+

About

Coptic Youth for Holy Book (CY4HB)

Mission

 

عن رسالة

 الشبيبة القبطية للكتاب المقدس

_________
_______
___

 

 




     هذه الرسالة About

     متاعب ومكاسب Pain and Gain

     حامل الرسالة About Courier

     بدايات التشكُّل Tales of Formation

     أساليب الكتابة والمنبر Prose and Rhetoric Characteristic

     إقرار بالقصد Mission Statement

 

      ||الصفحة لا تزال مُجرَّد تخطيط تحت الإنشاء||

 

     هذا الملفّ يحوي تفاصيل ذكريات وتواريخ، وليس ملفّ تقديم بالطريقة المألوفة..

     اقرأ تقديماً اعتيادياً بالإنجليزية من ملف تذكاري قديم لحين تحديثه..

 

 

___

_______

_________

     هذه الرسالة بأجملها،  أُعِدَّت وكُتِبَت وقُدِّمَت ، ولا تزال،  في وقت مناسب وغير مناسب.. وغالباَ غير مناسب.. في برد وحر.. في راحة قليلة ومرض كثير.. في قلق واطمئنان .. في تغيُّر لغة..  في تغيُّر مكان.. في وقت قليل جداً أُتيح بين عواصف أوقات طويلة ثقيلة.. بين مسئوليات تلتهم الوقت وأوجاع تحنق الجسد.. في غربة دائمة.. استيطان غربة..  سافَرَتْ وعَبَرَتْ محيطات وقارات.. نُقِلَت مرَّات عبر أسلاك وفي طائرات وقطارات.. ضاعت مراراً كثيرة كأنها بلا فرصة للعودة وبعد جهد لا فرصة لتكراره، لتعود كنسخة احتياطية حفظتها أُخت وأرسلتها في حينه من بلاد بعيدة، أو على موقع مهجور خُزِّنَت عليه بعض المقالات دون حساب، أو على جهاز قديم فُقِدَ الأمل في عودته للعمل فعاد ليحمل خير الزمن الفائت.. كُتِبَت بالجملة في حالة نعمة سرية فائقة هي التفسير الوحيد لبقاء هذه الرسالة مُسَجَّلة ولا تزال تنمو وتُسَجَّل..

 

 

     متاعب ومكاسب

 

     لكي تتصور أول وأتعب متاعبي، تصور ساحة واسعة غير ممهدة، لها باب ضيق، وملأى بشبان في عنفوانهم يتزاحمون بلا نظام للخروج من الباب.. سيخرج كل واحد بعد صراع وتخبيط وتخبط، ولو تمتع بالحظ ليخرج سليماً، فسيكون منظره مفسداً جداً بملابس مبعثرة وهندام غير مهندم، هذا للمحظوظ الذي لم يخرج مكسوراً أو مسحوقاً تحت الأقدام.. الساحة هي ذهني، والباب قلمي، والشبان هم الأفكار المتكاثرة دون هوادة، وعظامهم هي عناصر الفكرة، وهندامهم هو أسلوب إخراجها.. أرجوك اعلم أنني اكتب الفكرة بينما تزاحمها الأُخرى، فاعذر تهرؤ ثيابها الذي حتماً سيُوجَد، ونقص عناصرها إن وُجِد.. هذه المضايقة التي لا يعرف تعبها إلا من يعانيها أورثتني الصداع والدوخة وحتى الألزهايمر.. فأرجو منك ألا تقسو بتحميلي ذنب الكتابة دون المراجَعَة، التي أتركها لك بعد أن أحيطك بظروف الكتابة، وأوصيك ألا تتسرع في حكم.. كانت هذه بدء المضايقات..

 

     ثم حتى من الماكينات التي أكتب وأسجِّل بها تأتيني المضايقات.. بدأَتْ معي يوم  كتبت حروفاً عربية على لوحة مفاتيح غير عربية، عندما ألَّحت الحاجة للكتابة بالعربية في بيئة إنجليزية صرف من حولي.. ومروراً بمشاكل في قواعد بيانات السرفر مرَّة، وبعدم موائمة بعض الملفات المكتوبة مع تطوير نظام التشغيل مرَّة، وبفقدان مواد مهمة لتلف أحد الأجهزة مرَّة، فإن آخر المعاكسات معي الآن هي أعطال متكررة للماكينات، وفي الأعوام الثلاثة الماضية كتبت وأكتب على ماكينات عطَّلها الحَر وغير الحَر،  ولجأت لحِيَل فنية متعددة للتغلب على الأعطال، حتى أنني كتبت يوماً على الشاشة بدلاً من الكتابة بلوحة المفاتيح المُعَطَّلة، وبقيت أكتب حتى تأذَّت عيناي، واضطررت لصرف (الباقي من) النظر عن هذا الحل.. وعدت للوحة المفاتيح المعطَّلة أستنطق المفاتيح العاملة فيها، وواصلت الكتابة بعين واحدة وبلوحة مفاتيح نصفها مُعَطَّل حتَّى لا تتوقف الكتابة، فكان الحرف يخدم حرفين.. وكيف يقف جهاز كمبيوتر ببضعة آلاف عائقاً ومعطلاً؟ لم لا أملك جهازاً قوياً سليما وتنتهي المضايقات التافهة؟ يسأل يُحال للحرّ وتراب الجبل..

 

     وإلى الآن أُقلِّب في ملفَّات قديمة عرضاً، أو بحثاً عن ملق أريد حان أوان استكماله، فأجد كلمات تلك الأيام تظهر لي بتشوُّهاتها، فتبدو لي بالعاهات الظاهرة فيها كأنها خوارس معترفين بين باقي الكلمات.. فكلمة الـله لا تُقيَّد حتى لو قيدت حروفَها الأعطالُ، وتركت حزازات في خطوطها..  وهذه التشوهات تشهد لي بذلك..

