خواطر ساخرة فى مسألة الأمين العام

 

جريدة الأخبار

29 ديسمبر 1996

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تى إف لنص المقال

 

بقلم مهندس

باسل لمعى

 

لأننى لمست أسف البعض ممن حولى على ترك بطرس غالى لمنصبه الدولى الرفيع ولا أنكر لأننى أشاركهم أسفهم فإننى أقترح كلون من التسلية أن ننظر إلى الجوانب الطريفة من القصة.

وطرافة القصة بدأت مبكرا فمنذ عدة أعوام كنت أقرأ رواية إنجليزية اسمها "حدث ضخم جدا" الرواية ألفها رئيس البعثة البريطانية الدبلوماسية لحلف الناتو. وهو فى الرواية يتندر على زملائه الدبلوماسيين القياديين فى الحلف ويصورهم مجتمعين حول إفطار عمل لمناقشة التدبيرات اللازمة لغداء العمل .. ويحتدون فى مناقشة قائمة الطعام ويأخذون الأصوات على " السلاطات " المقترحة بينما ينتظر الصحفيون القرارات "الساخنة " التى يتم طبخها فى الداخل.

وأبان قراءتى للرواية كان بطرس غالى حديث العهد بمنصبه فكنت أرثى لحاله وأنا أتصوره فى مثل هذه الأجواء حيث الملل القاتل ، حتى أننى فكرت فى إرسال نسخة من الرواية له لتسليته فى أوقات فراغه بين موائد إفطار العمل وموائد غداء العمل..

ولكن الدكتور الأمين العام كان أشطر منى .. فبدلا من ضياع وقت (العالم) فى القراءة فقد كان منهمكا فى الكتابة حتى أنه قبل أن يسلم المنصب لخلفه كان قد فرغ من كتابين وفرغ من الاتفاق مع الناشرين..

***

وتعجبوا معى على حال الدنيا فأنا لا أجد وقتا لكتابة مقال كهذا رغم أننى لا أعول إلا نفسي. ورجل الشارع الذى يعول ثلاثة عيال وأمهم لا يجد وقتا لقراءة المقال الذى لا أجد وقتا لكتابته.. أما الذى يجرى على مائة وخمسة وثمانين عيل أو دولة لا فرق فإنه يجد الوقت لتأليف الكتب ونشرها .. حظوظ.

و أطرف من حال الأمين السابق حال الأمين القادم الذى وضعنى ككاتب فى مأزق.

كنت قد قلت فى مقال سابق لي: "إذا سألنى أحد عن توقعى لنجاح غالى من عدمه أنه نجح فى وضع خلفه فى مأزق" .. وقصدت بذلك أن موقف غالى غير المسبوق من الولايات المتحدة سيجعل خلفه حساسا لأى موقف يبدو منه رجل الأمركيين كما يجب أن يكون صاحب هذا المنصب فى ظل النظام الجديد..

و لكن الرجل خذلنى وأقر بمنتهى التلقائية لمجلة "جين أفريك" كما نشرت صفحتين، أنه رجل الأمريكيين وأنه "حلو" معاهم والذى لا يعجب غالى يعجب غيره وكل فولة أمريكانى ولها أمين عام أمم متحدة .. الراجل فاهم الدنيا صح وسيعمر فى المنصب وكله مكسب لإفريقيا التى ستحظى بثلاث ولايات متتالية..

***

صحيح أن السيد كوفى عنان صرح بأنه سيكتفى بولاية واحدة  ولكن كلهم (بيقولوا كده فى الأول).. وبطرس غالى فى منتصف ولايته أعلن عن رغبته فى إعادة ترشيح نفسه وقال أن الغبى فقط هو الذى لا يغير رأيه.. والأمين العام القادم ليس غبيا على الإطلاق وسيغير رأيه على الإطلاق وسيغير رأيه فى الوقت المناسب..

أما أطرف ما فى القصة فهو موقف فرنسا التى هى مثل العصا .. يمكنك أن تهوش بها عدوك ولكن إياك أن تتكئ عليها .. لأن العصا تثقب يد من يتكئ عليها.. أخشى أن أظلم غالى إن قلت أنه كان رجل فرنسا ولكن ما لا شك فيه أن فرنسا كانت تحاول تصويره بهذا الشكل ولكنها انكشفت أمام أمريكا..

***

و هذا حوار طبق الأصل:

فرنسا: أنا قلت غالى يعنى غالي.

أمريكا: وأنا قلت غالى لأ.. مفهوم؟

فرنسا: طب الأمين الجديد يكون من دولة فرانكفونية..

أمريكا: الأمين الجديد سنختاره على مزاجنا بدون شروط.. مفهوم؟

فرنسا: حيث كده.. إذا الأمين الجديد لم يكن غالى أو على القل من دولة فرانكفونية.. يبقى حتى يقرأ جزءا من خطابه بالفرنساوى.. ححتة صغيرة علشان خاطرنا..

أمريكا: آه.. كده معلهش.. يبقى يقرا له حته فرنساوى زى بعضه

الشئ الجد الذى لا يفوتنى أن أسجله فى هذا المقام هو تحيتى الصادقة لغالى الذى وضع غطرسة الرجل الأبيض فى ورطة عندما أجبره على أن يختار بينه وبين أول أمين عام للأمم المتحدة فى أفريقيا السوداء.. دون أن يترك له خيارا ثالثا..

أهنئ بحب السيد كوفى عنان الأمين عام السابع الأفريقى الأسود خريج ال(إم.أى.تى).. وأقول له: لقد كنت أرغب فى أن أرسل لسلفك روايه "حدث ضخم جدا" .. وأنا الآن أكثر رغبة يا سيدى فى أن أرسل لك رواية "جذور".