اسمع يا هذا  .. منك له ![i]

 

جريدة الأخبار

16 يوليو 1995

صورة ضوئية للمقال

المقال نسخة آر تي إف

 

بقلم:

باسل لمعى المطيعى[ii]

 

روى لى جدى فيما روى أن المقالات الصحفية على أيامه كانت تفهم بقراءتها ..

و قد رفعت حاااجبى  مندهشا من هذه الأيام العجيبة التى  كان الخبز فيها خاليا من الدعم ومما صنع الحداد ، وكانت المقالات تفهم بالقراءة .. ففى  زمننا هذا أمسى ال(عيش) لا يطاق والمقالات تفهم باشتمام رائحتها وليس بقراءتها ، إذ ليس بمعظمها ما يقرأ .. وبالتأكيد أنا أستثنى  مقالاتى .. فالقراء الفطناء – وحضراتكم فى  المقدمة إذ تقرأون لى  – يكتفون بتقريب المقال لأنوفهم ليتعلافوا هويته .. فهذا تفوح منه رائحة النفط (و القراء الأكثر خبرة يميزون لبن النفط الخليجى  والنفط الفارسي) .. وذاك مقال سلس الفهم إذ تفوح منه رائحة طلاء الحائط مما يدل على وطنية كاتبه ومدى تأييده للحكومة.

و لعل رائحة حذاء حاكم العراق التى  انبعثت من كتابات وأفواه البعض كانت من أوضح الروائح مما لا يحتاج المرء معه لتقريب المقالات لأنفه.

***

وهناك أنواع خبيثة من المقالات لا تكاد تشتم لها رائحة يدبجها بمهارة معارضون متدلهون يغازلون فيها الحكومة بطريقة (بكرة تندم يا جميل) .. والجميل من الذكاء ما يكفى  لتمييز رائحة الوصولية فى  تلك المقالات ، ومن الذكاء أيضا بما يسمح له باختيار أفضل هؤلاء وترك الآخرين ولوعة الهوى تفتك بهم (ويا عينى  على اللى حب ولا طالش).

ألتمس العذر لهؤلاء إذ أنهم لا يأخذون شيئا لأنفسهم (كله للأولاد) وأقدر بشكل خاص أولئك الذين يجلبون العملة الصعبة لبلادنا .. كما لا يجوز لى الإساءة لأى منهم وهم ضيوف أعزاء لدينا فى  مصر ..

على أن صبرى  ينفذ ولا أستطيع التسامح مع من تفوح رائحة البارود من كتاباتهم ويساندون بلا خجل إرهابى  الجنوب دون مراعاة لحرمة وطنهم الثاني.

***

اسمع يا هذا منك له يا أنصار الإرهاب فى  الجنوب والشمال: هل أغيظكم إن قلت أن حكام السودان عنصريون؟ ربما يثلج هذا صدوركم : إذن فهل أمس الجرح إن قلت: إنهم عملاء؟

لا داعى  للغضب فأنا أتكلم عن حكام السودان فحسب.

أتنوحون على الصداقات المصرية السودانية العريضة؟

ما أوهى الحجة : أنا أيضا لى  أصدقاء سودانيون إلا أنهم – دون أصدقائكم - .. سودانيون شرفاء محبون لوطنهم ولأشقائهم ولجيرانهم.

وأصدقائى  أنا تجللهم بشرة سوداء وقورة أما أصدقائكم فيخيل إلى أن سوادهم قناه يخفون به ما بداخلهم من بياض داء البرص ..

أصدقائى  السود ينتمون حقا لأرض السودان فلأى ارض ينتمى  أصدقائكم (البيض)؟

نظام أصدقائكم الترابى  (مع ذكاء الرجل) والبشير (مع ضخامة الرجل) نظام ساقط .. ساقط .. لأنه توكأ منذ البداية على أذرع ضعيفة .. وإن أصررتم على أنه باق .. باق .. فسأوافققكم .. فهو باق للإعادة .. وهى  الفرصة الأخيرة له ، وإلا لكان على جميعكم تحويل المسار والبحث عن  وطن ثالث.[iii]

***

على أن قانون الازدراء جعلنى أتردد فى الكتابة عن ( .. .. ) وعن ( .. .. )إلخ حتى أننىلم أجد سوى كتابة التعقيب أمامى حيث أن مناقشة رئيس قسم– وما بها من حرج– أهون من التفاهم مع (حضرة الصول النباطشى) وبها ما بها من (ازدراء) ..