 

     ثُمَّ إذا ما خلت الأجهزة من الأعطال، لم يخل وقتي أو جسدي أو ذهني منها.. قلَّما اجتمع لي معاً سلامة الجميع..

 

     ومع سد كثير من منافذ التسجيل، فإن الذهن لم يتوقف تقريباً عن الإنتاج، بل أن تهالك الذهن الذي يقف عائقاً شرساً أمام القدرة على التسجيل، لم يقف هذا الموقف أمام إنتاج الجديد.. وهذا أشد ما يعذبني، أن يزيد الإنتاج بداخل الذهن ويتزاحم دون فرصة للتسجيل.. ثُمَّ تكون النتيجة، عند إتاحة فرصة التسجيل، التشتت وضياع الوقت والمجهود من أجل إخراج شيء واحد من بين أفكار كثيرة متزاحمة تجعل خروج الواحد لوحده، وبتركيز وعناية لائقة، أمراً شاقاً.. ولا يفهم هذا إلا من جرَّبه.. وأنا أجرِّبه وأُجَرَّب به يومياً..

 

     ولعل أقوى المعاكَسات جاء من غضبي يوماً عندما اصطدمت بمفارقة أنني أضع صورة من خيالي للشعب والإكليروس لا تطابق الحاصل بالفعل، وكان الدرس لي أن لا ابني برج بابل تحت اسم خادع هو الكنيسة، وأن انظر للكنيسة نظرة الرب لها لا نظرة بناة برج بابل لبرجهم، فقد بنيت في خيالي وبخيالي صورة بحسب شهوة خيالي.. كنت أُثبِت نفسي متخفياً خلف الرب وكنيسته حاسباً خيالاتي عليه.. كانت صدماتي كأنها أبواب الجحيم انفتحت ضدي.. وكان الدرس قاسياً مؤلماً حتى أنني ابتعدت خطوات كثيرة للوراء،  وبدا معنى هذا أن أجحد انتمائي وأُغلِق ملف يُسَمَّى الشبيبة القبطية، وبالفعل أغلقت أبواباً كثيرة للتعامل، وحجبت ثقة هائلة عن الكثيرين.. ومع ذلك فبدلاً من أن أغلق أوراق المشروع وجدتني أفتح باباً له عبر الإنترنت.. ثم فيما بعد تكرَّست كُليَّةً في الكنيسة..

 

     ومن المعاكسات التي تدخل تحديداً في باب المعطلات لا المضايقات، هي إصراري الأول على أن أهتم بكل نواحي العمل حتى فنيات إخراجه.. ولمَّا كانت الإنترنت هي واسطتي للعرض والتواصل، فإنني عكفت على تعلُّم عدة لغات فنية لخدمة العمل مثل DHTML وASP  وJava Script.. وقد استهلك هذا الوقت والذهن، ولكنه لم يخلُ من مكسب معنوي وترسيخ لعلاقتي بالرسالة.. وبهذه المعونة الفنية التي حصلتها من عكوفي على تعلُّم هذه اللغات، أنشأت ملفات كتاب التوقيعات، وقائمة المراسلات، وبرنامج التخاطب الفوري، وشرعت في إنشاء منتدى للالتقاء بين الخدام، وتوقف العمل به بعد أن تغيَّر الواقع التكنولوجي وتجاوز اتساعه وسهولته مجهوداتي الفردية وجعلها جهداً بلا جدوى في وجود منتديات جاهزة لا يحتاج إنشاؤها إلا لضغطة زر.. وأصبح برنامج التخاطب الفوري هزلياً في هذا الواقع، ولكنِّي احتفظت ببرنامج كتاب التوقيعات وبرسائله الأولى للذكرى اللذيذة..

 

     وحسبما زادت المعاكسات هكذا أعانت النعمة.. بل أحسَِب أن هذه الرسالة حملت المعاكسات لكي تظهر وتثبت النعمة التي تحملها.. كأنها القيود التي تمتحن كلمة الرب لتثبت أنها لا تُقيَّد.. وأحسَِب أنه كلما أُغلِق باب فكأنه ليرشدني بالدخول من الذي يليه حيث أعد لي الرب ما أقول أو أكتب.. وما جاءت معاكسة إلا لتقنعني بالخروج من دائرة مفرغة أو طريق مسدود كي أتوجه لطريق آخر به مكسب.. ولا تُقيَّد كلمة الرب الإله، ويستمر العمل، وأي مكسب!.. حدث هذا مرَّات كثيرة، وهذه هي شهادتي له..

 

     أما نمو التسجيلات الصوتية، فهي بركة وثمرة دعوة التكريس التي فتحت لي الباب للكلام والتسجيل، وكنت قبلاً أتكلم دون تسجيل إلا النادر الذي سجله لي اخوة أحباء.. وخدمة التكريس ضاغطة حتى أن الخدمات قُدِّمَت جميعها تقريباً بغير تحضير كافٍ، وبعضها حتى بارتجال تام، ولكن لا أملك أن أزوِّر  أو  أكتم شهادة حق أن نعمة سرية فائقة عملت معي، نعمة الذي دعاني بنعمته لخدمته، وأنا غير مستحق، فقبلني إليه وتعهدني في كل إماتة لتظهر حياته ونعمته في كل كلمة.. وإن كانت ذات الكلمات تشي، بسماح من النعمة،  بحال الناطق بها من ضعف وعجز وانضغاط، كأنها لتُثبِت عمل النعمة الناقض لمعطلات الأوجاع الحاضرة..

