+

وجه الإضافة.. والقَصْر الإضافيّ[i]

Types of Genitive, and Relative Exclusiveness

 

 

 

فهرس:-

 

للذكرى: زمان ومكان ومُناسَبَة إعداد المحتوى!

القسم الأوّل: شرح القصد من "وجه الإضافة" وأهميّة مُلاحظته في اللغة..

القسم الثاني: شواهد رئيسة يرتبك فهمها بغير استبيان وجه الإضافة الصحيح:

·         (أف1: 17): "إله ربِّنا يسوع المسيح"

·         (أف1: 23، 3: 19، 4: 13): شواهد الملء: ملْء الـله وملء المسيح

·         (كو1: 15؛ رؤ3: 14): بكر كل خليقة بداءة خليقة الـله

·         (كو1: 24): "نقائص شدائد المسيح"

·         (رو8: 21): حريّة مجد أولاد الـله

 

القسم الثالث: القَصْر الإضافيّ.. وجه خصوصيّ من بنية الإضافة

القسم الرابع: شواهد رئيسة للقَصْر الإضافيّ:

·         (يو17: 3): "يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك"

·         (1تي3: 2): "يجب أن يكون الأسقف بعل امرأة واحدة"

·         (أع4: 12) – مثال لقَصْر قاطع الشمول بغير إضافة: "ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم اخر تحت السماء قد اعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص"

 

 

 

   محتويات هذا المقال مركونة لديّ من أواخر أيام "كنيسة مار جرجس، حيّ "العجوزة"، وللأسف لم أؤرِّخها في وقتها بدقّة، وأقدِّرها الآن بصيف 1996 على الأرجح[ii]..

   على أن بدء عرضي المتواضع لهذه المادة سبق ذلك بسنوات في غير مناسبة، في بعض الاجتماعات في نفس الكنيسة، حيث كرّرتُ شرحها كلّما ورَد شاهد كتابيّ استلزمت سلامة تفسيره شرحها وتطبيقها.. حتى أتت الفرصة، في كلمة من أعمال مؤتمر للخدمة، لتجميع المادة وتفصيلها بأمثلة شاملة..

   قدمتُها كمُساهَمَة في مؤتمر من مؤتمرات زمان في الإسكندريّة، وأضيف عليها بعض الاستفاضة في شرح الأمثلة مع تحسين أسلوب العرض بما يُلائم مقالاً مكتوباً بدلاً من مُحاضَرة مسموعة:

 

 

   وجْه الإضافة!؟!

 

   مَعِي نسخة من إنجيل مرقس !!

   فإن نسيتها وأنا أغادر وسأل واحد عن صاحب هذا الإنجيل سيجيبون هذا إنجيل فلان،

   ومتى فتحناها سنقرأ أول كل شئ:

   بدء إنجيل يسوع المسيح!

 

   فهل هو إنجيلي أنا؟

   أم إنجيل مرقس؟

   أم إنجيل يسوع المسيح؟

 

   بديهيّ أنه ليس هناك تناقض، فأيّ سامع طبيعيّ يفهم أن حيثيّة القصد تختلفه:

   * فهو إنجيل شخصي المتواضع من حيث مالك النسخة المعنيّة،

   **  وهو إنجيل مرقس من حيث كاتبه،

   *** وإنجيل يسوع المسيح من حيث موضوعه الذي هو شخص المُبَشَّر به فيه..

 

   هذه الحيثيّات في تمييز المعنى بديهيّة، ولا عجب ان تكون قواعد المنطق بديهيّة، ولكن مع بداهتها يلزم إفراد شرحها والاصطلاح على تسميتها لأن تلك البديهيّات هي التي تختفي عند التطبيق على النصوص ويتحيّر القارئ العادي بل والمُفسِّر أحياناً..

 

   ليس عجيباً أن تكون مثل هذه القاعدة بديهيّة، وليس عجيباً أيضاً أن تُلغِز على القارئ حين الاحتياج إليها.. إن خبرة الكثيرين للتحيّر أمام النصوص التي تسبقها تفاسير دخيلة تحل محل المُعتَقَد لدى القارئ، هي خبرة صارت مألوفة ولم تعد عجيبة بكل أسف..

  

   لذلك لزم شرح البديهيّات والاصطلاح عليها، وسأصطلح على تسمية الحيثيّة التي تشرح العلاقة بين المُضاف والمُضاف إليه:

   "وجه الإضافة"

   وجه الإضافة هو العلاقة التي استدعت ربط المضاف بالمُضاف إليه..

   ولن أقتصر على استعمال كلمة "الإضافة" في حدود المصطلح النحويّ، ولكن سأستعمله بقوة المعنى، فكل ما يُعني "إضافة" حتى لو خالف الاصطلاح شكلاً:

   ^ مثل صيغة "الملكيّة

   Possessive

   ^^ أو "الصفة والموصوف" 

   Adjective

   ^^^ أو وجود معنى الإضافة ضمناً في سياق الكلام،

   Implied Genitive

   ^^^^ ومن أبرز أمثلة هذا ما يُصطلَح على تسميته بالقَصْر الإضافيّ

   وأقترح ترجمته Relative (Genitive, Contextual) Exclusiveness (Limitation, Exception)

 

   المفيد أن الإضافة اصطلاحاً وضمناً لها وجه إضافة لازم التبيان لضمان عدم الانجراف وراء تعمية مُسبَقَة في تقدير القصد..

   وغياب وجه الإضافة، على بديهيّته، يحدث لأسباب التعمية اللغويّة، وللجهل بالسياق، ولسبق تفسير مستحكِم، وبغياب وجه الإضافة الصحيح يختل المعنى حتى يصل إلى درجة التناقض ربما..

 

   هناك شارع قديم اسمه "نور الظلام" فكيف يُنسَب النور للظلام؟

   من لا يفهم سيعتبر تسمية الشارع نكتة!

   هل الظلام يُعطي نوراً؟ هذا مُضحِك..

   ولكن اسم الشارع له معنى وليس نكتة، وليس به تناقض..

   فمِمّا أتى تقدير التناقض لدى كثير من السامعين في التعبير؟

   أتى من قياس الإضافة على "نور المصباح" و"نور الشمس" و"نور القمر"، وفي كل هذه التعبيرات "يُضاف" النور إلى مصدره (شمس أو مصباح أو شمعة)، فيقيس السامع على ذلك، ويتوقَّع خلف كل كلمة "نور" ذِكر مصدر النور، ومن ذلك ما يتوهّمه البعض، من غير المُنتبهين، أن القصد بـ"نور الظلام" هو أنه نور يصدره الظلام، فيظنُّون التسمية نكتة!

   ولكن الواقع ببساطة أن القصد أن النور الذي يتسمَّى به الشارع هو النور الذي يبدد الظلام، فيكون وجه إضافة النور للظلام هو علاقة التبديد، كالقول: "مبدد الشرّ" و"مُزيل الظلم" وهكذا،،،

 

   الأمثلة المُستَعمَلَة تلقاءً كثيرة، ولا يحتاج الواحد للبحث عن شرح عويص لحسم الأمر.. مثلاً ما يقوله المتحدثون في اللقاءات الرسمية من كلمة "سيدي" أو "سيدتي" في مخاطبة الآخرين.. فهل هي إضافة سيادة؟ أم إضافة ودّ واحترام بنسبة "السيد" بشخصه وليس بسيادته، إلى المتكلِّم؟! واضح أن المتكلمين لا يقصدون الخضوع لسيادة من يدعونهم "سيدي" وسيدتي" ولكنهم يبثّون روح المودة والتقدير في اللقاء..

