الأولى .. تعريب اللغة العربية !!

 

جريدة الأخبار

15 مايو 1995

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تي إف للمقال

 

 

منذ بدأت الكتابة في حضن هذه الصفحة الكريمة وما أكتبه يلمس من بعيد أو قريب قضايا التعليم الهندسي دون سبق إصرار أو ترصد.

حذرني صديق مخلص من أن هذا قد يضر بأى مستقبل أطمح إليه في مجال البحث العلمي الهندسي، ومن الأفضل أن أكتب ما يمكن أن أجني من ورائه الخير الكثير.

استقبلت النصيحة جديا ففكرت تارة أن أكتب مشيدا بعبقرية مديري في العمل ،و كفائته في اختيار مرؤسيه ربما أنال ترقية (استحقها بالطبع!).

وتارة أخرى فكرت أن أكتب خطابا للحبيبة الغالية (أقصد بلدي بالطبع) أعبر فيه عن أشواقي المتأججة (تجاه الوطن) كيف أنني أهرع لعملي يوميا متلهفا للقائه .. أقصد لأؤدي واجبي تجاهه من خلال موقعي .. وأنني أتوق للقائه بعد مواعيد العمل الرسمية لأواصل تأملاتي في حسنه يوم كذا في المكان الفلاني ربما أنال ما هو أهم من الترقية.

لكن مقالا مفضوح الهدف كهذا قد يكون آخر ما ينشر لي في الصحف.

أخرجني من حيرتي عما أكتب ما ينادي به البعض مؤخرا بشأن تعريب التعليم الهندسي.

استشعرت خطورة الصمت عن هذا الفكرو تناسيت نصائح الصديق المخلصو عبقرية مديري (وإن كان الوطن الغالي لا يمكن نسيانه بالطبع) فققرت أن أكتب والذي قرره الله سيكون.

***

طالما داعبنا طلاب الطب في الزمان الردئ بانشغال أساتذتهم عنهمو عن مرضاهم في معركة تعريب التعليم الطبي من عدمه ،و طالما أجابونا بابتسامة من يستشرف المستقبل المرير :

لا تشغلوا بالكم بالمرضى فهم المستفيد الأول بانشغال السادة الأطباء عنهم .. أما هذه النزوات التعليمية فهي مرض معد قد يصيبكم غدا.

وها نحن في هذا الغد الأردأ الذي نسمع فيه عن تعريب الهندسة في تجاهل غير مبرر لعقبات فنية كثيرة يصعب عرضها على القارئ غير المتخصص.

ومع هذا يمكننا مناقشة الخطوط العامة بما يسمح للجميع بالمتابعة والحكم.

يطرح دعاة التعريب حجتين لا ثالثة لهما .. حجتهم الأولي هي قضية الهوية التي يظنون أنهم يلوون أذرع خصومهم بها.

الذراع التي تلوى هي الذراع الضعيفة يا حضرات.

إن صدقت النية تجاه الهوية القومية لكان الأولى بكم الدعوة لتعريب تعليم اللغة العربية في المرحلة الإبتدائية .. التعليم الإبتدائيو ليس الهندسي هو ما يصوغ الهوية.

هذه واحدة والأخرى الأهم أن الهوية في هذا العصر يحددها التقدم العلميو ليس

التهريج العلمي.

أما حجتهم الثانية  وهى موضوعية ظاهريا (مقبولة شكلا بلغة القانون) هي إبداء الشفقة على الطلاب لتحملهم عبء الترجمة فوق عبء فهم المادة العلمية.

***

نضرب كفا بكف ثم كفا بوجه ثم نقول أن طلاب الهندسة يحملون أعباء كثيرة ليس من بينها عبء الترجمة.

يحملون عبء الدراسة النظرية البحتة في كلية عملية وعبء الامتحانات التي تقيس القدرة على التسميع في كلية ذهنية .. وعبء الدروس وعبء تصوير الورق إلخ.

أما عبء الترجمة فهو عبء وهمي يؤيدنا في ذلك شاهد من أهلها أكد أن التعريب لن يسبب مشاكل في الإتصال مع الحركة العلمية في الخارج لأن طلابنا أثبتوا قدرتهم على إتقان اللغات الأجنبية في البعثات في أقل من ثلاثة شهور.

لن أسأل عن مصير ال99,999 الذين لن يحظوا ببعثات الخارج .. فقط أنبه أن الشاهد من هذا الكلام هو أن اللغة الأجنبية ليست صعبة في المجال العلمي وهذا كلامهم.

أما السؤال الذي أصر على أن أسأله فهو برئ (كالعادة) : كيف سنترجم المصطلحات مع اختلاف البنيات اللغوية؟ وهل سيترجم كل أستاذ كما يحلو له؟ فيتحول المصطلح الذي (يصطلحون) عليه إلى (مختصم) يختصمون عليه؟

أم ستشكل لجان باجتماعات ومكافآت وبدلات واللي اختشى مات؟

أعلم أن البحر في أحشائه الدر كامن ولم يسائل أحد الغواص عن الصدفات ولكن الذي يبحث عن الصدفات الآن حالم ونحن الآن نعيش عصر العلم لا الحلم.[i]

 

 

 

مهندس: باسل لمعى المطيعى

 

 



[i] رد على هذا المقال رئيس لجنة تعريب التعليم وهو أستاذ دكتور في كلية طب الأزهر وفي الصورة الضوئية المصاحبة كامل صورة هذا المقال والرد وردي على الرد ..