 

     ورغم ثقل المسئولية، فقد فرَّجَت النعمة طاقة لمواصلة تسجيل المقالات والأبحاث والتأملات المكتوبة، وحتى لا ينقطع عمل بدأته قبل دعوتي للتكريس في ظروف تعلمها النعمة..

 

     ثم ينبغي أن أضيف تنويهاً عن اتساع حضن هذه الرسالة حتى أنني أتكلم وأكتب في العقيدة والتفسير والتأمل الروحي والدراما والنقد، والصفحات المفتوحة قاربت العشرين وهذا الاتساع يقاوم التعمق .. وبين التوسع والتعمق تقف أكبر معطلات العمل، فكلما تعمقت في موضوع اتسعت الأفكار وفُتِحَت الصفحات الجديدة منه، بل في كل موضوع واحد تمتد الأفكار كشجرة تنمو ببركة تجعلني أصرخ كثيراً من الثقل وضعف الاحتمال: كفانا كفانا..

 

     إنها مفارقة ملفتة أن التضييق قد يأتي ملازماً للتوسع!.. وكيف يجتمع التضييق والتوسع؟ ويظل التوسع يتوسع رغم أن الضيق يضيق؟ كيف؟ إلا بضمان النعمة الحبيبة؟.. أليس لهذا أن العنوان هو: "متاعب ومكاسب"؟ والشرح أن المكاسب هي ذاتها المتاعب التي تعبر عليها النعمة فتعمِّدها وتمسحها لتصيرها مكاسب؟ بعمل هذا الذي ضمِن لنا أن يحوِّل الحزن ذاته إلى فرح بدلاً من أن يرسل فرحاً بجانب الحزن!

 

     إذن فالمكسب من المتاعب في كل اتجاه.. المتاعب الخارجة تعيد التوجيه، ومتاعب التثقيل في الخدمة تُعاد صياغتها لمادة تضاف للرسالة.. وأي متاعب أُخرى غير منظورة بعد أصلِّي للرب أن يحوِّلها لمكاسب بطريقته السرية المُعلَنَة في مفعولها..

 

     ويبقى فوق هذه المكاسب الملموسة قيمة مكسب مضافة في كل مقال أو كلمة خرج من الضيق، تتمثل في ذكرى حلوة لا تُمحى، وسَمَتْ الضيقات والمعاكسات بها هذا المقال أو هذه الكلمة، وما يسمه الضيق لا يمحوه الزمن.. هذه لا أشهد أنا بها لأحد، بل تشهد بها مقالات وكلمات كثيرة لي أنا، عندما أعاود قراءة أو سماع إحداها فأتذكر ما رافقها من تضييق أو معاندة، وأتعجب وأتلذذ.. وهذه المرَّة الشهادة لي أنا وحدي لأن هذه الحلاوة لا يتذوقها إلا من عاناها، وأظنها قسمة عادلة أن يفوز القارئ بالمقال ويفوز الكاتب بالقيمة المضافة وتفوز النعمة بشكر كليهما..

 

     وما يلي من التقديم للرسالة يحمل بعض تفصيل ما سبق..

 

 

     حامل الرسالة  

 

     الفقرات التالية تصف السمات التي تسم حامل هذه الرسالة، فتسم من ثَمَّ رسالته.. إذا شعرت بملل منها، فلن يستلزمك الأمر إلا الانتقال للجزء التالي، أو إغلاق الملف، وفي كل الأحوال لن يضيرك وجود هذه السطور مُسَجَّلة لمن يطلبها.. وآسف لك لجنوحي للكتابة عن نفسي:

    

     أنا لا اشهد لنفسي.. ولكنه لزوم شمول التقديم أن أكشف عن جذور الرسالة في عمق روح وذهن صاحبها.. والرسالة بدون صاحبها، وإن كَفَتْ، إلا أنها تبقى جذعاً لا يُرى جذره.. فهذه السطور عن جذور الرسالة بداخلي هي بمثابة فترة التكوين الجنيني للرسالة، والتي يلزم تدوينها لاستكمال تدرج التاريخ الطبيعي السابق لبدايتها.. لذلك فهذه الفقرات هي، من ناحية، ثقيلة جداً عليَّ ثقل أن يحمل الواحد حمل نفسه.. ولكن، من الناحية الثانية، هي سطور ألتزم بتسجيلها لزوم الشاهد الوحيد على أمور إنسان لا يعلمها إلا روح الإنسان الذي فيه..

 

