الشكر.. قبل التهنئة[i]

 

جريدة الأخبار

11 أكتوبر 1999

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تي إف للمقال

 

بقلم مهندس:

 باسل لمعى

 

يمكن لكاتب أن تفوته مناسبة قدوم وزارة جديدة لتقديم مشورته المجانية  ونصائحه  ورؤيته النافذة لمجريات الأمور..

و لا يمكن لكاتب ذكي أن تفوته هذه المناسبة لتقديم تهنئته الحارة  ووضع نفسه رهن الخدم المجانية  والإشارة،  ولكن لا يمكن لكاتب شريف أن يخاطب الوزارة الجديدة قبل أن يقدم الشكر للوزارة القديمة..

و الشكر الذي أتكلم عنه شكر موضوعي مبني على مجهود حقيقي تم بذله..  وليس شكرا روتينيا فاترا "قلته أحسن"!

فنحن للأسف نعيش ثقافة "اللي فات مات"  و"اللي جاى ما فيش أحسن منه"..  وهى ثقافة ترحيب بالجديد في الظاهر  ولكنها في جوهرها أشد أعداء الجديد ضراوة.. فالجديد سيصبح يوما ما قديما  والحالي سيصبح سابقا  وطالما الأمر كذلك فإن استقبال الجديد بتجاهل القديم يعني أننا نقول للجديد سنتجاهلك ذات يوم فأسرع بالانتقام المسبق لنفسك  وأنت في المنصب أو اغتنم الفرصة بالحصول على أكبر قدر من النفاق قبل فوات الأوان، أو لا داعي لبذل مجهود لن تشكر عليه أو أى شئ إلا أن تخلص في عملك.. هذه هى الرسالة التي نوجهها للجديد – أى جديد – بتقاليدنا العريقة في معاملة القديم..

و لهذا فقد كان لفتة طيبة من الرئيس مبارك عندما طلب منم الدكتور عاطف عبيد أن يزور الوزيرين السابقين المهندس سليمان متولي  والمهندس ماهر أباظة في منزليهما في إشارة إنسانية للجدد بأن الخدمة الطويلة لا تنتهي بعلقة أبدا كما تقول أمثالنا العريقة!!

***

أعود لأقول أنني ككاتب شريف  والحمد لله أجدني ملتزما بتقديم شكر موضوعي  وصادق للدكتور كمال الجنزوري..

شكرا له على سمعته التي دخل بها الوزارة  وخرج بها كما هى نظيفة مشرفة..

و شكرا له على التزامه القوي بواجبه،  ولعل في التزام الجل بالحضور في الثامنة صباحا  والانصراف في الثالثة ظهرا ما يدل على شعوره بأنه  وإن كان رئيس الحكومة فهو الموظف الأول في مصر  وعليه من ثم واجبات وظيفية أولها أن يكون متواجدا في مكتبه في أوقات العمل الرسمية..

و شكرا له على شخصيته القوية  ومعرفته لقدر نفسه..  والذي لا يعرف قدر نفسه لا يعرف قدر مسئولياته..  وكان الرجل على قدر المسئولية لا سيما في مواجهته مع بعض العناصر المعروفة التي لا يعيبه إطلاقا شماتتهم المعلنة في خروجه  وأحيانا ما يزداد الإنسان شرفا بعداوة البعض..

شكرا له على نزاهته في زمن المال الذي يشكر فيه المسئول على نزاهته..

و شكرا له على أمانته في زمن يشكر فيه المسئول على أداء واجبه..

و شكرا له على تحمل مسئولية ما فوق ال60 مليونا لأكثر من ثلاث سنوات  ونصف لا سيما  ونحن شعب مشاكله كثيرة  ولا يعجبه العجب..

أما ما يقال عن سطوته  وجمعه لمقاليد الأمور في يده فهذه قضية نظريات في الإدارة ليس بها صواب أو خطأ،  وإنما ينبغي أن تقيم في ضوء طبيعة شخصية قائد العمل  وطبيعة شخصيات فريق العمل المعاون له  وطبيعة العمل المطلوب  والعبرة هنا تكون بنتائج العمل  وليس بأسلوب الإدارة  وقد كان مجمل أداء الوزارة جيدا من وجهة نظر رجل الشارع..

و ربما يؤخذ على هذا الاسلوب إداريا عدم مراعاته لردود فعل البعض  والتي ساهمت في تقديري في أزمة الدولار الشهيرة  وكان ما كان..

و حتى يكون الشكر صادقا  وله قيمة فهو لا يخلو من عتاب ففي عهد إدارته تم دخول بعض الصحفيين الحبس  والتحقيق مع بعضهم..  ومهما كانت المبررات فالمبدأ نفسه مرفوض  وجرائم النشر – مع تحفظي على التعبير – ينبغي أن يكون لها تشريع راق يتفهم طبيعة عمل الكاتب  والصحفي فلا يرحمه إن أخطأ  ولكن لا يضع رقبته تحت سيف مصلط لا يعرف متى يهوى على رقبته..

و ليكن هذا هو أول مطلب أتقدم به للدكتور عاطف عبيد ليحل هذه القضية في هدوء تحتاجه قضية لها هذه الحساسية  ويتمتع هو بنصيب كبير منه..

عتاب آخر أسوقه برقة لمعرفتي بشبه حتمية  وصعوبة علاجه في الظروف التي دخل فيها الرجل للوزارة.. فقد كان واضحا أن هناك شبه فريقين في الوزارة السابقة.. فريق مع  وفريق ضد..  والأمل كبير مع تغير الظروف  وبعض الوجوه  وتصنيف العمل الوزاري لست مجموعات عمل متكاملة أن تختفي هذه المشكلة..

عموما مبروك للدكتور كمال الجنزوري رفع عبء خدمة أكثر من 60 مليون مصري  ومبروك للدكتور عاطف عبيد شرف تكليفه بهذا العبء.

و طالما قبل الرجل تكليف الرئيس مبارك له بخدمة هذه الملايين فينبغي أن يتقبل  ويقبل "قرف" البعض الذي لا يعجبه العجب  وفي مقدمتهم أمثالي من الكتاب.

 

 

 



[i]  تمت إقالة رئيس الوزراء لدوافع تخلو من النزاهة وبطريقة مهينة وبغير تقديم شكر رسمى له، وتم منع أى كلمة لمدح رئيس الوزراء المُقال فكان مقالى هذا عجبة كل الجرائد وقتها إذ هو الوحيد من نوعه فى كل جرائد البلد الذى ذكر اسم رئيس الوزراء المُقال أصلاً فضلاً عن شكره وتعديد مزاياه، وصدّره مشرف الصفحة ببراعة وحنكة صحفية..