كلمات حبّ عند أقدام كاروزنا  

 

 

أى شكر نقدمه لك يا أبانا

وأى كلمات تعبر عن فضل محبتك لنا

أو عن لهيب محبتنا لك

كنا مديونين ليوسف بحياتنا الأرضية

فصيَّرتنا مديونين لك بحياتنا الأبدية

 

أطعمنا يوسف القمح النابت من الأرض

فأطعمتنا أنت خبز الحياة النازل من السماء

أطعمتنا كلمة الرب المحيية

وغذيّتنا بجسده ورويتنا بدمه

دبّر يوسف كورة مصر لحساب خطّة خلاص الرب قصداً، ولكن لحساب فرعون تدبيراً زمنيّاً ورمزيّاً، ونفع ذلك لقليل

وصرت أنت مدبر كورة مصر الأول لحساب ملك الملوك ورب الأرباب، جوهريّاً وقصداً، تدبيريّاً وغرضاً، الذي نفعه بطول الأبديّة وعرضها

بعنا أنفسنا بقمح يوسف، على كل حال، إلى الملك فرعون

واشتريتنا انت للدملك الملوك الرب

 

 

نقلتنا من الظلمة للنور

نقلتنا من الأرض للسماء

 

أتيت وأنرت لنا

بإنجيلك

وعلمتنا

الآب والإبن والروح القدس

 

أتيت من طريق معروف يصل من موطنك لقلب صعيد بلادنا

وجريت حيثما النهر جرى

واستقرت منابعك حيث يصب النيل

ليجري تعليمك ثانيةً مجرىً روحيّاً يُنيل السماء عكس مجرى نيل الأرض

ليجري نهر حياة يملأ الأرض والنفوس

ولم لا؟ بل وكيف لا؟ وأنت كاتب لواحد من أربعة انهار الحياة

 

ألم يأت الرب بنفسه لمصر فإرتجفت أوثان مصر من وجهه؟

ولكنه لم يبددها للوقت!

فلكل شئ لدى حكمته وقت

كان قد سبق فعين لهذه المعركة:

"مطرقةً" لتهوى بكلمته المقدسة عليها فتحطمها

كان قد عين "مرقسا" ليزأر فيها فتتوارى

حتى يعود الرب فترتجف ثانيةً ولا يتركها حتى يفنيها بحسب قول إشعياء

 

ومنذ خرجت لهذا العمل رجلاً أسداً يا أبانا

لم تفارقه بعدُ، ليس كمرة الصبا الأولى

بل صرت نافعا للخدمة

نافعا حتى الدم في ميتات كثيرة

 

وفي ميتاتك من أجلنا لخصت ميتات المسيحية في العالم كله

 

تجابه ضدك في مدينة واحدة ووقت واحد

ممثلون لكل أعداء الرب وأعداء صليبه وخلاصه

كان لسلطان الظلمة ممثلون عتاة لكل فروع تلك المملكة الشيطانية

بطول التاريخ كله وسعة المسكونة كلها

اسمح لنا يا أبانا

أن نصف معركة كرازتك من أجلنا

بكلمات قليلة

 

لقد قام ضدك يهود أغبياء الروح يقذفونك بحمم موروث التعصب والغشم وعبادة الحرف

المتراكم لألف وخمسمائة عام قبلك

 

تحالفوا كعادتهم مع سلطان العالم السياسي، وأهاجوا عليك حكاما عتاة لا يعدلون حينما يساورهم الخوف ولو كان وهماً على المنصب والمُلك

 

ووقف بجانبهم ثالثاً، يهزأ بك ويضحك، فلاسفة مُتمسِّحون في حكمة العالم والبشرية العتيقة

 

لقد عاند أولئك الصلاصة كل عمل الرسل في كل مكان، وأما أنت فزادت ضدك جبهة رابعة

إذ خلف الجميع رابعاً تراصّ شعب عريق، وراث للحكمة، ولكن عنيد متعجرف وقد طمست ظلمة الأوثان عيون ذهنه

