كلمات عرفان وإهداء في أذن الفم الذهبى

   

     أتشرف يا حضرة رئيس الأساقفة المعلم والواعظ المحب للمسيح

     أن أهدي كلمات ما يسمونه "عظاتى" إليك..

     ويرتاح قلبي إذ أجد فرصة لأن أضع ما خرج من فم نجس الشفتين

     أمام الفم الذهبي..

     ذلك لأننى أحبك.. وأحب وأظنني أفهم سيرتك..

     وذلك لأن ذكر اسمك يبعث الراحة لنفسي..

     وسبب فوق سبب وسبب..

     أقول متنازلاً عن أخطاء تفسيرك فليس بالتفسير وحده يكون الحكم على رجال الكنيسة..

     وأقول مقراً بتهورك أميز ما فيك فما أحاطك يجعل بعض التهور بعض من الفضيلة..

 

     ذات يوم بحثت بين الأسماء التي حفظها التاريح لنا

     ممن ترأسوا الكنيسة نحو مطلع المئة الخامسة..

     بحثت عمن وقف في وجه عار وعار وعار:

     عار الزواج المختلط مع غير المؤمنين

     ذلك الذي كان سائراً دون أن يجد إلا ظهوراً مُصَدَّرة أو عيوناً متغافلة..

     وعار التملق للأباطرة الذى بدأ منذ دخل أولهم ساحة الرب..

     وعار الانغماس في الهوس النظرى والمباحثات السخيفة

    والفلسفات الشوهاء المنطق،

     ثم ما يهجم خلفه من مرارة إنقسام و حرومات..

 

     بحثت بتدقيق علِّي أجد من وقف في الثغرة..

     ومن بين الكثيرين المدعوين آباءً و قديسين والمعتبرين أنهم وأنهم

     -لا فرق عندى فالرب لا يأخذ بوجه إنسان-  

     وهذه الجملة الاعتراضية تعلمتها منك ومن الرسول الذي تعلمتَها أنت منه..

 

     بين ألف فتشت واحداً فواحداً لأجد الذى تطلبه نفسى..

     هذا وجدت: من نجا من واحدة سقط في الأُخرى..

     حقاً الرب لا يترك نفسه بلا شاهد..

     ولكن أنَّى لي أن أعثر على الأفواه التي لم تُقَبِّل البعل،

     بينما ىأنا أفتش في صفحات التاريخ فحسب..

     والتاريخ لا يسجِّل أسماء السبعات الآلاف

     الذين لا ينحنون للبعليم ولا يقبلونهم..

 

     طلبت بدموع كثيرة فوجدت أسماءً قليلة..

     كنت أكتب قائمة الشرف فلم تمتلئ عن آخرها..

     بين الكثيرين وجدت القليلين جداً قبلك..

     ولأنك كنت دائماً واحداً من القليلين..

     ولأنك كنت مفصِّلا لكلمة الحق بإستقامة..

     ولانك كنت قائلاً عاملاً..

     ولأن ركبتيك لم تجثوا لبعل ولا شبه بعل..

     ولأنك كل هذا

     فقد كانت سيرتك وتعليمك ندىً بارداً لطَّف لهيب قلبي..

 

     أتسمح لى بسطور قليلة لبعض التفصيل مما حفظه التاريخ عنك؟

     كنت عزوفاً عن شركة موائد المدعوين رؤساءً..

     قيل أحشاؤك الرقيقة كانت سريعة التقيؤ للطعام..

     وأحسَب انه ما كان ممكنا لها أن تهضم أطعمتهم..

     وأحسَب هذا أيضا:

      أنه ولا نفسك الرقيقة كانت تتحمل زيف رذالة عظمتهم،

     و ثقل تفاهة مجالسهم..

 

     وفي أمانتك كنت أمينا إلى الموت..

 

     تحالف الجميع ضدك..

     حرموك وكل حرم يخالف إرادة الثالوث باطل..

     ونفوك وللرب الأرض وملؤها..

     وكأن الأرض كانت راسخة بدوس قدميك،

     حتى إذ رفعت آخر وطئات قدمك عنها تزلزَلَت..

     أو كأن صدى كلماتك كان مهدئاً لها من الغضب..

     فلما ابتعد صوتك مرمى حجر منها ثار غضبها على الساكنين عليها..

     لم يكن هذا لكي تعود وسط باشان فليس هذا مكانك..

     وإنما كان شهادةً لهم.. أو عليهم..