 

   ثم هذا أيضاً مثال دقيق، ويُظهِر كيف يمكن لوجه الإضافة إذا تغيّر أن تتغيّر معه تسمية نفس المُضاف إليه المنسوب إليه نفس المُضاف!

   فإن قيل: "رابع ثلاثة" يصحّ أن يُوصَف نفس ذلك الرابع بأنه: "رابع أربعة"..

   هنا وجه الإضافة يتنوّع بين تضمين المُضاف في المُضاف إليه، وبين استقلاله عنه، ويبقى الحكم في استخدام التعبير للغرض البلاغيّ لا اكثر، ولكن يبقى المعنى واحداً في تعيين ذات المقصود!

   لقد حضرتُ معركة كبيرة بين بعض الشغوفين باللغة في تصحيح تعبير مماثل لبعضهم البعض، وهدئوا جميعاً عندما قدمتُ لهم هذا الشرح!

 

   وأحياناً ما يكون وجه الإضافة أكثر دقّة نحويّة، ويستلزم بعض التعقيد في الشرح ولكن لا يُعني تعقيد الشرح (بسبب تداخل المصطلحات) تعقيد المعنى لمن يُعمِل بداهته..

   مثلاً ذائع الاستعمال أن الحكومة ترفع درجة الطوارئ..

   والطوارئ هي الأحداث الطارئة، والمفهوم أن الحكومة لا تدّعي أنها هي ما صنعت الأحداث الطارئة ورفعت درجة حدوثها، ولكن القصد هنا أنها ترفع حالة "الاستعداد للطوارئ..  

   يفكِّر البعض أن هذه عدم دقّة في الكلام ولا علاقة لها بقضيّة "وجه الإضافة" وبينة "المُضاف والمُضاف إليه".. ولكن هذا غير صحيح.. فغياب كلمة "استعداد" التي توضِّح المعنى حدث بسبب افتراض فهم السامع لوجه الإضافة المعنيّ!

   الأصل في الطوارئ أنها بين ناحيتين: ناحية من تسبَّب فيها (ظروف اقتصاديّة أو طبيعيّة أو بشريّة)، ثم هناك من سيواجهها ويستعدّ لها.. ولذلك فعند

 استخدام تعبير "درجة الطوارئ"، تعمل "الإضافة" احتمالاً على وجهين: درجة خطر الطوارئ ودرجة الاستعداد لهذا الخطر.. كلا الدرجتين منسوبتين للطوارئ ولكن من وجهين متقابِلين..

   وحتى بالإنجليزيّة تظهر نفس السمة، فأحد التعبيرات المشهورة هي:

   Raising the threat level!

 

   ومن الأنواع التي تبدو عكسيّة في "الإضافة" الواحدة،  أن يحمل المُضاف إليه علاقة الفاعل أو المفعول بالنسبة للمُضاف! ويعتمد الكلام على فهم خلفيّة الأحداث لسلامة توجيه المعنى..

   مثلاً: "ميلاد المسيح" (أي من العذراء) هو نفسه "ميلاد العذراء" (أي ميلادها للمسيح)..

   أو: "معموديّة يوحنا".. فهل القصد أنها المعموديّة التي تعمَّدها يوحنا؟ لا، ولكنها المعموديّة التي عمَّد بها الآخرين..

   هذا النوع من أشهر الأنواع التي لا يشتكي منها أحد لأنها غالباً ما ترد ووضوحها منها فيها، أو في خلفيّة معرفة لا تجعل للارتباك فرصةً كبيرة..

 

   وليس دائماً "وجه الإضافة" يُطلَب في بنية "إضافة" بحسب الشكل اللغويّ، بل الأخطر ان تكون الإضافة بقوة المعنى وتظهر من سياقه.. ومن هذا نوع يقوم كحالة خاصّة بمفرده، وله خطورته التي تجعل شرحه مُفرداً في قسم مُخصَّص وله أمثلته العديدة..

 

   دائماً هناك مشاكل عندما يغيب هذا الحرص في تبيّن وجه الإضافة عند النظر إلى "المُضاف والمُضاف إليه"، ويختلّ من ثَمَّ حتماً فهم اللغة المطلوب تفسيرها..

   ولما كانت غاية القصد في كل هذا العمل مع غيره من الأعمال هو تقصيل كلمة الرب بسلامة تفسير، فإن هذه أمثال سقتُها، ليس لشرح المعنى اللغويّ لذاته، ولا لمُجرَّد التمرين على استخدامه، ولكن لأن غياب هذا الفهم اللغويّ السليم، من تبيان لـ"وجه الإضافة" في موضعه، يتسبَّب في تفاسير مريعة لمواضع من الكتاب تعتمد بنية المضاف..

 

 

   دراسـة شواهد كتابيّة

   بارزة لوجه الإضافة

 

 

·         إله ربنا يسوع المسيح:

 

   الرسول يصف الآب بأنّه:

   "إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (أف1: 17)[iii]..

 

   من لا يفهمون وجه الإضافة في التعبير، ويقيسون على اعتياد إضافة أي شئ لكلمة "إله" على وجه العبوديّه له، فإنهم يرون في هذا التعبير تناقضاً صادماً مع الإيمان المسيحيّ بلاهوت المسيح ومساواته للآب!

   ولكن بالنظر للسياق تنفتح أبواب الدخول لوجه الإضافة الحقيقيّ إنه إضافة الرسول لمُرسِله كما قال الرب عن نفسه:

   "الذي قدَّسه الآب وأرسله" (يو10: 36)،

 إن الإضافة هنا هي إضافة تعيين المقصود تعيينه قصداً دون غيره (أي الآب)، عن طريق نسبته لمن أخبر عنه وحده دون غيره (أي الابن)، كما قال الإنجيليّ يوحنا:

   "الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18)،

   وغير ذلك من الشواهد المُوافقة كثير..

 

   كم أن تعيين صفة الآب كإله، وتعيين نسبته بهذه الصفة إلى "ربنا يسوع المسيح" ليس أمراً مُصطنَع التقدير، بل هو بكل قوة في سياق الكلام،

   فمدخل الرسول في هذه الفقرة إلى تعيين لاهوت الآب الحقيقيّ وحده بنسبته للابن، أنه كان يُكلِّم مؤمنين جدد سابقي الحياة في الوثنيّة، ولا يزال حولهم وثنيّون، وكانت الآلهة التي تُغرِق عقليّاتهم هي آلهة من التماثيل، وآلهة من الكواكب، وآلهة من الأساطير، وآلهة من البشر..

   وقد ذكر الرسول فعلاً ما يفيد حضور هذا التأليه لأسماء مُعظَّمة لدى البشر تعظيم

الآلهة في (أف1: 21)..

   هناك إذاً آلهة يكرز بها الفلاسفة وآلهة يمجِّدها الشعراء، وآلهة تعظّمها ضروريّات

السياسة البشريّة 

   فكيف يميّز ؟

   الرسول بولس هنا يُميِّز الآب عن هذه الآلهة بأنه "إله ربنا يسوع المسيح".. يعيّنه بمن علَّم به، مقابِل شعراء وفلاسفة وسياسيّي العالم الوثنيّ!

   إنه الإله الذي نراه برؤية ربنا يسوع المسيح، ونتعلَّم عنه ما علّمنا ربنا يسوع المسيح، لأنه لذلك قدَّس وأرسل لنا ربنا يسوع المسيح، هو الإله الذي يعيّنه الرسول بولس في قصده، ويميّزه بإعلان يسوع المسيح له، مُقابِل إعلانات البشر والتُراث والقانون الرومانيّ عن آلهتهم الزائفة..

 

   وفي شاهد قويّ مُتَّصِل، في رسالة متشابهة في بعض الفقرات الرئيسة، إلى مدينة قريبة من أفسس ولها نفس الظروف، يلفت الرسول الانتباه لحقيقة المقابَلَة بين مُعلِّمي العالم وبين المسيح:

   "اُنْظُرُوا أنْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ

ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" (كو2: 8)..