     منذ بكور عمري على الأرض وأنا ألاحظ نمو ذهني شغوفاً بالمنطق، وطرق الاستدلال، واستنتاج الحقائق من بعضها.. وأتذكر أنني عندما كنت أسمع عرضاً حجة منطقية سليمة أنها كانت ترتسم في مخيلتي كأنها جملة موسيقية حسنة التناغم، فكنت أتلذذ بها وأكررها بفرح لكل من يلقي به حظه أمامي.. وبنفس القياس كان مزاجي يتعكَّر بل قد اشعر بالغضب إذا ما عَرَضَ أمامي استدلالاً سقيماً كقياس فاسد أو مغالطة مستترة.. ثم أخيراً بدأت أتجه دون حساب واعي إلى ساحة المنتجين لا النقاد، فأحلل أصول المنطق وأبتكر صياغات جديدة للتعبير عنها، وأُدهَش عندما يزداد اطلاعي فأجدها سابقة الاكتشاف بصياغة متعارف عليها بين أهل الاختصاص.. كانت المنطق مني مثل الموسيقى لموسيقار.. وكانت هذه الظاهرة لافتة النظر لمن حولي جداً، وكانت لي مسبباً للضيق لأن أغلب ما حولي من موسيقى المنطق كانت نشازاً.. ثم في خط مواز لهذا كنت أدرك مشكلة التواصل بالمنطق مع الآخرين، وهذه هي المسببة للمرارة الأكبر.. فقد أفهم ما أريد فهمه، ولكني اعجز عن إفهام الآخرين به.. وهذه المشكلة لفتت نظري مبكراً لأهمية المنطق اللغوي بجانب المنطق الصوري.. ثم في مرحلة لاحقة من الدراسة الثانوية والجامعية بدأت أجني ثمار المنطق مع دراستي للرياضيات، حتى أنني في دراسة السنة الثانوية النهائية كنت أدرس الرياضات بمجهود شخصي بحت رافضاً أية مساعدة من المدرسين والدروس الخصوصية كالمتعارف عليه.. كان هذا غرور المنطق الذي سأصل على مناقشته في حينه.. بدأت بمراجعة سنتين ماضيتين لم أعرف عنهما شيئاً، إذ كنت حتى وقت السنة النهائية الثانوية كسولاً جداً فيما يتعلق بأي التزام دراسي.. ثم انتقلت للسنة النهائية وأنهيت كل هذا قبل نصف العام وبمساعدة الكتاب المدرسي فقط دون وساطة شارح.. ولم يصدقني أحد أنني افهم وأنجز وانهي مناهج ثلاث سنوات من الكتاب المدرسي ودون مدرس وفي نصف العام وفي مادة الرياضيات تحديداً.. لم يصدقني أحد إلا نتيجة الامتحان وحدها هي التي صدقتني.. وفي الجامعة كثيراً ما اختلفت مع دكاترة الرياضيات على حلول لمسائي في مواضيع لا أعرف عنها شيئاً، ولم أتابع محاضراتهم عنها، فكنت مضطراً لاختراع الحلول الجديدة عند سؤالي، أو أحياناً عندما يتحدى الدكتور الطلبة فأقبل التحدي.. وكان اعتمادي على المنطق الرياضي وحده في الوصول للحل، إذ أن معرفتي بالطرق المنهجية المُدَرَّسة غير موجودة أو فقيرة جداً.. وكانت المشكلة القديمة تتجدد عندما أجد دكاترة متخصصين يعجزون عن استيعاب المنطق في بساطته فيرفضون الحل، وانتقل من ثَمَّ لتحديهم بالوصول بالحل لحد النتيجة لاختبار صحته، وأكسب التحدي وأخسر احترامي للدكتور وأحسر معه تعاطف الدكتور ومحبة بعض زملائي.. ولكني كنت ازداد يقيناً أن هذه الظاهرة معي لها عملها يوماً ما.. فلم يضعها الرب الإله لكي يشقيني بها أبداً..

 

     وبجانب هذا كانت مشاعري مرهفة جداً، ودموعي قريبة لعيناي أقرب من المحتمل، ولذلك كنت أغضب من التصنيف الخاطئ الرائج الذي يُقسَم فيه البشر إلى إما عقلانيين أو عاطفيين.. لقد كنت كليهما، وكنت أفهم أن هذا هو المزيج الإنساني الطبيعي.. وان كل ما هناك هو تمييز بين نشاطين في الإنسان الواحد، نشاطان لا ينفصلان وإن تميزا، وهما لا ينفصلان ليس فقط باعتبارهما في الإنسان الواحد، ولكن باعتبار ألصق من هذا: أنهما يتبادلان التأثير والتأثر.. وقد سبقت فقلت أن النشاط الذهني كان عندي كالموسيقى، وانه كان يبهجني ويزعجني، بحسب جودة إنتاجه.. وأعود فأقول أن النشاط الوجداني كان أقوى حافز عندي للتفكير.. نعم كان ذهني يعمل في جميع الحالات، ويعمل بلا هدوء، ولكن توجهاتي الوجدانية كانت هي الأقوى توجيها لميادين عمل الذهن، والأقوى تحفيزاً له للعمل، والأقوى عوناً له للاستمرار دون ملل.. فالوجدان هنا يعمل عملاً عظيماً للذهن موجهاً ومحفزاً ومريحاً.. وكان كل وجداني متعلقاً بأمرٍ واحد حسم اختياراي مبكراً جداً: المسيح وكنيسته.. فكان الطبيعي إذن أن تنصب جل طاقاتي الذهنية نحوه.. وبدأت مبكراً جداً وضع المنطق في خدمة العقيدة، والمنطق اللغوي في خدمة الصياغة والشرح..

 

     ومع هذين النشاطين الداخليين: الذهني والوجداني، كان هناك ثالث يعمل بقوة: نشاط الضمير.. وبهذا الثالوث كنت قد حسمت معرفتي مبكراً بأعدائي: الظلم والغباء.. وأتذكر حديثاً لي لنفسي، وأنا في إحدى السنوات الابتدائية في طريقي للمدرسة، أن قلتُ: لا أظن أنني أكره شيئاً، غير الظلم، إلا الغباء، لأن به ظلماً..

 

     وهذا المزيج: الذهن والوجدان والضمير، هو ما يُعرَف عندي بمزيج العجينة البشرية الداخلي.. وتعلوه الإرادة التي تأخذ معطياتها ومدخلاتها من هذه البوابة الثلاثية القنوات، لتحكم وتأخذ قرارات الإنسان وتحسم احتياراته.. ولا أظنني أتفوق على أي آخر في هذا المضمار إلا بمقدار ما استوعبت هذا وسعدت وشقيت وأنتجت به واعياً له..