 

أبصروك فقيرا لا تملك ثمن حذاء جديد

وحيدا بلا نصير من جاه أو نفوذ

بسيطا بلا إعوجاج ولا حذلقة في الكلام

غريبا لا يعرفك أهل البلد وليس فيك ما يستميلهم إليك

 

و أنت امام هؤلاء

وقفت بحزاء متهرئ تزأر كأسد

تزأر كأسد

 

كفاك سلاحا أمام اليهود كلمات الحق الكتابى تفصل بها المكتوب بإستقامة

سمعتها من فم الرب نفسه ومن فم تلاميذه الأسبق منك سنا

 

وكفاك أمام الرومان سلطانا يد مجردة من حديد السيوف ونحاس الدروع

ولكنها ممسكة بصليب من الخشب

 

وكفاك حكمة أمام اليونانيين مدرسة بدأت بسيطة في مدينة الأكاديميات والمكتبات العريقة

تصرخ ويصرخ معك فيها تلاميذك وأبناؤك بالحق الإنجيلى

 

وكفاك أقناعا للشعب المنطمس في الظلمات

حباً خالصاً ورثته من سيدك غَمَرهم فأذاب قلوب المختارين منهم

وجعل منك يا غريب الجنس أباً للكل

 

عملت في مصر ما عملت الكنيسة في العالم كله

وكانت معركتك عندنا من أجلنا أقسى معارك الكنيسة في العالم

- وكل معارك الظلمة ضد كنيسة الرب قاسية -

وكان إنتصارك لذلك من أروع إنتصارات الكنيسة الجامعة

- وكل إنتصارات كنيسة الرب رائعة -

 

أنرت الحرف بالروح

وأخزيت حكمة الأرض بأقنوم الحكمة

وقهرت قوة السيف بقوة الروح

ووقفت أمام كتبة وفلاسفة وملوك شهادة للجميع

 

خرجت لتغلب

وغلبت الجميع

 

عجباً!

كيف قهرت شر أولئك الذين أوصل الشرير بينهم وألصقهم في كتلة ظلام واحدة؟

و ربطهم معا رباط الشيطان

رباط العبادة الوثنية

عبادة الذات وعبودية شهواتها وحكمتها الأرضية الفاشلة!

 

عجب العجب!

كيف آمن بكرازة العفة والطهارة المقبوض عليهم في براثن الدعارة؟

و كيف انسـبـى لحساب المصلوب عبيد الكبرياء والقوة؟

و كيف هرع الطماعون للقناعة والفقر الإختيارى؟

لتولد عما قليل في أحضان كنيسة كرازتك يا أبانا

مدرسة الرهبنة

ويصير من شعب تلمذتك وأبوتك معلمى وآباء المسكونة لفن الرهبنة

 

يالمعجزة المعجزات!

 

نحبك محبة هذا مقدارها يا مدبّرنا الأول

ومبدد الأوثان التى جثمت في أرضنا طويلاً

والتي مهما عاودت الظهور من جيل لآخر نظرنا لمرقس فتجدد رجاء إعادة تبديدها مرّة ومرّات حتى تزول للأبد

والتي مهما حاولت الإظلام فهى عبثا تحتكر نور كرازتك الذى أشرق لكل الأمم ولنا خصّياً

فالنور أضاء في الظلمة والظلمة لا تقدر أن تدركه

 

ثم نحبك ولا نحتكرك

ومهما راودتنا نزعات الطفولة بأنانيّتها وقلنا عن مرقس أنه لنا كأنه ليس لغيرنا

فهل تنتهي إلينا ولا تتعدّى كلمةُ الرب؟

فإن أقوالك بلغت أقطار المسكونة

ألستَ أنت رأساً من أربعة رؤوس النهر الذي يروى جنة الرب الكائنة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها

فأنَّى لغيرتنا مهما جمحت في تأججها أن تحتكرك لنفسها؟

هل يُحتَكَر منبع نهر ؟ وأي نهر؟

 

نعم أنت واحد من هذه الأربعة الرؤوس لنهر الفردوس

وأنا - وإن كنت ثملا بمحبتك - لا أهزى

بل أتكلم بكلام الصدق والصحو

أفلست أنت كاتب الإنجيل الثانى من الأربعة الأناجيل ؟

الذى يرتوى منه كل مسيحيِّى المسكونة ؟

ألستَ  أنت هو الإنجيلى الذى صورت الرب لكنيسته كلها كملك منتصر

كسيد مقتدر في الإفعال

يصنع كل شئ للوقت

ففى ستة عشر فصلاً مُركَّزاً

كرزت لكل الأمم ماذا صنع إبن الله

عندما صار إبنا للإنسان

 

وماذا أيضاً؟

هل تأذن لنا يا أبانا أن نتلذذ بالتأمل في إسمائك الموحية

فأنت يوحنا (يهوة يتحنن)

وأنت أيضا مرقس (المطرقة)

هي أسماء صاغها قلم كاتب ماهر لتدل على مسماها

فمن كرازتك فاض حنان الرب

و بدم شهادتك سقطت مطرقة كلمة الرب على رأس الشَّرّ

 

لتكن صلواتك ساندة لنا نحن أبنائك

وشفاعتك حارسا للكرمة التى غرستها يمينك

وسقاها ينبوع دمك

ونماها الرب الإله

 

هل تأذن لنا يا أبانا أن نسأل مرة أخيرة :

كيف صيرتنا رغما عن كل شئ مسيحيين ؟

وكيف أودعتنا ملكوت الرب الإله وبقوة؟

 

وهل تأذن لنا أن نبحث عن الإجابة في إنجيلك

فنجدها فيما إنفردت بتدوينه عن ملكوت الإله

فى مثل البذار الذى يطلع وينمو

دون أن يعرف أحد كيف!

نعم دون أن يعرف أحد كيف

فنكفُّ من ثم عن الأسئلة

ونهرع إليك كعادتنا بطلب الصلاة من أجلنا

 

أطلب عنا يا أبانا

لتشعل حرارة إيمانك قلوبنا

ويدفع جبروت كرازتك خدمتنا

وتسند صلابة عزيمتك إصرارنا على حفظ الإيمان الأرثوذكسى إلى النفس الأخير

 

ونسلِّم شعلة الإيمان بالثالوث الدى علمتنا إياه

مشتعلة وهّاجة إلى أبنائك الآتين بعدنا

ليحفظوا شركتهم معك،

وما هي شركتك إلا شركة عملك،

وما هو عملك إلا تبديد الأوثان التي لا تزال تعاود تنجيس الأرض التي تطهّرت بدم الرب الذي شهد له دمُك حين استَشهَدَك المجرمون

 

 

كثير يا أبانا وشفيعنا وحبيبنا

لنا كثير نقوله من جهتك يا أبانا

 

لو تكلمنا عنك كما يحق لك

لن تَسَع كلُ كنائسنا الكتبَ المكتوبة

فأين من ثمَّ أضع منك هذه الكلمات؟

فكرتُ في صدرك وقلبك، فقلتُ: كلمات حب في حضن كاروزنا

ولكن "الكاروز" استدعى لذهني موضعاً أنسب لكلماتي المتواضعة

أليس مكتوباً ما أجمل أقدام الكارزين بالإنجيل؟  المبشرين بالسلام، وما الفرق؟

ومن هنا أتقدّم بكلماتي تحت قدميك اللتين أعتقتانا من طريق الضلالة

لتكون كلمات حب عند أقدام كاروزنا

 

 

 

  Written in the fall  of 2003,
  C. Mark !
  



Guest Book    Table of Contents    Site Gate    Reopening Front Page