 

   واضح أن هاجس تقليد الناس وفلسفة الغرور كان حاضراً في خلفيّة الذين تلقّوا هذه الرسائل، فلذلك لم يعيّن الرسولُ، في هذا الموضع عينه، الآب بتسميته كعادته: "أبو ربنا يسوع المسيح"، ولكن قال "إله"، لأنه ليس في سياق تعيين علاقة الآب الأزليّة والطبيعيّة بالمسيح، وإنما هو يتكلّم عن اختلاط الآب في أذهان البعض بالآلهة الأرضيّة، فهو هنا يعيّن الآب بصفته إلهاً، ثم يميّزه عن بقية الآلهة بشخص من أعلنه وعلَّم عنه وخبَّر به فوق كل خبر، وهو ربنا يسوع المسيح الذي أخبر عن الآب فوق كل خبر حتى رؤيته التي لم تسبق قطّ قبل تجسد الابن، الذي قال: "من رآني فقد رأى الآب"!

 

 

   ومع هذا التفسير، فالتعبير أيضاً صحيح من حيث عبوديّة المسيح للآب كإله، في زمن الإخلاء (التجسّد على الأرض)، ولكن ليس هذا هو القصد كما ظهر من العرض السابق لاتجّاه سير الفقرة الرسوليّة..

 

 

·         ملء الـله وملء المسيح وملء الكنيسة[iv]

 

   هذا ما قاله الرسول عن ملء الـله وملء المسيح:

   "وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ" (أف3: 19)..

   "إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيح" (أف4: 13)..

 

   وهما مثالان واضحان وبسيطان على "إضافة" ذات "وجه مفعول" وليس "وجه مفعول" أو "وجه ملكيّة ذاتيّة"..

   الملء المذكور هو الملء الذي يملأُ به المسيحُ المؤمنين، وليس الملء الذي يملأ المسيحَ نفسه..

 

   الملء ليس هو كل ملء المسيح ذاته، ولكن الملء الذي يملأ المسيح به كل واحد بحسب ما قدّره له.. والملء هنا لا يفيد "عمليّة" الملء ولكن "موضوعه" (كالقول "ملء الكوب، ويكون المقود هو ما يملأ الكوب وليس عمليّة كبّ الماء فيه)..

 

   وأبسط دليل على أن "الملء" ليس ملء الفرد المؤمن للرب هو كل الشواهد التي تتكلم عن تفاوت مقدار وسعة الواحد عن الآخر، حتى في الإيمان نفسه:

   "كما قسم الـله لكل واحد مقداراً من الإيمان" (رو12: 3)،

   وامتياز نجم عن نجم في المجد:

   "لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد" (1كو15: 41)،

   وفوق الكلّ وجود عظيم وأعظم في الملكوت:

   "ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه" (مت11: 11)..

   وغير ذلك من الشواهد المعروفة المماثلة..

   وعلى هذا الوضوح يكون التساؤل: لو كان المؤمن الواحد يملأ الرب إذاً فغن الرب يتفاوت في ذاته بحسب من يملؤه! وهذا سَخَف..

   إن منطق الشواهد التي تفيد بتفاوت واحد عن واحد في امتلائه بالرب يُلزِم بأن "فكرة أن يملأ أحد الناس المسيح لا يمكن أن تتفق كتابيّاً، وإلا تعدَّد المسيح بعدد من يملئونه—حاشا.. لا يتفق هذا مع امتلاء كل واحد بكل ملء الرب ذاته، وإنما يمتلئُ الواحد بملء الرب بمعنى يمتلئ بالملء الذي يعطيه إيّاه الربُ..

 

 

   فمن يملأ من؟ الرب يملأ المؤمن لا المؤمن الربَّ:

   "وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا"  (يو1: 16)،

   "وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُنَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ"  (كو2: 10)..

   إذاً اللغة المستقرّة في الكتاب تفيد بأن الملء إذا أضيف للرب في سياق الحديث عن انتفاع المؤمن بالرب، فهو "الملء" كفعل وليس كمفعول.. الرب يفعل فعل الملء ولا يتقبّله فيمتلئ هو!

 

   وأما الشاهد المتكلِّم عن "ملء الكنيسة" فكلماته لا تسمح بالتفسير السابق لـ"وجه الإضافة" كما هو واضح، كما أن المعنى نفسه يتّسع من حدود أعضاء الكنيسة أفراداً إلى الكنيسة في مجموعها، فماذا يقول النصّ؟!:

 

 

   "وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ

الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أف1: 22-23)..

 

   هذا الشاهد كلماته تختلف عن سابقيه، كما يختلف معناه بقدر امتياز معنى الكنيسة الجامعة لدى الرب عن معنى أعضائها أفراداً لديه! فيحتاج الأمر للعودة إلى كل معاني كلمة الملء لفهم ما يوافق السياق، وسنجد فيها معنيين: المادة التي يُملَأ بها، والحاوية التي تُملاً!! (وهما معنيان لا يوافقان الشواهد السابقة كما سلَف التبيان، ولكن أمر النَصّ هذه المرّة يختلف كما هو ظاهر)

 

   & وينضبط فهم المعنى بفهم أن الكنيسة هي مادة الملء! المادة التي يملأ بها الربُّ مسرّة نفسه! وهذا

تقبله كلمة "الملء" من بين معانيها..

 

   && ويصحّ أيضاً وبذات قوة الكلمة في أصلها اليونانيّ، أن الكنيسة هي "الحاوية" التي تتلقَّى مادة

الملء (التي هي نعمة المسيح التي تصوِّره هو فيها) لتمتلئ بها!

 

   وجوه الإضافة هنا إذاً هي إضافة الرب لما يملأ به مسرّته ويُكمِل به غايته، أو لما يملؤه هو، وكلاهما

صحيح ومقبول في الإنجيل، وأيهما يقصد الرسول فلا يمكن تحديده، ولكن المؤكد أنه يقصد أيهما أو كليهما،

فالمسيح حقّاً يملأ مسرَّة نفسه ببناء الكنيسة وتجهيزها، ويملأ الكنيسة كحاوية لنعمته، فهي الملء له بهذين

المعنيين!!

  

 

   والآن يليق جمع معاني الشواهد الثلاثة في سيناريو إنجيليّ واحد في فقرة أو فقرتين:

 

   إن للرب قصد أن يجمع جميع أبناء الـله المُتفرِّقين إلى واحد (يو11: 52)، فإذاً هو يفرح بخاطئ واحد

يتوب لأنه يمثل خطورة في طريق تجميع كل جسده، أي الكنيسة (كو1: 24)، ولكنّه لا يمثل تمام غرضه!

ولكن متى تم تجميع كل الكنيسة وإعلان تمام تحقّق قصد اختياره فقد امتلأ تحقيق غرضه، واكتمل سروره

بذلك! هذا هو  الملء الذي تملأ الكنيسة به المسيح.. إنها لا تملأ طبعه، حاشا، ولا تُكمِل كيانه، حاشا، فهو

الخالق لها السابق عليها والرأس لجسدها، ولكن بدون تمامها لا يتم لا سرور الرب ولا تحقّق غايته..

 

   والكنيسة هنا ليست فاعلاً أصيلاً يقوم بعمل الملء، وإنما تعمل في وظيفة الملء ليس من ذاتها ولكن

من نعمة من به تٌوجَد وتتحرَّك وتحيا وتُستكمَل فيه حتى تمام الخلاص، العامل في كل أعضائها أن يريدوا

وأن يعملوا من أجل المسرَّة حتى تمتلئ مسرَّة الرب بعمله ويره حسناً جداً مرَّةً وإلى الأبد..