 

     وهذا المزيج المحكوم بالإرادة يقف خلف كل كلمة في هذه الرسالة التي هدفت من بداية تكوينها الواعي لتحقيق سماتها الجنينية: تقديم التأمل المعزِّي، والتفسير المقنع، والدراسة المُحكَمَة، والنقد الأمين، والرد القاطع على غير المؤمنين، وبالجملة تسجيل كل ما يريح ضمير صاحبها أن يسجله قبل أن يودع فترة بقائه على هذه الأرض..

 

 

     بدايات التشكُّل

 

     والآن وقد وصفت البيئة الجنينية لهذه الرسالة، أبدأ بتتبع ميلادها.. فكرة الرسالة بدأت بسيطة جداً: كان القصد مجرد تسجيل لتأملات تفسيرية للكتاب المقدس.. تكونت عندي مع بدء وعيي الكتابي ومحبتي للكتاب المقدس فوق كل شئ هذا الذي ادخرت فيه كل موهبة ذهنية ومعرفة منطق وتاريخ ولغة.. وأودعت فيه كل مشاعري في بكورها وتأججها..

 

     والدافع لتسجيلها هو أنها، كما رأيتها في بدايتها، ولا أزال أراها، جديدة غير مسبوقة..  وعميقة وقوية.. معزية.. تجدد معرفة القارئ المسيحي بكتابه المقدس وثقته بعقيدته المسيحية.. وتأخذه من السطح لتدخل به لأعماق معزية ومبهرة معاً.. 

 

     وأما أنها تختص بالشبيبة القبطية، فوجه الاختصاص ليس تحديد جمهور المتلقين في الشبيبة القبطية، بل الرجاء أنهم سيكونون هم العاملين فيها والمقدمين لها لكل العالم.. ولماذا الشبيبة القبطية تحديداً فلأنهم شباب كنيستي وحقل لذتي وعملي البكر في جسد الرب والأحب لقلبي، فمن غيرهم أدعو وتستريح أحشائي بعملنا معاً؟.. هذه كانت فكرتي الأولى في بساطتها..

 

     وللشغوفين بالتأريخ أسجل أن أول شكل تجميعي لهذه التأملات كرسالة موحدة كان في ورقة بسيطة خططتها بخط يدي الركيك في ربيع سنة 2000 قبل سفري، كأنني لأحفظ فيها القليل من الجديد في حصالتى، وكأنني لأشدد التأكيد على نفسي أن سفري وتيهي في ظروف العمل لن تنسيني الرسالة التي كانت بعد جنيناً خرج منه بالكاد شعر رأسه.. ثم كان أول شكل رصين لها في موقع CY4HB  في ربيع 2001، والذي بدأ التعريف به برسائل شخصية للدائرة الصغيرة اللطيفة المحيطة بي، وصار من وقتها الهيكل الأب لتجميع العمل..

 

     ومن وقتها كان الرب يرسل لي اخوة وأخوات لم أر أكثرهم بالوجه يقدمون لي المعونة الفنية أو  حتى يحملون معي بعض ثقل العمل بالتشجيع والنسخ وغيره.. واكتشفت أن لهذه المعونات والمعاونات الأخوية في الرب مذاقاً لذيذاً حتى أنني لهذه اللذة الفائضة كنت اطلب أحياناً معاونة حين لا يحتاجها العمل..

 

     ولكن هناك معونات احتاجها العمل واستفاد منها جداً، وبدونا ما كان ليستمر.. مثلاً لا أنس فنانة أوروبية تحولت للمسيحية الأرثوذكسية صارت صديقة مقدسة لي، ولم أرها بالوجه بعد، كانت صاحبة اقتراح لون خلفية صفحة مقدمة الموقع ليتناسب مع لون الخط والأيقونات..  وأذكر من حفظت لي تسجيلاً نادراً بالصوت، دون علم مني أو طلب أو توقع،  لتقدمه لي هدية ثمينة جداً عند تكريسي.. وأذكر باعتزاز أخت في المسيح كانت تسمع مني المادة بالصوت وتسجلها بالكتابة، في وقت كانت مشاغلي تلتهم مني الجهد اللازم للكتابة..  وأذكر الذين كانوا يزورون الموقع من أنحاء الأرض ولا يبخلون بترك توقيعهم وكلمات تشجيع حقيقي في صفحة توقيع الضيوف..

 

     كانت هذه المعونات في البداية والتي وإن بدت معدودة ولكنها كانت لازمة لزوم دعامة يُسنَد بها حائطاً مائلاً لحين ثبات ترميمه، وبدونها يسقط الحائط وتنحل مواد ترميمه في رخاوتها.. ولذلك لا أدعو هذه  مساعدة قليلة أبداً، هي فقط معدودة.. ولازلت أعدها وأعيد عدَّها وأتذكرها بكل تقدير ولذة.. ويلزم التنويه أنني لازلت اطمع في استمرارها حين تتأتى فرصة معاودة الاتصال بأصحابها، وسأفيد بكل المعونات اللاحقة في طبعة تالية من هذا الملف..

