قابلنى.. فى مباراة اعتزاله!![i]

 

جريدة الأخبار

6 يوليو 1997

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تي إف لنص المقال

 

بقلم مهندس :

باسل لمعى

 

رغم أننى لا أود الكتابة فى أمور مثل الكرة من باب الترفع عن الكتابة فى توافه الأمور (رأيى  وأنا حر فيه) ..  ورغم أننى أرى أمورا كثيرا جادة تستحق أن تشغل صفحات الجرائد المشغولة باللاعبين  والممثلين .. إلا أن "عملة" السيد إبراهيم حسن السوداء التى عملها فى وجه الملايين من حضراتكم جعلتنى شغوفا بتتبع أخبار الوسط الذى أفرز سيادته حتى أفهم كيف وصلت الأمور لهذه الحالة.

فخطورة الأمر تتمثل فى أن سيادته شخصية عامة تؤثر فى النشء من أبنائنا شاء أم أبى  وشئنا أم أبينا .. فالنشأ يتشكل حسب مثله الأعلى بنفس سهولة تشكيل عجينة الفطير المشلتت فى يد جدتى رحمها الله  ورحم أيامها ..

والمثل الأعلى عادة -  وبالأخص فى بلدنا- لا يكون عالما أو كاتبا أو حتى سياسيا،  وإنما ممثل أو لاعب كرة من صنف السيد صاحب "العملة السوداء" ..  وسواء لقى هذا الوضع ترحيبنا أم لم يلاق فإن الواقع يفرض مسئولية ضخمة على هؤلاء (المثل العليا) ..  ويفرض على المجتمع من ناحية أخرى مسئولية رقابة هؤلاء المثل الذين يشكلون ذوق رجال المستقبل شئنا أم أبينا إلى حين يرحمنا الله عندما نرحم أنفسنا  وتتغير فينا معايير المثل العليا ..

 

ولأن علاقتى بالكرة مثل علاقة السيد المذكور بالأخلاق الحميدة فقد اضطررت للاستعانة بصديق خبير بدقائق مجال الكرة فى مصر[ii] منذ أخفق المنتخب فى الصعود للدور الثانى سنة 90 على يد الجوهرى حتى إخفاقه فى التأهل من أصله على يد الجوهرى أيضا، مرورا بسبعة مدربين أخفقوا جميعا باستثناء محسن صالح الذى خالف القاعدة  ونجح فتم تأديبه بتخفيض درجته من مدير فنى إلى مساعد مدير فني..

وهذه المعلومات للصديق الذى اشترط على كتابتها حتى يفتح أرشيفه لى ..  وما أن انتهى من بث هذه المعلومات فى نفس واحد حتى سألني:

  - ها .. ماذا تريد أن تعرف عن الكرة؟ ..

  -- ماذا فى أرشيفك يا ترى عن إبراهيم حسن؟ ..

  - سيبك من قلة الأدب  واكتب عن رانيا علوانى أحسن ..

  --  وماذا أكتب عنها؟ ..

  - حى موقفها المشرف  وغيرتها على عزف السلام الوطنى الصحيح لبلدها .. اكتب عمن يشرف بلده  وليس عمن يجرسها.

  -- وماله .. أكتب هذه  ولا اتجاهل تلك .. أضع القبح بجانب الجمال حتى يظهر القبح أنه قبيح جدا .. فماذا لديك إذن عمن جرس بلده؟ ..

  - دعنا نكن صرحاء .. لا شأن لى بمنظر البلد بينما منظرى أنا يرثى له أمام شقيقى الصغير الذى يسألنى عن تفسير ما عمله الكابتن  وهو يقلده سعيدا.. لماذا لا يشطبونه تماما  ونستريح .. إنها ليست المرة الأولى.

  -- إذا كانت ليست المرة الأولى كما تقول فأنا أقول لك لماذا لا يشطبونه! ربما أعجبهم هذا منه فى المرة الأولى فأبقوا عليه طلبا فى المزيد.

  - إذا كان الأمر كذلك فليحتفظوا به معهم ليفعل ما يحلو له  ولهم بعيدا عن حياة الأسر المصرية .. هذا بخلاف سوابق من أنواع أخرى .. مرة نسب أهدافه لتوأمه حتى يحوز لقب الهداف..

  -- هذه أخلاق لاعبى الثلاث ورقات  وليس رياضة تحض على المنافسة الشريفة..  ولكن كيف جاز هذا الخداع؟ .. أين الحكم؟ .. أين الجماهير؟..

  - (صمت) ..

  -- لماذا تصمت؟

  -  وماذا أقول؟.. لقد رأيت بنفسك رد الكابتن على الحكم  والجماهير..

  -- (هذه المرة الصمت من جانبي)..

  -  ومرة أخرى ضرب زميلا له فى المنتخب..

  -- هكذا بمنتهى البساطة ..  وما موقف المدرب؟

  - لقد ضربه..

  -- أنا لا أوافق على هذا .. كان على المدرب أن يتخذ إجراء قانونيا لا أن يضربه بالمثل ..

  - من ضرب من؟ (صديقى يتهكم).. اللاعب هو الذى ضرب مدربه .. ذهب إليه فى بيته ثم تعدى عليه..

  --  ولم يشطب مع هذا؟

  - لا .. فقط ستة أشهر..

  -- سجن؟

  - لا .. إيقاف..

  -- كان يجب رفع اسمه نهائيا من كشوف اللاعبين (قلتها محتدا)..

  - لا يا سيدي.. النظام هنا إيقاف الكباتن  وليس رفعهم.

  -- لا أرى مبررا لعدم الشطب..

  -  ولكنه ساق عذرا مخففا .. قال أنه ذهب للمدرب أصلا بهدف الاعتذار له قبل أن تتطور الأمور ..

  --يعتذر له؟.. عن ماذا؟..

  - عن أنه سيضربه.. ها ها ها ..

  -- ما تقوله نكتة حقا..  ولكنها مريرة.. إذن فلدى سيادته حق أن يصف "عملته السوداء" بأنها علامة النصر .. فالقبح ينتصر على الجمال..

  -  ولا يهمك.. لقد تم الاستغناء الدولى عنه..

  -- لا يكفي.. هل نحن نفاصل فى قيمة الحياء  والجمال.. يجب شطبه فورا..

  - بالراحة يا عم.. سيعتزل قريبا ..

  -- لا.. الاعتزال يعنى تكريمه.. يجب شطبه من ناديه الذى يرفع رئيسه لواء الأخلاق  والمبادئ..

  - ماذا.. هل تريد ذبحه؟

  -- لا.. شطبه فقط.. حتى تختفى أخباره المقرفة  والمخجلة عن أعين أبنائنا ..  وحتى نرفع فى وجه القبح علامة النصر الحقيقية ..

  - ابقى قابلني..[iii]

  -- أين؟ ..

  - فى مباراة اعتزاله.

 

 



 [i] العنوان بانتقاء الصحافى الكبير عبد الوارث الدسوقى المشرف على الصفحة من نص المقال..

 

[ii]  الصديق حقيقى والحوار حقيقى مع إضفاء أسلوبى على صياغته كما سبقت وأضفيت أسلوبى على سياقته وقت وقوعه..

 

[iii]  صدق تقديرى ولم يعتزل أى من التوأم.