 

 

   ^ إذاً نحسَب أن الرب يمتلئ بالكنيسة ككلّ كما تمتلئ الكنيسة بالرب، إذ الكنيسة هي تمام مادة الملء

الذي به يملأُ الرب ويستكمِل مسرَّةَ نفسه.. أو هي الحاوية التي يملأها الرب فتكون ملء الرب بمعنى

الحاوِيَـة المملوكة من الرب التي يُسرّ بملئها نعمةً فوق نعمة..

   ^^ ونحسَب أن انتساب الكنيسة للمسيح لا يُلحِق النقص بالمسيح، ولكن يُلحِق الكمالَ بالكنيسة متى تمّ

كل شئ بمجيئه الثاني حين يُحضِرها لنفسه كنيسة بلا دنس ولا غَضْن (أف5: 27)..

   ^^^ ونحسّب أن "الكنيسة ملء المسيح" لا تُعني "نقائص شدائد الكنيسة هي نقائص شدائد شخص

المسيح"، ولكنّها النقائص في الشدائد التي يُكمِلها المسيح عبر زمن الضيق من خلال شهوده وخُدَّامه

الأُمناء، وإنما قد تُسمَّى "نفائص شدائد المسيح" كإضافة نقص الشئ لمقياس كماله، وكتسمية الرحلة

باسم مقصدها وهي لم تصل بعد، وتسمية إيقاع الشر باسم السبب الذي حسد الشرير عليه فدفعه للشَرّ،

فلا يكون الشر منتسباً للقيمة المحسودة وإنما يُسمَّى باسمها من حيث أنه اندفع بغيظه منها، وهكذا

"نقائص الشدائد" هي نقص شدائد المؤمنين المتكاسلين، و"شدائد المسيح" هي الشدائد التي تلحِق بهم

بسبب إيمانهم بالمسيح (تفصيل شرح وجوه الإضافة في بنية المُضاف المُركَّبَة: "نقائص شدائد

المسيح" في موضع مُخَصَّص)..

 

   وبهذا يطمئن من يقلق من تفسير يشطّ للشاهد، فلا مشكلة مع أي مؤمن أن لذّات الرب مع بني آدم وأن غاية قصد اختياره هو إحضار الكنيسة لنفسه بلا دنس ولا غَضْن، وليس في ذلك شطط تجاه الرب بل أقل من ذلك هو الجور على غايته المُعلَنَة إنجيليّا،

   وفي المقابِل لا يطلب من ينشد بتعقّل التعليم بحميميّة وعُمق العلاقة مع الرب أكثر من أن يُعلَن أن مسرَّة الرب لا متلئ ولا تكمَل إلا بإكمال غايته في إحضار الكنيسة لنفسه في الصورة التي يطلبها له كعروس أبديّة له..

   ولا تبقى مشكلة مع هذا النظر في المكتوب إلا لمن يحتقر منطق اللغة أو يحتقر المكتوب أو يحتقر الرب فيما هو يظن أنه يكرمه، ولا مصلحة لطالب فهم وحفظ كلمة الإنجيل مع هذا أو مع ذاك يميناً أو شِمالاً..

 

 

 

·         بِكْر كل خليقة بداءة خليقة الـله:

 

   وأيضاً هذا الشاهد الخطير:

   "اكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ اللَّاوُدِكِيِّينَ: «هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللـهِ" (رؤ3: 14)..

   ومثله قول الرسول بولس عن المسيح:

   "بِـكْـر كل خليقة" (كو1: 15)..

 

   بداية مُلاحظات التفسير أن كلمة "بداءة" في أصلها اليونانيّ تفيد "رأس" أو رئيس"، وقد تفيد بكر..

   والمسيح هو البكر بين إخوة كثيرين..

   وهي ذات الكلمة في الشاهد الثاني المذكور:

   Arxi أرشي، وهي كلمة مألوفة جداً للجميع..

 

   ولكن ولا بهذا يزول الإشكال!

   فاتساع معاني الكلمة الأولى ("بداءة") تجعل الإصرار على وجود مشكلة فيها لَدَد بغير منطق..

   ولكن بعض الإشكال يقع في الكلمة الثانية "بِكر"، وفي أصلها بروتوتوكوس..

   والبكر هو من نوع من يكون بكراً عليهم،

   والرئيس من نوع من يرأسهم والرأس من نوع الجسد..

   هذا ما اعتاد البشر على تكراره في إضافة الرأس أو الرئيس أو البكر إلى خاصّته..

   والمُضاف إليه هنا هو "الخليقة"، فكيف يكون المسيح من الخليقة، حتى لو قيل إنه رأسها ورئيسها وبكرها؟

 

   ولكن الإشكال يزول بالعودة لقاعدة المُضاف والمُضاف إليه بالبحث عن وجوه الإضافة المعنيّة،

   وفي هذين الشاهدين ستظهر سمة دقيقة وطريفة:

   ^ الرب له صفتان!

   ^ و"الإضافة" لها وجهان!

   وكل صفة من صفتَي الرب يعبِّر عن علاقتها بالخليقة أحدُ وجهَي الإضافة..

 

+ فمن حيث لاهوته، فهو رئيس الخليقة وبكرها السابق عليها من غير أن يكون هو نفسه مخلوقاً..

ثم لما كانت الخليقة كلها مخلوقة من أجله (أف1: 4-6؛ كو1: 16)، كانت مُناسَبَة الإضافة منطقيّة جداً من حيث لاهوته،

 

++ ثم من حيث ناسوته، المخلوق، لأنه مأخوذ من عجينة البشريّة المخلوقة،فلمّا كان ظهوره في الجسد هو لتخليص المختارين من الخليقة، وترقيتهم للغرض الأزليّ منهم، وكان عمله في الجسد هو رأس رضا الآب عن الخليقة، كانت الإضافة من حيث ناسوته مناسبة أيضاً..

   ويُذكِّر هذا الشرح ببيت ترتيلة نرتّلها، ذلك الذي يقول:

   أنت بالحب الغني أوجدتني،

   وبذات الحب قد أحيـيـتني..

 

   الرب رئيس الخليقة بلاهوته غير المخلوق، ورئيسها وبكرها أيضاً في ناسوته المخلوق من حيث عمل تجسّده أيضاً..

   العملان: الواحد بداية الغرض والآخر إتمامه،

وكلاهما للرب الواحد،

   التعبير شامل وكامل،

   وليس من صراع بين وجهي الإضافة، ولا استبعاد لتفسير دون الآخر،

   فالتفسيران الواحد يُحتِّم الآخر والتعبير الإنجيليّ صحيح على كلَي الوجهين في الإضافة..

 

   شاهد دقيق جامع للتفسيرين معاً في ذات الوقت،

   في توافق بديع جداً مع وجوه الإضافة المتحقِّقَة في كلماته..

 

   وتبقى مُلاحَظَة دقيقة:

   إن معنى شاهد الرؤيا "بداءة خليقة الـله" معنى شامل لرئاسة المسيح بغير اختصاص هنا لناسوته دون لاهوته أو العكس، ولكن الشاهد البولسيّ "بكر كل خليقة" يأتي في صياغة جملة بديعة بها توازي بين جزئيها، مما يُرجِّح قصد الرسول المعيَّن أن بكورية الخليقة لديه يقصد بها المسيح كابن وحيد أزليّ من ذات طبيعة الآب.. يظهر هذا بالنظر للتقابل في المعنى ما يُظهِر في الجملة عرضاً بديعاً:

   المسيح:

   صورة (أيقونة) الـله غير المنظور

   بِكْر كل خليقة

   التقابل بين خليقة في الجملة الثانية، و"الـله" في الجملة الأولى يستدعي تصوّر أن الرسول قصد إتباع قوله إن المسيح كصورة الـله المنظورة (أيقونة) في تجسده، كان هو بكر الخليقة لدى الـله..