 

     ثم بدأ تدبير الرب يفتح للرسالة، ومن ثَمَّ فيها،  أبواباً جديدة.. لخدمة المنبر، ولخدمة النقد، ولخدمة المجاوبة، وما يزيد على هذا فهو من فيض النعمة الآتية، وإن قلتُ كفانا.. وللتسجيل أضع هذه السطور لرصد اتساع الرسالة:

 

     ففي بداية ظهور الموقع كتبت سطراً ينبه إلى أن الموقع لا يحمل مادة دفاعية أو جدلية، وهل تحتاج مسيحيتنا لدفاع؟ هكذا تساءلت.. ولكن فيما بعد اندمجت بدعوات من بعض ذوي الثقة بي للتصدي لشرح العقيدة المسيحية في بعض منتديات وغرف الإنترنت.. وكان الحال وقتها في بكوره، وكان أشهر المتصدين له لا يملكون للأسف بضاعة المنطق اللغوي والتحليل المتأني والفهم العميق للعقيدة.. فكانت مادتهم تأتي متخبطة، فكانت المجادلات، التي هي مع خصوم متخبطين أصلاً، تأتي مشوشة متهلهلة منطقياً من الجانبي، (والحكم ليس مطلقاً ولكن ملحوظاً).. وفي وقت قليل حققتُ سمعة جيدة في ضبط النقاش.. وحظيت بثقة الإخوة وباحترام غير المؤمنين الجادين، وإن جمعت معهما حنق المضادين، وحسد بعض العناصر ذات الفهم السطحي من الطوائف الحديثة ومن الكاثوليك معاً.. وكان عمري في هذه المهمة قصيراً لم يتعد السنة الواحدة (من صيف 2002 إلى صيف 2003)، ومع ذلك فقد تكونت عندي ذكريات ومادة مجاوبة، ولا أقول دفاع إطلاقاً.. ومن ثَمَّ وجَدَتْ المجاوبة باباً للدخول في رسالة CY4HB ، بعد أن تبررت من ثياب الدفاع ودخلت كمجاولة كتابية مقبولة الدافع والشكل عندي..

 

     ومع نعمة الدعوة للتكريس، وتنامي مادة الرسالة عمقاً واتساعاً، لم أنس البساطة الأولى للرسالة، ولم يكن ممكناً أن أنس، لأنني لست واعظاً ولا مدبراً، فلا يكون لي من ثَمَّ أية ثقة للوقوف على المنابر إلا أنني أقدم جديداً وأدعو للتأمل فيه معي.. وعليه فسيجد القارئ المتابع في كل مقالات وتسجيلات صوتية فكرة جديدة  أو  شرحاً جديداً  أو  برهاناً جديداً.. سيجد الجديد على نحوٍ ما.. وبعض الخدمات، لاسيما الصوتية، قد تبدو أولاً تقليدية أو مكررة بلا جديد، وقد ألزمتني بها ظروف خدمة التكريس الضاغطة، ولكن مع ذلك أظن أنني أنجح في دس الجديد بها.. فأرجو من المتابع الشغوف بالجديد عدم رذلها والصبر معها..

 

     ثم في غمار عملي الذي بدأ تأملياً صافياً اصطدمت بتفاسير خاطئة وشرح معيب جداً للعقيدة، والمزعج لي جداً أنها تُقَدَّم وتروج كأنها التعليم الرسمي المُسَلَّم مرَّةً، وكأنها العقيدة ذاتها لا مجرد شرح فاسد لها، وكأنه التفسير الذي أي تفسير معه بدعة وأية مراجعة له خروج عن العقيدة.. ثم من جهة مقابلة وجدت من ينتقدون الوضع القائم دون وعي جيد وتأمل نافذ فيما ينتقدونه، فيطرحون ما ينتقدونه عنهم دون تمييز.. وإن كان هؤلاء أو أولئك فهم كنيستي ويخاطبون كنيستي ومن يستطيع السكوت؟ لذلك وبجانب خطتي الأصلية وانغماسي في تقديم الجدد، لم أملك تجاهل مراجعة العتقاء ونقدها وصقل الجيد منها وطرح الدخيل وفضح المنافذ التي دخل منها هذا الدخيل.. وفي كل هذا أرجو أنني أكون قد قدمت جديداً أيضاً في النقد والضبط..

 

     وأما التوسع الكبير الذي أرسله الرب لهذه الخدمة فهو دعوة خدمة الكلمة في تكريسي، والذي سمح بإضافة مادة منبرية مسموعة على أنواع منابر كثيرة: عظات ليتورجيات وكلمات اجتماعات عامة، واجتماعات خُدَّام واجتماعات شاب واجتماعات فتيان وفتيات..

 

     وهكذا اتسعت الرسالة التي بدأت تأملية تفسيرية بحتة لتضم نقداً ومجاوبةً وأضم إليها من وقت لآخر أفكاراً جديدة ترسلها نعمة الرب لتفتح أبواباً أو صفحات جديدة للوحة المحتويات، بجواب واحد من عندي: كفانا كفانا..

 

     وبعد سنوات قليلة من بدء عمل هذه الرسالة، وتزاحم الأبواب المفتوحة، تبلورت فيها ثلاثة خطوط: خدمة المنبر، وخدمة النص الكتابي (تفسيراً وتأملاً)، وخدمة شرح العقيدة شرحاً منطقياً تأملياً تكون قاعدة اللغة فيه هي لغة الكتاب المقدس.. وبجانب هذه الخطوط الكتابية، نشأت فكرة مراجعة تاريخ الكنيسة مراجعة تأملية كتابية.. وهي خطوط ينضوي في حبل كل منها أبواب عديدة.. وستمتد الخطوط بحسب سماح النعمة، وستثمر حولها أفكار كثيرة لن يتسع عمر الواحد لها، ولكن أرى في الرسالة امتداداً لا يحده عمر إنسان واحد على الأرض، ولعل هناك من يكمل، وإلا كنت أكلم نفسي، وهذا مالا أظنه..

