ثرثرة .. مع القارئ

 

جريدة الأخبار

31 مارس 1997

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تى إف لنص المقال

 

بقلم مهندس :

باسل لمعى

 

الحبيب القارئ و"الحبيبة القارئة" أوحشانى كثيرا .. لم أكن أدرى عظيم رصيد المحبة الذى أكنه للقارئ.. ولم أكن أشعر بفضل هذه الصفحة الوطنية الكريمة لأن هم كتابة المقالات ومناثشة القضايا التى أتناولها بالكتابة وهم القلق من كيفية استقبال القارئ لها.. أقول كل هذه الهموم كانت تخفى عنى عمق مشاعرى تجاه صفحتى وقرائها.

يقول الغربيون: أن الإنسان يحتاج أن يخرج من بين أشجار الغابة حتى يرى الغابة نفسها ، وعندما أخذنى عملى بعيدا عن الكتابة لما يزيد على ثلاثة شهور رأيت بوضوح غابة مشاعرى ومحبتى للقارئ ولصفحة الرأى للشعب.

و كنت أسلى غيبتى عن القارئ بالمقارنة بين عملى فى كتابة برامج الكمبيوتر وهوايتى فى كتابة المقالات.

كتابة البرامج عمل جاف يخلو من المشاعر.. فالكاتب مبرمج يكتب سلسلة من الأوامر للكمبيوتر .. والقارئ آلة تطيع هذه الأوامر دون مناقشة .. بينما تفيض كتابة المقالات بالمشاعر..

مشاعر الكاتب وهو يتخيل حال العالم بعد 100 سنة حيث يتسابق الجميع لوضع نظرياته موضع التطبيق.

ومشاعر القارئ وهو يتخيل شكل العالم أيضا بعد أن يرحل كتاب زمانه.

ثم مشاعر الناشر وهو يشد شعره عندما يأتيه الكاتب بما اقترفه من مقالات.

جهاز الكمبيوتر لا يمكن التحايل عليه وهو إذا غضب من أحد الأوامر فإنه يضرب عن التنفيذ دون مناقشة ودون إبداء الأسباب ، وعلى الكاتب – أقصد المبرمج – أن يدرك الأسباب بنفسه.. يفحص الجهاز.. يعيد كتابة الأوامر.. يطلب دعاء الوالدين .. إلى أن يهتدى للحل وغالبا ما يكون الحل أحد أمرين:

أن يطفئ جهاز الكمبيوتر فيفاجئه الجهاز بالعمل ويبقى سر إضرابه السابق مدفونا للأبد داخل أسلاكه.

الحل الثانى أن يذكره زميا له إن كان متعمدا أن يجرى تجاربه قبل أن يثبت فيشة الجهاز فى الكبس..

***

القارئ البشرى على العكس تماما فإنه غالبا ما لا يقبل المقالات دون مناقشة ، ولا يصمت تجاه ما لا يرضيه، فإذا ما لم يتمكن من الرد فى الجريدة فإنه يرد فى رسالة بريدية للكاتب موضحا فيها رأيه فى المقال والكاتب وأهل الكاتب.

ربما كان أهم الفوارق أن كاتب البرامج نتنهى معاناته بانتهائه من الكتابة.. بينما تبدأ معاناة كاتب المقالات بعد الكتابة.. فإن كان يكتب ضد الفساد فليتوقع التشهير به ، وإن كان يكتب ضد الإرهاب فيتوقع التمثيل به.

أما إن كان يكتب فى السياسة.. وكان من بين قرائه بعض السادة المخبرين من موضة ما فبل الديمقراطية فهو محظوظ بين الكتاب لأن قراءه مخلصون سيسعون للقائم والتحقيق- أقصد الحوار– معه.. وإن أعجبتهم آراؤه فقد يحتفظون به بعض الوقت. يرى القارئ إذن أن متعة وإثارة رهيبة الكتابة إليه لا تداينها مهنة أخرى.. وأن الكاتب مثل العاشق يتحسر إن فاته من أمر محبوبه شئ.

وأنا تحسرت كثيرا على ما فاتنى من قضايا فى الفترة الماضية.. عبادة الشيطان مثلا.. وددت أن أشير إلى أنها أمر متوقع فسنة الحياة هى التطور.. فإذا تفشت بين الأجيال الماضية عبودية الشيطان فيجب أن نجهز أنفسنا لاستقبال جيل عبادة الشيطان، وإذا كان الكبير عبدا للشيطان فالصغير – وهو متطرف بحكم سنه – سيذهب لآخر الشوط ويصير عابدا له.

المحزن أن يظهر هذا التطور فى مجتمعنا الذى يقاوم التطور.

قضية الإرهاب فاتنى الكلام عنها.. لم تعد تسمية ما يحدث بالإرهاب تسمية دقيقة.. أعد القارئ بالبحث عن تسمية أصح.

ثم قضية كوبنهاجن التى يربى طرفا الخصام فيها على (خير) القضية.. ويبدو لأنهم يعيدون توزيع الأدوار والنشالون يفعلونها فيتظاهرون بالتشاجر والداخل بينهم منشول منشول..

***

قضية البنوك التى أثارتها "أخبار اليوم" أثارت شهيتى لتصوير الموضوع ببساطة للمواطن البسيط.

أتساءل: كيف نجح البعض فى تصوير الغلبان الذى يودع بضعة ألوف فى البنك على أنه المرابى الجشع الذى تحارب الأديان طمعه فى فوائد أمواله من دم الضحايا.

و هذا يقودنا بالضرورة لتصور البنك على أنه الضحية المسكين المضطر لاستدانة أموال المودعين المرابين ليفك ضيقته!!

أسأل المواطن البسيط ببساطة: لماذا يكون من الحلال أن يؤجر الانسان ممتلكاته – أو حتى دراجة لو كان عجلاتيا .. ويضمن بهذا عائدا ثابتا دون أن يعمل هو بنفسه.. ثم يكون من الحرام ان يؤجر أمواله التى لا يعرف كيف يستثمرها وسط الحيتان والديناصورات.

و من المتفق عليه أن المستأجر يتعهد بعودة ما استأجره بحالته الأصلية دون تلفيات، فلماذا نستكثر على المودعين بضعة آلاف أن يضمنوا أموالهم دون أن يفاجأوا يوما بمدير البنك يقول لهم: سورى يا عبده.. البنك خسر.. قسمة الغرماء يا حبيبي..

هل رأيتم عقوبة الكاتب الذى يتأخر فى الكتابة.. عليه أن يكتب أشياء كثيرة فى مقال واحد.. بعد أن كان يكتب شيئا واحدا فى مقالات كثيرة .. أوحشتمونى جدا وبشدة.