   هو صورة الـله لدى الخليقة في تجسده، وهو بكر الخليقة لدى الـله في لاهوته..

   ليس أنه هو من الخليقة ولكنّه البكر عليها.. وجه الإضافة هو الرئاسة والأسبقيّة بدون تضمين.. المسيح مولود والخليقة مخلوقة، وقد خُلِقَت به ومن أجله لكي تعلن مجده ومحبة الآب له..

 

 

·         نقائص شدائد المسيح[v]

     (هذا الشاهد أكثر تحديداً وأضيق معنى من شرح (أف1: 23)، فيلزم فحص النصّ لتعيين حدود "الإضافة" بدقّة حتى لا يُحَمَّـل الشاهد فوق قصده)

 

   يقول الرسول بولس:

   "الَّذِي الآنَ افْرَحُ فِي الاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ" (كو1: 24)..

 

  هل يُكمِل الرسول أيّاً كان قدره نقائص شدائد الرب؟

   وهل ترك الرب من الشدائد التي كان ينبغي أن يحتملها نقائص أصلاً ليُكمِلها غيرُه حتى لو كان الرسول؟

 

   وهنا يُهلِّـل المستيكيّون" و"يتمستكون" هكذا في التقسير:

   - "النقائص" هي لشدائد الكنيسة بحسب المعنى المفهوم،

   -- ولكن شدائد الكنيسة = "شدائد المسيح" بحسب قول الرسول،

   --- فإذاً الكنيسة = المسيح بشكل أو بآخر! ويستطردون: ولم لا أليست هي جسده؟!

 

   وأمام هذه "الطلعة" يرتبك  أمامهم خصومهم، ويفسِّرون يطريقة:

   - "إنه يقصد ولكن ليس هو تمام قصده  فلهذا فهو يقول هذه التي ليست هي هذه تماماً وإنما هي هذه الأُخرى كما يفهم السامع، السؤال التالي..."

 

    وما كان داعٍ لهذا ولذاك، فالنصّ أضبط وأظهر من أن يرى "المستيكيذون فيه "أسراراً"، وأبسط من أن يُحرِج خصومهم التقليديّين..

   فشواهد الكتاب المقدس  كافية لجعل تفاسير "المستيكيِّين" غير ذات فرصة ولا موضع في بنية الكتاب المقدس، ومنها أولاً قول الإنجيليّ عن الرب على الصليب إنه:

   "رأى أن كل شئ قد كَمَل" (يو19: 28)،

   ثم قول الرب نفسه حينها:

   ""قد أُكمِل" (يو19: 30)،

   أو قول الرب أيضاً:

   "أن المسيح يتألّم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26)..

   ولا شك كان ألم الرب كافياً ليدخل إلى مجده، ثم كان دخول الرب المُتجسِّد إلى مجده كافياً لدخول المؤمنين الذين يقبلون الألم لأجل اسمه..

   فإذا كان كل الكلام عن آلام المسيح نصّاً ومعنىً يفيد بكمال ألم المسيح حتّى الصليب، فكيف يعود الرسول ليصفها بالنقص؟ لا يجوز..

   ولكن أليس المسيح يتألّم في ألم المؤمنين به؟ نعم، "في كل ضيقهم تضايق"، ولكن هذا دليل كمال لا دليل نقص، فالنصّ المعنيّ واضح أنه يتكلَّم عن شدائد فات الكنيسة احتمالها، ويحتملها بولس بدلاً، بينما المسيح يتألّم فعلاً مع الكنيسة قبل بولس وفيه، بل بولس نفسه يحتمل ويُكمِل الشدائد به، فليس النقص في ناحيته الرب..

   هل يمكن أن يُؤخَذ من حمل الرب للخطيّة على الصليب مدخلاً للتفسير؟ حتى هذا لا يُحسِن "المستيكيّون" شرحه، فهم يصل بعضهم إلى تصوّر الرب يستحق عقوبة الصليب كخاطئ لأنه حمل جسد خطيتنا في ذاته!!! ما علينا من هذا هنا، ولكن المفيد في قصدنا أن علاقة المسيح بالخطيّة على الصليب هي علاقة من يحمل حِمل غيره، وليس في هذا في حقيقة أمره نقص! بل هو كمال تمام غاية المحبة والبذل، وبغير ذرّة خطا تلحق بمن يحمل عقوبة وعاقبة خطيّة غيره ويُتَّهَم بها وهو البار البرئ منها لكي يدينها ويدين إبليس الذي يقتل بها.. مشهد الصليب لا يتفق مع تفسير "نقائص الشدائد" لانه على العكس منها هو تمام الشدائد.. لا يتفق إلا عند من يسئ تفسير كليهما!

 

   فإذاً فإن نسبة نقائص شدائد الكنيسة إلى المسيح من حيث هي جسده فما ينقصها يُسمَّى إنجيليّاً باسمه لهو تناقض واضح وغير مقبول لا منطقيّاً ولا إيمانيّاً: ليس من مدخل مقبول له فضلاً عن وجود الشواهد التي تطرده كغريب..

   إنّ شدائد المسيح الشخصيّة كانت كاملة ولا يُنسَب لها النقص إلا من باب الانسياق الأعمى خلف ما لا يعرفُ المنساقون فيه من أين ينبع! واستكمالها مع الكنيسة بقانون "في كل ضيقهم تضايق" هو شبيه بالإفخارستيا التي هي تقديم لجسد المسيح المكسور على الصليب (مت26: 26-28)، ولكنّها ليست تكراراً للصليب، ولا يُعني بقاء زمن لا تزال الإفخارستيا لم تُقدَّم فيه بعدُ أنها "تستكمل" نقائص صليب المسيح"..

 

   طريق التفسير "المستيكيّ" المُختَطَف لهذا الشاهد مُغلَق ولا مكان له في جسد الإيمان بحسب الإنجيل..

   ولكن في المقابِل فإن التفسير لدى الكثيرين من خصومهم يُسمَع مُرتبكاً كما سَلف التعليق، فأين التفسير؟

   سأعود لخبر سارّ لهؤلاء وأولئك من أصحاب التفاسير المُتضارٍبة والتعبيرات المُتَـقلقِلَـة، ولكن يلزم الفهم للمعنى أولاً نقيّاً، قبل العودة به كخبر سارّ للجميع:

 

   فكيف يُفهَم الشاهد المُحيّر؟

   الشاهد ليس مُحيّراً، ولكن الحيرة في غياب القاعدة البديهيّة التي هذه الكلمة بصددها.. لذلك سبق التنبيه بعدم الاستخفاف بشرح البديهيّات..

 

   نحن معنا "مضاف ومُضاف إليه":

   "نقائص شدائد"،

   ثم "مضاف ومضاف إليه" تابع:

    "شدائد المسيح"..

   ومعنا قاعدة تُنبّه إلى استبيان "وجه الإضافة"،

 

   فمع هذا المُضاف المُركَّب نبدأ من الآخر ونستبين وجهَي الإضافة بالتتابع:.

   ما هي شدائد المسيح المقصودة؟

   هل هي الشدائد التي تحمّلها الآ بنفسه في الجسد؟

   حاشا - فقد أكمل الرب شدائده، والكلام هنا يتكلّم عن شدائد ناقصة..

   فما هي؟

   إنها الشدائد التي تلحق بالمؤمنين بسبب إيمانهم بالمسيح..

   شدائد الكنيسة بسبب تمسّكها بالمسيح وعملها في الكرازة به..