 

     أختم عرض تاريخ ظهور ونمو هذه الرسالة بالتوقف قليلاً عند يوم كتابة هذا الملف: 2 يناير 2007 لأقرر بأنني بين أسبوع من التألم من ظروف المناخ والصحة العامة، وإرهاق الذهن، وتزاحم أغراض الخدمة، فإن ساعة يرسلها الرب بين كل هذا، تحفظ الأمل عندي حياً في المواصلة والوصول.. والوصول هو لهدف معلوم: استكمال تشكيل خطوط الرسالة الثلاثة مع كل ملحقاتها، وترك شكل واضح وطريق مُعَبَّد لمن يرسله الرب لي لتسلم ما سُرَّت النعمة بمعونتي فيه..

 

 

     لغة وأسلوب الكتابة والمنبر

 

     ثم بعض فقرات عن لغة وأسلوب المادة المكتوبة والمسموعة: فبقدر تنوع المعاكسات، وتغير ظروف الكتابة بقدر ما تتنوع لغة المقالات.. واللغة كانت معركتي الكبرى.. فقد بدأت التسجيل بإنجليزية ركيكة بأمل تحسين اللغة واستقرار الأسلوب في وقته، واكتفيت بالتسجيل كفرش أساس.. ولذلك يجد المتابع في صدر الصفحات عناوين المقالات بالإنجليزية بحسب الخطة الأولى، وقد تركتها أملاً في مستقبل تتم فيه ترجمة العمل كله.. ويجد المتابع لفنيَّات التنفيذ أسماء الملفات  flat file namesمسبوقة بحرف a_  علامة على أن الملف مكتوب بالعربية، كتمييز له عن المقالات المكتوبة بالإنجليزية.. ولعل استمرار هذا الاصطلاح معي إلى الآن، وحرصي على تسجيل ملف خاوٍ يقابل الملف المكتوب باللغة العربية ويحمل هذه العلامة هو دليل على عدم التخلي عن طموح ترجمة كل عناصر ومقالات الرسالة لتكون لكل ملف نسختين: واحدة بالعربية، وثانية بالإنجليزية، وثالثة ربما.. من يدري؟..

 

     وأتذكَّر في البداية أن جاءتني رسالة في كتاب التوقيعات تطلب منِّي أن اهتم بالموضوعات العربية أكثر، فكانت شاهداً على زمان ارتباك القرار فيما يخص اللغة، والتردد بين لغتين تغلب فيه الإنجليزية..

 

      ولكن من عام 2004 تركت الكتابة بالإنجليزية وعُدت للعربية بحكم تغير جمهوري المباشر.. وكانت عربية فقيرة كئيبة.. وتساءلت كثيراً ما جدوى إنفاق رصيد مُضنٍِ من الوقت والجهد في أسلوب سيُقرَأ في زمن مستقبل لا أعرف ذوق قرائه ومستمعيه.. وكثيراً ما كنت أضع في ذهني المقابل الإنجليزي لما أكتب، فأستغني عن جملة لها موسيقاها في عربيَّتها فقط، أو أُسقِط تعبيراً يحيرِّ من يترجمه وربما يفسده ويفسد به الفقرة كلها لو خانه التوفيق في ترجمته .. وأخيراً اتضحت الصورة في ذهني.. الذي يتم كتابته وتسجيله إنما هو  لا  زمني.. فلا ينبغي له أن يرتبط بأسلوب يُستساغ زمناً ويُمَجّ زمناً آخر.. وهو  أيضاً لا مكاني.. أي لا ينبغي له أن يضع رصيده في سمات بلاغية للغة بعينها، ليفقده في ترجمته للغات أُخرى.. الأسلوب في هذه المجموعة ينبغي له أن يعتمد أساساً على الأفكار والروح.. أفكار محتواه وروح كاتبه وقائله.. لكي يُقرأ في أي ترجمة له كأنه كُتِب بلغة الترجمة..  وفي كل زمان كأن مُقَدِّمَه لا يزال يكتبه ويُعِّده ولم يفرغ منه بعد..

 

     وقضية دقيقة في أسلوب الكتابة حيرتني قليلاً هي قضية الضمائر.. فبأي ضمير اكتب؟ متكلم؟ مخاطب؟ غائب؟ وارتكنتُ طبيعياً ودون تكلُّف للغائب بقدر الإمكان.. ففيه لطف وعدم مطاردة للقارئ، وتخلص من مواجهة القارئ بالخطاب والتثقيل عليه بالدعوة، وتخلص من ثقل ضمير المتكلم وما فيه من فرض الذات.. فأميل للغائب، أو للمبني للمجهول، والمبني للموضوع (والتعبير لي) كلما أمكن.. والمبني للموضوع، كما أسميه، يعني أن يكون الفاعل هو الموضوع لا الشخص، فالأكثر ميلاً له أن أقول: اتسعتْ الرسالة وضمَّتْ الرسالة، ولا أقول وسَّعتُ الرسالة، وضممتُ للرسالة.. وضمير المتكلم أتركه للزوم الشهادة وتحمل المسئولية.. أما المُخاطَب فلا يدخل معي إلا عند شعوري بحميمية التواصل وثقتي في مشاركة القارئ قناعتي، وأما غير ذلك والإسراف فيه فأستثقله وأرى فيه إلحاحاً سمجاً على القارئ..

