن السيد لم يأخذ الأرباح من عبيده كما نرى فى المثلين

بل و لا حتى رأس المال

بل حتى الوزنة التى دفنها العبد الشرير لم يضعها فى جيبه بل أعطاها لمن إتجر و ربح

و فوق هذا و أهم من هذا كله أنه أدخل العبيد الأمناء إلى فرحه ليفرحوا معه

فأين هى القسوة و أين الحصاد حيث لم يزرع ؟

قد يحاول الشيطان خداعنا بتصوير الرب فى صورة سيد قاس

و لكن مراجعة أعمال الرب معنا و عطاياه لنا هى أبلغ رد على الفكر الردئ

 

 

 

+ ختاما

 

أعطنى ربى فى العام الروحى الجديد قناعة بحكمتك فى توزيع الوزنات

أعطنى ربى فى العام الجديد ثقة بأن ربح التجارة مضمون معك

أعطنى فهما أن الوزنات ليست لى بل هى منك و لك

أعطنى أن أهزم روح الكسل فلا أدفن وزناتى

و كن فوق كل هذا رفيقاً لى فى تجارتى