   ما هو الدليل؟

   في ذات الشاهد يبدأ الرسول هكذا:

   "الآن أفرح في آلامي لأجلكم" (كو1: 24)،

   كما يعود بعدها فيقول:

   "أريد أن تعلموا أي جهاد لي لأجلكم" (كو2: 1)..

 

    الخُلاصَة الفنيّة لتعيين وجهَي الإضافة:

    @ وجه الإضافة بين "النقائص" و"الشدائد" واضح من السياق القريب وهو حمل الرسول للشدائد بدلاً من الكنيسة ومن أجلها، فما يزيد على الرسول من احتمال ينقص من إصابة الكنيسة!

   @@ ووجه الإضافة بين "الشدائد" و"المسيح" واضح بالأكثر: كم السياق القريب، والسياق الكتابيّ العامّ، وبموافقة اللغة: إنه إضافة الشدائد لمن تأتي بسبب الإيمان به ومن يلزم اجتيازها لاستكمال الشهادة له..

 

   والآن لمزيد من إيضاح قوة هذا الحل بأسلوب أقرب، في مُقابِل التفسير المُختَطَف، أسوقُ هذا المثل:

   أب يحفظ لابنه ميراثاً عظيماً، ولكي يُؤَهَّل لنواله يلزمه التربية الحسنة، وتلك تستلزم الشدّة والتأديب.. ومايزال الأب يسمح بشدائد التأديب على الابن، وهناك حُسّاد لهذا الابن بسبب ما يعملونه عن ميراثه المُنتَظَر الذي لا نصيب لهم فيه، وأولئك ينقمون على الابن ويدبّرون له المكائد والضيقات، فيجد الأب في حروبهم تأديباً عمليّاً وطبيعيّاً لابنه، ويجد في إفساحه الطريق لهم لمضايقة ابنه ما يسدّ أفواههم ويخرسهم حين نوال الابن للميراث! فلتلك الحِكَم ولغيرها يأذن الأب ويقبل تعرّض ابنه للتأديب، الآتي منه شخصيّا مُباشَرَةً، ومن الحُسّاد تحت إذنه،  ليستكمل اللازم من المران والتأديب وتأهيله لنوال للميراث.. ولكنّ الابن في ضعفه يرى في شدائد الأب ما يدعوه للتكاسل والهروب من احتماله، فهنا شدائد وفيها نقائص، والشدائد تثنسَب للأب لأنها بتدبيره وبإذنه وبغاية الوصول لنوال ميراثه، وهنا نقائص في استكمال احتمال هذه الشدائد، فهل تُسمَّى تلك النقائص (نقائص شدائد الأب) بهذا الاسم لأن كسل الابن يُنسَب للأب؟ أم لأن الشدائد هي شدائد الأب بالمعنى التلقائيّ المباشر السالف تبينه، والنقائص هي نقائص تلك الشدائد؟

   كان هذا مثل يُظهِر أن إلحاق النقائص بالشدائد لا يجوز اعتباره ولا حتّى على منحى أدبيّ لعلاقة الابن بأبيه، كم بالاولى لا يجوز على اعتبار علاقة الوحدة العجيبة بين المسيح والكنيسة؟

 

   وجه الإضافة البسيط المشروح هنا هو وحده ما تبحث عنه التفاسير القلِقَة والشاطّة، المنزعجة والمُزعِجة..

   أتعلمون ماذا؟ إن هذا الفهم الصحيح البسيط المُباشِر للّغة يحقِّق الغرض الصحيح الذي قصده "المستيكيّون" فاخطئوا التعبير عنه، ولكن انظروا كيف يحقِّق الفهم السليم لوجه الإضافة لقصدهم:

    إن نقائص الشدائد التي من أجل المسيح يشاركنا المسيح فيها، ولكنها لا تنقصه أن يتمِّمها في نفسه لكي يكون لنا نصيب معه، بل تنقص أن يتمِّمها في كنيسته لكي تُكمِل زمن التدبير الأخير وتترقَّى في استعدادها لمجيئه.. وأما ما يخصّ ألم نفسه بذاته فقد أتمّه تمام الإتمام بغير نقص، حاشا له..

   إذاً هذه الشدائد تُنسَب للمسيح: ("شدائد المسيح")، ولكنها تُنسَب له لا إلحاقاً بعمله بالجسد في زمن وجوده على الأرض، ولكن عن طريق نسبتها للمؤمنين به، وهو لا ينفصل عنهم، هذا تمام التمام.. وهذا أعلم أن جميعهم يقصدونه (مستيكيون وغير مستيكيّين) ولكن التعبير حين يختلّ منهم تترجرج المعاني ولا يبالي الكثيرون للأسف.. وهن تظهر قيمة ضبط "وجه الإضافة" لتعيين نقطة قصد المعنى واتجاه ارتباطه الحتميّ ببقيّة المعاني دون تجاوز وخلط..

   وبقولٍ أخير:

   إن المسيح في ذاته أتمّ كل شئ، حتى لم يبق شئ ليعمله في ذاته، ولكن يبقى أن يُتمّ في الكنيسة تشكيلها على صورته هو.. فكان وجه إضافة الشدائد له في البداية وجه إضافة شخصيّ ومباشر، ثم وجه الإضافة الثاني وجه إضافة لاحق ونسبيّ.. وليس بعد ذلك شرح!

   وبهذا أكون قد أوفيتُ بوعدي، قبل بضع فقرات،  بتقديم خبر تفسيريّ سار لفُرقاء تفسير ذلك الشاهد J

   وبعد أخيراً، أعود فأسأل المتشبثين باختطاف نصّ وتصوّر معناه بحسب تهاويم غير مضبوطة بألفاظ صريحة وقاطعة:

      هل انتساب الكنيسة للمسيح يُلحِق النقص بالمسيح؟ أم الكمال بالكنيسة؟

   هل قبل تحقيق كمال الكنيسة حال إحضار الرب إيّاها لنفسه مجيدةً لا دنس فيها ولا غضْن (أف5: 27)، وعندما تكون لا تزال في مشوار النقص عبر الزمن، هل نقصها يكون نقصاً في شخص المسيح؟ أم يكون دعوة لها لكي تسعى لعلها تدرك كمالها المُعَدّ لها في المسيح؟

   وإذ أقول كمال الكنيسة في المسيح، لا أقول مساواة الكنيسة له، حتى وهي في كليّتها وفي تمتعها بمجده فيها، بل أقول كمال المسيح في الكنيسة هو تحقيقها ما يساوي كل ملء سرور المسيح بتمام عمله فيها.. وأُكرّر: الآخذ لا يساوي المانح وإن تماثل معه، ولا يضمن دوام تمتعه بما أخذ بدون دوام رضا المانح عليه، وفي هذه وتلك فليست هناك مساواة، مع تحقّقها بالمعنى المشروح بدقّة! ثم حين تزيد النظرة تعييناً لأعضاء جسد المسيح أفراداً، فهم كأفراد لا يساوون حتى تمام سرور المسيح، الذي دعاهم ككنيسة ولا يمتلئ سروره بفرد منفرد حتى يقال إن العضو المنفرد يملأ شخص المسيح بأي معنى كان..

 

 

·         حرية مجد أولاد الـله:

 بق عرض هذه الفقرة منفردة على فيسبوك وهذا رابط لها)

 

   ثم أخيراً هذه، ويتوقَّع من يتابعني أني لا اتركها قبل الختام :)

   "لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ" (رو8: 21)..

 

   "حريّة مجد أولاد" الـله ليست "حريّة أولاد الـله"!

   ولكنها حريّة كل الخليقة حين يُعلَن مجد أولاد الـله..

 

   هذه بينة مضاف ومضاف إليه جديدة لا ينظر لها "المُكثرون في الاستشهاد بهذا الشاهد" كما تستحقّ..