 

     أما لغة المنبر المسموعة فقد آلت للغة العربية الرسمية (لا أجيز ولا استسيغ تعبير اللغة الفصحى).. والسبب في ركوني لهذه اللغة أحب تسجيله.. فأول مرَّة تسلَّمتُ تكليفاُ بكلمة عامة على المنبر، كان يوم الأربعاء الكبير سنة 2004 ، لتكون الكلمة في يوم الجمعة الكبيرة.. أي تقريباً لا وقت بين تسلُّم التكليف ووقت الكلمة بالنظر لبرنامج أسبوع الآلام.. فلم تكن عندي فرصة للاتصال والاستفسار بالأب المطران عن اللغة التي يفضلها للكلام.. أما اللغة الدارجة بلهجة أهل القاهرة فأعلم أنه لا يستسيغها، وأما اللغة الصعيدية فهي مكنة لديَّ كلغة حديث عابر، ولكني غير متمكن منها كلغة منبر، وعليه لجأت لأكثر الحلول سلامة وهو استخدام اللغة الرسمية، لحين التشاور.. ولكن هذه المرَّة صادرت أي تشاور، لقد استمع الأب المطران للغة وحبَّذ أن أستمر فيها..

 

     هذا عن اسم اللغة، وأما عن نغمتها وطريقتها فهي طريقتي المحبوبة الأثيرة: الهدوء والتمعن في القصد.. وأما عن أسلوبها فهو الأسلوب المنطقي المرتب الذي يتوقف بهدوء بالتأمل عندما يجد موقفاً معزياً أو مؤثراً ليترك للوجدان فرصة التجاوب والتمعن..

 

     وأما اجتماعات الشباب والخدام، فلم يكن بد من استخدام اللغة الصعيدية، فاللغة الرسمية ثقيلة على الآذان في مثل هذه الاجتماعات القريبة التواصل بين المتكلم والجمهور، واللغة القاهرية مرفوضة بميوعة بعض حروفها مثل القاف والجيم.. وإلى الآن أستخدم اللغة الصعيدية ولا أتقنها فتخرج مضحكة بعض الشئ لولا مغفرة الجمهور لي..

 

     وتبقى تسجيلات نادرة باللغة المصرية الدارجة سجَّلتها لي أُخت حبيبة من متتبعات نشاطي على الإنترنت.. وفاجأتني بها كهدية ثمينة بعد تكريسي.. وكلمات أُخرى باللغة الإنجليزية في كنيسة مار مرقس في واشنطن دي سي فُقِدَت للأسف..

 

     وأما مشكلة اللغة بعد كل هذا فهو ضيق الألفاظ أمام اتساع المعاني وفيضها، وعجزها أمام دقة المعاني.. ثم في مكافحة التعقيد للحفاظ على سلاسة وعذوبة التقديم.. إنها مصفوفة معادلات صعبة ينوء بها الكاتب والمتكلِّم.. ولكن الرب يعين.. فأرجو أن من يعرض له شيئاً من سطور هذه الرسالة أو تسجيلاتها أن يدرك هذا، أو لعله يقرأ هذا التقديم فيقبل منه عذراً عن أي سخافة لفظية..

 

     وأما ما أطمح له فهو روح الكلام.. تحويل اللفظ لكلمة.. والسطر لمعنى.. والصفحة لرسالة..

 

     ثم أريد لروح كل كلمة هنا أن تتحرر من كل زمان وأسلوبه.. وكل مكان ولغته.. وأن تنقل فكراًَ صافياً .. أريد  لها  أن تكون روحاً يفيض بمشاعره ويحمل فكره ويتركه عند مداخل ذهن وقلب وضمير من يقرأه ويسمعه.. 

 

 

     القصد

 

     في ختام تفصيل كل عنوان من عناوين هذا التقديم انتهيت دائماً إلى قصد الرسالة.. وها أنا أُنهي التقديم كله بالتأكيد على قصد الرسالة، وتحديد المقصودة لهم، واستيداعهم الوصية الأخيرة في أصول قراءتها:

 

     ها أنا أقترب من ختام تسجيلي لمدخل هذه المجموعة كلها، بمادتها المكتوبة والمنطوقة، التي أقدمها على التوالي لمن أعرفهم من دائرة الأصدقاء المحدودة جداً جداً والذين تحصيهم أصابع اليد الواحدة، الذين لا يحتاجون لديباجة تقديم لما يعلمونه أو لمدخل لما دخلوه بالفعل، بل وما شارك بعضهم وعاونني فيه.. ولكن أرى من خلفهم الكثيرين جداً الذين هم الجمهور الذي أحببته وطمحت في التوجه له من الأصل، ثم خاصمته واعتزلته، لأجدني مُكَرَّساً كأنني لكي أسجل له ما خاصمته عليه وما حكمت يوماً في إحباطي بعدم استحقاقه له.. أراهم يقرأون ويسمعون في حينه، ويضيفون ويستكملون بل وينتقدون ويصوِّبون، وفي كل هذا يكذِّبون اليأس الذي يأسته مرَّةً ويزيلون المرارة التي تمررتُها، وهذا ما ألزم التقديم..

 

     إذن فهذا هو ما أستودعه عندك: نتاج إرادة صبورة و فكر متأني ومشاعر ملتهبة يحملهم معاَ روح واحد،  يصوغهم بكلمات وصلت إليك عبر كل ما في الفقرة الأولى.. فلا أقل من أن تتناولها بفكر متأني ومشاعر منفتحة وضمير حي.. وإلا فلا تشغل بالك..

 

_________
_______
___

___

_______

_________





     ثم أحب أن يطالع القارئ المتابع صورة هذه الصفحة كما كتبتها بالإنجليزية عند افتتاح موقع الرسالة على الإنترنت:

 

صفحة عن رسالة الشبيبة القبطية للكتاب المقدس بصورتها الأولى التذكارية

Memorial Page on "About"