شكرا.. للكونجرس الأمريكى[i]

 

جريدة الأخبار

15 مايو 1998

صورة ضوئية للمقال

المقال نسخة آر تي إف

 

بقلم مهندس:

باسل لمعى

نعم.. أنا أعني العنوان تماما..

شكرا للكونجرس الأمريكي لأسباب كثيرة.

شكرا له لأنه هيأ الفرصة للأقباط وللكنيسة المصرية لإظهار وعيهم الوطني كأجلى وأوضح ما يكون..

وشكرا له لأنه هيأ نفس الفرصة للمسلمين وللأزهر لإظهار استنارتهم في معنى الوطنية ردا على اتهامات الكونجرس..

وشكرا له لأنه أعطى الفرصة لمصر كلها أن تتمتع بمباراة في الوطنية بين الكتاب المسلمين والأقباط.. وأن تسعد بالفهم الديني الراقي لمعنى الوطنية من رئاساتها وقياداتها الدينية وخير من يمثلهم فضيلة الشيخ طنطاوي وقداسة البابا شنودة.

***

شكرا له مرة أخرى لأنه ذكرنا بأن مصر كانت من الدول الرائدة في التمتع بمفهوم الوطنية الحديث.. وأنها رفعت شعار "الدين لله والوطن للجميع" في أوائل هذا القرن وأنها تمتعت بالتطبيق العملى لهذا الشعار، حتى أن غاندي العظيم طلب من سعد زغلول العظيم[ii] أن يلقنه دروسا في الوحدة الوطنية يستفيد بها في بلاده.

***

و شكرا له مرة أخيرة لأن الحملة الوطنية العارمة التي جابهت إجراءاته أجبرت دعاة الفتنة في بلادنا – وهم موجودون إذا أردنا ألا ندفن رؤسنا في الرمال – أقول أن هؤلاء أجبروا على أحد موقفين.. إما الاختباء والتواري، وإما المزايدة على وطنية الوطنيين الصادقين.. ونحن نقبل منهم الاختباء ونقبل منهم المزايدة ولكننا لا نقبل منهم أبدا الافصاح عن وجه الفتنة القبيح.

***

وشكرا له للمرة بعد الأخيرة لأننا إذا تذكرنا بأن مشاكلنا لا نقبل أن يحلها لنا الآخرون وأننا قادرون على حلها بأنفسنا فإننا تذكرنا في نفس الوقت بأن لدينا مشاكل حان وقت حلها.

***

نعم شكرا للكونجرس الأمريكي وعذرا له في نفس الوقت لأننا - أهل مصر أعني – لا نقبل اللعب على أوتار الطائفية بيننا سواء بدعوى بغيضة مثل دعاوي الاحتلال القديمة من قبيل فرق تسد.. أو حتى بدعوى نبيلة مثل حقوق الإنسان!!

والذي يرعى حقوق الإنسان لن يعدم وسائل إنسانية كثيرة غير التهديد بقطع المعونات!![iii]

 

 

 



 [i] ليس فى العنوان سخرية قط، فلا يليق ولا يجوز ولا يمكن أن يجرى الاضطهاد بأى درجة كانت ويكون جزاء من يدينه أن يوضَع محل سخرية.. واضح حرص لغة المقال على إظهار صدق الشكر فى العنوان!
وأما بناء المقال فكان أن يأخذ من الموقف الوطنى من دعم الحل الداخلى لا فتح الباب لتدخل خارجى أخذتمن هذا الموقف أساسا لرصد كل المشاكل وإخزاء من يحاول إنكارها او التخفيف منها.. كانت فكرة المقال هى مد الفرصة للحل الداخلى الذى دائماً ما أؤمن به سياسيا ليس للتعفف من طلب المساعدة حين تزيد الأمور فوق الاحتمال، ولكن لأن نادراً ما تأتى المساعدة للمضطهدين بقدر المطلوب، وإنما جميع القوى الكبرى تتخذ من المشاكل الداخلية فرصة لإرضاء مصالحها وتزيد المشاكل بسوء إدارتها لأمور الغير.. وكانت هذه السياسة هى أحكم الملائم لحال درجة الاضطهاد وقتها.. كان الاضطهاد الذى حرصت على عدم إنكاره فى وقت الكتابة اضطهاداً ليس بالقانون ولا بالتوجيهات، وإنما كنتيجة لضعف الحكومة وتخاذلها من ثم أمام القوى المتطرفة خوفاً من القوى الإرهابية وتلك كانت موازنة الحكومة التى كنت أنسج المقال حول التبنبيه لها من وجهتين: أننا لا ننكر حدة المشاكل، واننا لن نتركها ونكتفي بمجرد الوعى بها..

فيما بعد وقت تجهيزى المقال للتحميل كانت الأمور قد اجتازت مراحل متطورة، من التحرش بكرامة الأسرة المسيحية تارة ثم حوادث الخطف التى اندلعت فوق المعتاد بكثافة ملحوظة تارة وهكذا حتى وصول الإخوان المظلمين للحكم بالفعل، لتنتهى كل تلك المآسى لنهاية احسبها سعيدة.. ولا أجامل مقالى ولكن ماودة قراءتهبالنظر لظروف زمنه ثم ما انتهى إليه زمان عرضه الآن يظهر أنه كان ينشد البدء في الإجراءات التى ليس خطأ المقال أنها بدأت بعد كتابته بسنوات!!

على كل حال فعلتُ ما علىّ وقتها ولخصت كل شرح للعنوان فى العبارة الأخيرة الخاتمة الصافعة لضمائر الفاهمين والمثبة لموقف دقيق يجمع بين قوة وصراحة المعنى وحكمة وهدوء المبنى!!

 

[ii]  لم أنس مقال سعد .. أو التعسة !! قبله بسنتين الى فيه شرحت توظيفى لدلالة اسم سعد زغلول لا تاريخه الشخصى، وكل شئ يتم رده مضاعفاً فى وقته.. فى وقت هذا المقال ما كان ممكناً الاعتراض أو حذف الاسم الذى كنت أفرضه لأخذ حق المعنى وحق المقال السابق حجبه لا حق شخص سعد زغلول الذى لا أنتمى لحزبه ولا يخلو عموم منهجه من تحفظاتى وانتقاداتى.. عن المنهج الوظنى النافع للمجتمع والمصلح لحاله أتكلم لا عن انحيازات حزبية ولا شخصية، وعن هذا وحده ألزمتهم بابتلاع ذكر اسم سعد زغلول J

 

[iii]  هذه العبارة الخاتمة بلورت كل ما سبق عرضه فى المقال وشرحتُه فى الفوتنوت الأولى.. ها هنا أميز عمل الكونجرس عن اتهامه بسياسة فرق تسد التى يستسهل بعض غير المطبلين تكرارها، ثم أنوه أن المطلوب حلول نبيلة فى اتهام واضح بأن حال الاضطهاد الجارى ينقصه النبل مهما كانت أسبابه أو طبيعته.. ما كانت هذه العبارة الخاتمة لتجوز للنشر للذوعتها لولا أننى كنت أحوذط لها من بداية المقال!!