 

   أعلم أن جميع المتكلِّمين "يستَطعِمون" التعبير ، ويُضمِّـنُـون إيّاه في العظات والندوات والمناقشات، أو بغير قراءة إطلاقاً له في موضعه الكتابيّ ..

   ولكنكم تعلمون بالمقابِل أيضاً رأيي فيهم، ولن تردني كثرتهم عن إثبات رأيي..

 

   وصحيح المعنى موصول:

   "حريّة مجد أولاد الـله" مبنيّة على "مجد أولاد الـله"، و"مجد أولاد اللـه" يتضمن بالضرورة حريّتهم، ويمكن اعتبار استخدام التعبير سليماً من باب "التناًصّ"[vi] لا "التفسير"..

   ولكن المشكلة أن الذين يستعملونه بإفراط لا يفرِّقون بين "تناصّ" و"تفسير"، ويسوقون المعنى على أنه ليس حتى تفسيراً بل على أنه هو المعنى المُباشر للشاهد الكتابيّ!!

   والنصّ الكتابيّ إذا وُضِع في غير موضعه الدقيق فقد شيئاً من معناه، وزاد السامعين غُربَـةً عن الكتاب المقدس..

 

تماشوا معي على قدر عقلي هنا..

فالنصّ ينبغي أن ينضبط فهمه، فإن لم يكن الضبط فارقاً لديكم، فاخدموا عموم الكنيسة بالحفاظ على بيئة تفسيريّة صحيحة!

 

   ومن حُسن حظ قارئ الترجمة العربيّة أنها دقيقة في هذا الموضع في ترجمة الأصل اليونانيّ الذي يورد حالة مضاف غليه مباشر بغير أي تضمين، بينما أوردت أشهر الترجمات الإنجليزيّة "مضاف في شكل صفة وموصوف" فجاءت هكذا: "الخليقة ستُعتَق للحرية المجيدة التي لأولاد الـله"!! وهذه ترجمة تفسيريّة ولا شك، وأيضاً فوق عدم دقتها، فتفسيرها خاطئ، لأن الخليقة ليس لها نصيب في مجد أولاد الـله، لها حريّة نعم، ولكن مجد أولاد الـله أمر خصوصيّ.. انظر تفصيل الرد في هذه الفقرة في النسخة الإنجليزيّة من المقال..

 

  

 

   القَصْر الإضافيّ

   Relative Limitation  

    أداة المنطق اللغويّ التي تُخْرِج المُفَسِّر من أنفاق مظلمة!

    

 

   القَصْر الإضافيّ مُصطلَح معروف في النحو العربيّ،

   ويمكن ترجمته (الترجمة لي) هكذا: Contextual Limitation  أو Relative Exception

   ولن أتوقَّف عند حدود المُصطلَح، بل أتناول معه القَصر المعنويّ حتى وإن لم يُحسَب بظاهر الألفاظ قَصراً.. كما أعفي القارئ من تفاصيل الشرح المُعتادَة، فإن القصد هو المبدأ الرئيس للمعنى..

 

   وإلى المفيد:

   ما هو القَصْر الإضافيّ؟

   هو ببساطة أن يقتصر القَصْر على استبعاد طائفة مُحدَّدَة في السياق المنسوب للحديث، ومن هنا تأتي صفة "إضافيّ" أي منسوباًُ إلى حيّز مُعيَّن..

   مثلاً إذا قال واحد لا أشرب إلا القهوة، فهذا لا ينفي بالضرورة أنه يشرب الشاي، بل يلزم النظر في سياق حديثه، فربما كان المعروض عليه وقت كلامه القهة والمُثلَّجات والعصائر..

   يبدو الكلام بديهيّا، لا يُعقِّده إلا إضافة المُصطلحات والترجمات عليه؟

   صيراً حتَّى تطبيقه في نماذج تفسيريّة:

 

 

   أمثلة كتابيّة

   للقَصْر الإضافيّ

 

·         مثال 1:

 

   قال الرب مُخاطباً الآب:

   "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو17: 3)..

   هنا يظهر قَصْر لقب "الإله الحقيقيّ" على الآب..

   فهل هذا يستبعد الابن والروح القدس؟

   كلام الرب وكل كلام الإنجيل، بل ومُفتَتَح كلام الإنجيليّ يوحنا نفسه الذي سجَّل هذا القول للرب لا يقبل هذا..

 

   فكيف يُفهَم قصر لقب "الإله الحقيقيّ" على الآب؟ افتتاح القول نفسه يفيد في توجيه الفهم، إذ قال الرب: "هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك ..."

   إنه قَصْر إضافيّ محدود بحدود القصد، والقصد يمكن التماسه من بدء كلام الرب عن الحياة الأبديّة!

   إذاً الاستبعاد يخصّ الآلهة الزائفين الذين يأتي من معرفتهم الموت..

   من هم؟

   - إبليس إله هذا الدهر (2كو4: 4)، رئيس العالم (مت4:9؛ يو12: 31، 14: 30)، والموت قد دخل إلى العالم بحسده (القداس القبطيّ المنسوب لباسيليوس الكبير)، وهو قتّال للناس منذ البدء (يو8: 44)، ويرسل عملاءه ليذبح ويهلك اتباعه بهم (يو10: 10)..

   -- البطون التي هي آلهة الشرهين الذين "إلههم بطنهم" (في3: 19)، فتطلب بطونهم غذاء الأجساد المائتة ويعملون للطعام البائد (يو6: 27) ومنّ البريّة فيموتون (يو6: 49)..

   --- المال إله لدى الخادمين له  (لو16: 13)، ويقود للموت إذا عُبِد كإله، مِثْل حال الغنيّ الغبي (لو2: 16-21)، وأما من يُخلُص من ظلمه (لو16: 1-12)، ويستعمله بحسب الديانة الطاهرة النقيّة عند الـله الآب، الإله الحقيقيّ وحده، فيحيا ويُقبَل في المظالّ الأبديّة (لو16: 9)..

   ---- وحتى الآلهة البشريّة التي تتسلَّط على الأرض ولكنها لا تُعطي حياة لأنهم هم أنفسهم مثل البشر يموتون..

والآن بإثبات أن الألوهة الحقيقيّة هي للآب، وبتثبيت النظر عليه وحده، يظهر بالتبعيّة حتميّة ألوهة الابن كلمة الآب والروح القدس روحه..

 

   وأما مَظَـنَّـة استبعاد يسوع المسيح من حقّانيّة الألوهة مع الآب، فالنصّ نفسه بالربط مع كل تعليم الكتاب يكذِّبها.. فإن الحياة كانت في المسيح (فعل كينونة مستمر غير منقضي بداهةً)، لأنه هو القيامة والحياة، والآب أظاه أن يحي من يشاء، والآب فيه، فلو كان الابن مُستبْعَداً من ألوهة الآب الحقّانيّة وحدها، فالآب نفسه يكون بلا حياة فيه - حاشا!!!

 

   هكذا إذاً يسير المعنى:

   + استبعاد المقصود استبعاده،

   ++ تثبيت المقصود إثباته،

   +++ استكمال المعنى ممّا ثبت إثباته..

بغير الانتباه لهذه القاعدة اللغويّة البسيطة، التي بدَت بديهيّة لحد الاستخفاف في البداية، فإن تفاسيراً مُرهِقة، يظهر قلقها من نبرة الذين يشرحونها، ستبقى وتُرهِق الكثيرين بغير داعٍ أصلاً..

 

 

·         مثال 2:

 

   قال الرسول بولس:

   "يجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة..." (1تي3: 2)..

