عرّب .. وجرّب[i]

 

جريدة الأخبار

22 يونيو 1995

صورة ضوئية للمقال

المقال نسخة آر تي إف

 

بقلم:

مهندس باسل لمعى المطيعى[ii]

 

لطالما سخرت وأنا قارئ من المساجلات والأخذ والرد والتعقيب .. وها أنا أقع فى المحظور ، وأنا كاتب ..

كنت أردد دائما أنه يكفىتماما المقال والرد عليه ، وعلى القارئ أن يحكم بينهما وما زاد على ذلك فهو إما إعادة لما سبق وإما تحليل نفسى لشخصية الخصم وكشف لدوافعه وإن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا إلخ.

قفزت هذه الصورة لمخيلتى وأنا أقرأ الرد المهذب للأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز على مقالتى المتواضعة التى هاجمت فيها الدعوة لتعريب التعليم الهندسى.

قلت لنفسي: هذا هو الرأى (رأيي) وذاك هو الرأى الآخر (رأى د. عبد العزيز) ، وفيهما ما يكفى ويغنى عن التعقيب ..

و أعترف أن سببا آخر جعلنىأتردد فىكتابة التعقيب وهو أن د. عبد العزيز أستاذ ورئيس قسم فضلا عن رئاسته للجنة التعريب بنقابة الأطباء .. وأنا حديث التخرج ولم أقطع صلتىبعد بالجامعة وما زالت صورة رئيس القسم (أى قسم) يصيبنىبالارتباك ، فما بالكم بالمناقشة والتعقيب؟

***

على أن قانون الازدراء جعلنى أتردد فى الكتابة عن ( .. .. ) وعن ( .. .. )إلخ حتى أننىلم أجد سوى كتابة التعقيب أمامى حيث أن مناقشة رئيس قسم– وما بها من حرج– أهون من التفاهم مع (حضرة الصول النباطشى) وبها ما بها من (ازدراء) ..

وأعدكم يا سادتى القراء ألا أقع فى خطأ تكرار المقال الأول على الأقل لأن المساحة التى يمكننى أن أشغلها بهذا التكرار شغلتها بإدانة من يفعلون ذلك.

لقد ذكر د. عبد العزيز أنه لا ينبغ سوى من يتعلم ويفكر بلغته التىولد فيها ، وضرب لنا مثلا بالأستاذ نجيب محفوظ ، وأضاف أن أحدا آخر طوال القرن الحالى لم ينبغ فىمصر فىشتى مجالات العلوم التىتدرس بلغة أجنبية.

ولنا على هذا (أولا وثانيا) ..

أما أولا فهذا خلط بين الأدب والعلم .. فالأدب مرتبط ارتباطا عضويا بلغة الكتابة لهذا فإن دراسة الأدب الفرنسى لها خصوصيتها عن الأدب الإنجليزى أو الأدب العربى وهكذا .. ولكننا لم نسمع بعد عن فيزياء (أو بالأحرى فيزيقا) يونانية وأخرى لاتينية ..

***

وهناك أقسام فىجامعتنا فىكلية العلوم تدرس اللغة الإنجليزية العلمية ، وهناك كتاب خاص بذلك فى المرحلة الثانوية فالعلم له لغة خاصة به تعتمد على الرموز والمصطلحات ، والتفكير العلمىيعتمد على تصور علاقات منطقية جافة ، وتلعب اللغة كتراكيب ومفردات دورا ثانويا بل ثالثيا فى هذه العملية ، بعكس الأدب الذى يعتمد أكثر ما يعتمد على الإنشاء اللغوى.

وأنا عندما انتقدت فقد انتقدت يالتحديد تعريب التعليم الهندسى ولم أشطح وأطالب بفرنجة دار العلوم أو قسم اللغة العربية بكلية الآداب.

وأما ثانيا (كل اللى فات كان أولا بس) فسأضرب ستة أمثلة لمن نبغوا فى العلوم الطبيعية والطب (تخصص الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز): د. مشرفة ود. الباز ود. زويل ود. على إبراهيم ود. نجيب محفوظ ود. مجدى يعقوب ...

صحيح أن ستة أمثلة نبغوا عالميا مع دراستهم بلغة أجنبية لا تكفى للحكم ولكن د. عبد العزيز ذكر هو الآخر مثلا واحدا فقط وإذا حذفنا نجيب محفوظ من الطرفين (مع خالص حبنا للطبيب والأديب) فإن كفتى ترجح بخمسة أمثلة نوابغ رواسخ.

بقى ما أخذه د. عبد العزيز على مقالتى بما أسماه الدعوة لوأد مشروع التعريب (وأد هذه تذكرنى بإهدار الدم) .. يا سيدى المشروعات الضخمة– ومشروع التعليم فى مصر أحدها– تتبع إحدى سياستين: التوافق – وصياغة الواقع ، ودعاة التعريب يتبنون هذه الأخيرة وهى ما تتطلب للأسف دراسة جدوى تشتمل تفاصيل التفاصيل لما فى تبنى هذه السياسة من مخاطر جمة ، ولا يكفى هنا الارتكان لنظريات عامة أو نظرات خاصة فأين هذه الدراسة؟

النقطة الأخيرة هى الإقرار بأننى مدين للأستاذ الدكتور رئيس القسم برقة وتحضر أسلوبه والتماسه لأوجه الاتفاق بيننا.

مدين له أيضا لأننى كتبت مقالا واحدا فنشر اسمى مرتين (فى المقال والرد) ..

النقطة بعد الأخيرة هى ما أخذه سيادته ولاحظه من أسلوبى الساخر .. يا سيدى هذا الأسلوب حصيلة ثمانى عشرة سنة من القراءة باللغة العربية الفصحى (صدقني) وأنا متمسك به تمسك لجنة التعريب برئاسة سيادتكم لها.

 

 

 



[i]  هذا رد على مقال صورته تسبق صورة هذا المقال في لوحة لصور الضوئيّة المصاحبة ..

 

[ii]  هذا هو المقال الرابع لي على صفحة "الرأي للشعب" وقد فاجأني المشرف بقوله بمجرد ما قرأ العنوان "حلو" ثم في ىخر قراءته للمقال أشر عليه بالنشر فوراً وكتب عليه "صورة" وطلب مني صورة تكون دائمة الظهور مع تالي المقالات!!!