 

 

     وبعد أن أدت الطبيعة شهادتها الأولى بقيت صامتة يوم نفيك الثاني..

     وما جدوى الشهادة لهم؟

     لقد طلبت كرامةً للكنيسة وطلب المتسلطون عليها كرامة أنفسهم..

     وطلبت عفةً لبنات لم يطلبها لهن "الرجال" من أزواجهن وآبائهن..

     أيكون هذا مكانك يا "رجل"؟ يا رجل!

     أتكون بين الـ"بشر" وأنت "رجل"؟

 

     آه .. ياليت الكثيرين من المدعوين آباءا كانوا من معدنك..

 

     و إذ أراد الرب أن يعطيك إكليل الحياة،

     فسمح لوعورة الطريق أن تتغلب على أنفاسك و رئتيك،

     حتى يقال بحق أنك كنت أمينا إلى الموت..

 

     كم أرغب لو كنت أحيا وقتها فأقول لك:

     تشجع أيها البطريرك..

     لا يستطيع أحد أن يؤذيك ما لم تؤذ أنت نفسك..

     ومن أين تظنَّ أن آت بكلمات وعظ وتشجيع إلا من كلماتك؟

 

     ولم يستطع أحد أن يؤذيك لأنك لم تؤذ نفسك..

     فلم يسمح الرب أن تلطخ سيرتك حرومات ظالمة واضطهادات عالمية..

     فخصومك إما بادوا أو عادوا..

     وبقى إسمك مثل فمك ذهباً لامعاًً..

    

     قال المؤرخون متحذلقين: لولا أنك كنت حصيفاً..

     وقلت متأسفاً وأنا أقرأ ذلك: بل قولوا لولا أنه لم يكن ذهبي الفم وكان آخر..

     لا عليهم.. لا يفهمون يا بطريرك..

 

     لقد تنبَّأْتَ لتلميذتك الشماسة أنك ستعود..

     ولآخر مراحل نفيك وفي أقصى آلام مرضك كان لك هذا الأمل..

     لعلك كنت تشجعها،

     ولعلك أنت اشتقت لمكان تعبت في خدمته،

     ولكن الرب اختار لك نصيباً أفضل..

 

     أتعرف ماذا؟ لقد أسفتُ عندما وجدت نبؤتك بعودتك لم تتحقق..

     ولكن أتعرف ماذا أكثر؟ لقد تحقَّقَت!

     أفكرت في هذا مثلي يا رئيس الأساقفة؟ لقد تحقَّقَت..

     ألم يعد جسدك مكرماً محمولاً على أعناق شعبك؟

     عاد حتى المنبر حين صاحوا بدموع: إصعد على المنبر وعلمنا يا أبانا..

     وكانت في حياتك عظات السيرة وعظات اللسان،

     والآن عظة قدرة الرب:

     عظة ظهور إرادة الرب وعمل قدرته في جسدك المائت أيضاً..  

 

 

     لذلك

     أحبك

     ويهدأ قلبى عند ذكرك

 

     ولذلك تجاسرت بإهداء هذه الصفحة لاسمك

     ليس لأن ما بها وعظ يبحث عن اسم معتبر الوعظ يتمحك فيه

     بل لأننى أتحيَّن الفرصة لاظهر حبي لك

     وراحتى في سيرتك

     التي تشجعنى على الاستمرار في طريق صعب

     والكلام في آذان أغلبها لا يسمع

     وقلوب جعلت من الإستباحة والكبرياء دِيناً وصنعت له إنجيلاً

     تحت أعين رقباء بعضهم لا يختلف عن رقباء عصرك

 

     أعود – ولا أحب أن أفارق - فأقول:

     ولكن كان هناك فم ذهبى..

     لم يحسب حساباً إلا للضرورة الموضوعة

     فلأحسب أنا معه

     ولأذكر نهاية سيرته فأتمثل بإيمانه

 

     كم أنا مدين لك بالفضل

     يا شفيع عصرك

     أمام قلبى المتألم من مخازى وعار زمانك وزماني

     وكل أزمنة الغربة على الأرض

     يا صاحب الفم الذهبى

     يا صاحب القلب الفولاذى

     يا صاحب القداسة

     الأب البطريرك

 

 

 

   *Formed first in the spring of 2001, in VA, Fairfax Reston's public library, where I was almost desperately browsing for more names to add up into the list of honor besides that of  John Chrysostom and other few names.

   *Written later in the spring of 2004.

  

   C. Mark