وأعدكم يا سادتى القراء ألا أقع فى خطأ تكرار المقال الأول على الأقل لأن المساحة التى يمكننى أن أشغلها بهذا التكرار شغلتها بإدانة من يفعلون ذلك.

لقد ذكر د. عبد العزيز أنه لا ينبغ سوى من يتعلم ويفكر بلغته التىولد فيها ، وضرب لنا مثلا بالأستاذ نجيب محفوظ ، وأضاف أن أحدا آخر طوال القرن الحالى لم ينبغ فىمصر فىشتى مجالات العلوم التىتدرس بلغة أجنبية.

ولنا على هذا (أولا وثانيا) ..

أما أولا فهذا خلط بين الأدب والعلم .. فالأدب مرتبط ارتباطا عضويا بلغة الكتابة لهذا فإن دراسة الأدب الفرنسى لها خصوصيتها عن الأدب الإنجليزى أو الأدب العربى وهكذا .. ولكننا لم نسمع بعد عن فيزياء (أو بالأحرى فيزيقا) يونانية وأخرى لاتينية ..

***

وهناك أقسام فىجامعتنا فىكلية العلوم تدرس اللغة الإنجليزية العلمية ، وهناك كتاب خاص بذلك فى المرحلة الثانوية فالعلم له لغة خاصة به تعتمد على الرموز والمصطلحات ، والتفكير العلمىيعتمد على تصور علاقات منطقية جافة ، وتلعب اللغة كتراكيب ومفردات دورا ثانويا بل ثالثيا فى هذه العملية ، بعكس الأدب الذى يعتمد أكثر ما يعتمد على الإنشاء اللغوى.

وأنا عندما انتقدت فقد انتقدت يالتحديد تعريب التعليم الهندسى ولم أشطح وأطالب بفرنجة دار العلوم أو قسم اللغة العربية بكلية الآداب.

وأما ثانيا (كل اللى فات كان أولا بس) فسأضرب ستة أمثلة لمن نبغوا فى العلوم الطبيعية والطب (تخصص الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز): د. مشرفة ود. الباز ود. زويل ود. على إبراهيم ود. نجيب محفوظ ود. مجدى يعقوب ...

صحيح أن ستة أمثلة نبغوا عالميا مع دراستهم بلغة أجنبية لا تكفى للحكم ولكن د. عبد العزيز ذكر هو الآخر مثلا واحدا فقط وإذا حذفنا نجيب محفوظ من الطرفين (مع خالص حبنا للطبيب والأديب) فإن كفتى ترجح بخمسة أمثلة نوابغ رواسخ.

بقى ما أخذه د. عبد العزيز على مقالتى بما أسماه الدعوة لوأد مشروع التعريب (وأد هذه تذكرنى بإهدار الدم) .. يا سيدى المشروعات الضخمة– ومشروع التعليم فى مصر أحدها– تتبع إحدى سياستين: التوافق – وصياغة الواقع ، ودعاة التعريب يتبنون هذه الأخيرة وهى ما تتطلب للأسف دراسة جدوى تشتمل تفاصيل التفاصيل لما فى تبنى هذه السياسة من مخاطر جمة ، ولا يكفى هنا الارتكان لنظريات عامة أو نظرات خاصة فأين هذه الدراسة؟

النقطة الأخيرة هى الإقرار بأننى مدين للأستاذ الدكتور رئيس القسم برقة وتحضر أسلوبه والتماسه لأوجه الاتفاق بيننا.

مدين له أيضا لأننى كتبت مقالا واحدا فنشر اسمى مرتين (فى المقال والرد) ..

النقطة بعد الأخيرة هى ما أخذه سيادته ولاحظه من أسلوبى الساخر .. يا سيدى هذا الأسلوب حصيلة ثمانى عشرة سنة من القراءة باللغة العربية الفصحى (صدقني) وأنا متمسك به تمسك لجنة التعريب برئاسة سيادتكم لها.

 

 

 



[i]  عنوان المقال من اختيار مشرف الصفحة الصحاقى الكبير عبد الوارث الدسوقى، التقطه  من متن المقال وهو يقرأ وقال فوراً بإعجاب ظاهر: "هو دا" .. ولم أعتن بحفظ العنوان الذى ذهبت به ..

 

 [ii] معركة صيغة التوقيع المرحة تفصيلها في ملف التقديم فى فصل خصوصى!!

 

 [iii] شاعت سخرية تسمية الوظن لغير الجديرين به "وطنكم الثانى" العبارة التى تقال للضيوف تكريماً متى قيلت لأبناء الوطن صارت تكديراً .. وعليها بالغت السخرية بنصيحتهم بالبحث على وطن "ثالث" ..