   ويُنتَظَر من النـَزِقين أن يختطفوا الشاهد ويضعون كل خطوطهم تحت كلمة "يجب"، فلا يكتفون بالمطالبة برسامة المتزوجين أساقفة (ليست هذه قضيّتي هنا)، وإنما يزيدون ويطلبون عدم رسامة غير المتزوجين (بعضهم يفعل ذلك فعلاً لمراضاة أعداء الرب بالهجوم على الكتاب المقدس تحت ادّعاء الهجوم على إدارة الكنيسة فقط)..

   ولكن:

   * الرسول بولس نفسه غير متزوّج (1كو9: 5)،

   ** بل ويطلب أن يكون الجميع مثله، إلا لسبب الضيق الحاضر (1كو7: 5،6)،

   *** ويذكر أساقفة ورُسل غيره بمديح ضمنيّ لبتوليتهم، مثل برنابا (1كو9: 6)،

   *** ثم الدليل القاطع أنه لم يقصد وجوب أن يكون الأسقف متزوجاً، الدليل القاطع حاضر في المشهد في ذات شخص المُخاطّب مُباشرَةً بهذه الرسالة، وهو الأسقف تيموثاوس الذي أقامه الرسول بولس نفسه (1تي4: 14)، والذي كان بمثابة رئيس أساقفة إذ يرسم هو أساقفة بنفسه، بدليل ذات الشاهد الذي يعترض به من لم يقرؤه (2تي3: 2)، هو نفسه تيموثاوس لم يكن متزوّجاً ويدلّ على ذلك وصيّة الرسول له بالهروب من الشهوات الشبابيّة (2تي2: 22)..

   **** وحتّى الآن لم أستمعل في تقدير حدود قصد النصّ أكثر من الأدلّة النصيّة والسياقيّة، ولم أُحِل إلى التعليم الأشهر في هذا الموضوع الذي نطق به الرب نفسه (مت19: 10-12)..

   إذاً كل الطرق تقود لسخافة فهم "الوجوبيّة الشاملة" في النصّ الرسوليّ..

   كأنما أولئك يفترضون أن الرسول بولس يمتدح البتوليّة، ويطلب ان يكون الجميع مثله، ويقيم هو نفسه الأسقف الذي يخاطبه هكذا، ثم يقول له غن كل ذلك كان مخالفاً للوجوبيّة التي يوصيه بها..

   أولئك يفترضون أن الرسول الحكيم ليس فقط قد فقد ضميره- حاشا، بل أيضاً فقد عقله!

   فكيف يمكن أن يستقيم النصّ؟

   إنه قَصْر إضافيّ واضح السياق جداً جداً..

   السياق هو وثنيّون تحوّلوا للإيمان المسيحيّ،

   وليست البتوليّة أمراً معروفاً أصلاً بينهم، بل ولا حتى كانت بين اليهود،

   بل على العكس كان المتوفّر تعدد الزوجات، أو على الأقل تكرار الزواج بعد طلاق أو بعد موت..

   فإن القَصر ينصبّ في هكذا بيئة على منع إقامة من تعددت زوجاتهم على أي نحو..

   يقول واحد: ولكن الكلمة هنا هي "يجب" وليس هناك قَصْر بل وصيّة إيجابيّة..

   والإجابة أن "يجب الشئ" = "يجب ألا يُفعَل عكسه"..

   فلماذا لم تظهر كلمة "ألا" صريحة؟ لأن السياق الواضح من كل جهة يُظهرها بما يكفي،

   وحال الناس المفرطون في عكس تلك الوجوبيّة يجعل ذكرها نافل..

 

   فحين يكون الرسول المتكلِّم والأسقف السامع، والوصية الرسوليّة العموميّة، كل ذلك في جهة، وحال الناس في جهة أُخرى، ومطلوب تقريبهم لجهة الوصيّة، فبداية القول لأولئك البعيدين هي: "اقترب" وأما القول: "تعال إليّ تماماً" فتكون تثقيلاً على الكلام، وإنما الوصيّة تقول اقترب، ويفهم السامع الجهة المطلوب السير فيها..

 

 

·         مثال للقَصر الشامل دون إضافة محدودة:

 

   الأمثلة السابقة ثبتَ فيها إضافيّة القَصْر وتبيّنت حدود الإضافة المعنيّة، ولكن يلزم الانتباه أن هناك قَصْر شامل (يشمل كل ما هو غير المقصور عليه)، بغير إضافة تضيّق حدود عمله، فمتى يكون القَصْر شاملاً لا يُنظَر لإضافة فيه؟

   ذلك عندما يزيح المتكلِّم كل مظنّة سياق حاضر أو ضمنيّ، بصريح قوله، لتأكيد شموليّة القصر:

   وهذا مثال يشمل الحياة الأبديّة كلها كرز به الرسول بطرس:

   "ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطِي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع4: 12)..

   ولا أوضح: ليس اسم آخر تحت السماء..

 

   لا أوضح للشمول ولا أشمل للوضوح، فإن غاب هكذا وضوح، فإن التعميم لا يكون إلا من ضعف العقل أو مرض القلب..

 

   إن فهم القَصْر في الكتاب المقدس مثل فهم الوصيّة، من يضيّق في قَصْر فوق حدوده قد يفقد عنصراً من الإيمان، ومن يوسِّع فيه قد يُدخِل ثعالب من ثعالب الشيطان.. والكلمة تكون واضحة لمن التفت لها، وما كان كل هذا المقال إلا معونة نظريّة لذوي الشغف لضبط كلمة الرب بلغة نحويّة ما كانت لتغيب بديهيّاتها حتى عن غير المُتعلِّمين لولا تداخل الغرباء عن الكلمة، الذين ينبغي دوماً قَصْرَهم عن التداخل قَصْراً إضافيّاً مضافاً إليهم وجدهم J

 

 

 

وروابط متعلقة على فيسبوك:

الكلّ عن كلمة "كلّ"-- ثلاثة أجزاء:

https://www.facebook.com/notes/christopher-mark/10151937397199517

https://www.facebook.com/notes/christopher-mark/10151943859039517

https://www.facebook.com/notes/christopher-mark/10151948385464517

 

المضاف والمضاف إليه (النصف الأول من هذا المقال)

https://www.facebook.com/christopher.mark.5095/posts/10153146498149517

 

القصر الإضافي (النصف الثاني من هذا المقال)

https://www.facebook.com/christopher.mark.5095/posts/10153121330819517

 

 

روابط لمواضيع مرتبطة على هذا الموقع:

النسخة الإنجليزيّة من هذا المقال

http://www.copticyouth4holybook.net/a_genitive.htm

الكل عن كلمة "كلّ"

http://www.copticyouth4holybook.net/a_exeg_all.htm

 



[i] Locations of the Article in Arabic:

 ‘Coptic Youth 4 Holy Book’ Version   FB Version (Part I   Part II)   Winword Docx Version

English Draft Version:

 ‘Coptic Youth 4 Holy Book’ Version   Winword Docx Version

 

[ii]  لم يسبق أن قُدِّمَت مادّة هذا المقال قبل عملي المتواضع فيها، في حدود ما أعرف من معرفة ليست بقليلة بحال المكتبة القبطيّة.. وفيما بعد قدَّمت نفس المادة في مناقشات في غير اجتماع وعلى الإنترنت منتديات وبرامج صوتيّة مثل بالتوك.. ولكن ظهر بعد ذلك بسنوات أول إشارة لاستعمال هذه الأداة اللغويّة على صفحات مجلّة الكرازة في مقال لدكتور موريس تاوضروس أستاذ اللغة اليونانيّة، وكان يفسِّر قول الرسول عن "ملء المسيح" ضمن حملة لمهاجمة أفكار الأب متَّى المسكين! ليس موضوعي الدخول في نقد تحليل دكتور موريس للشاهد الكتابيّ كما أن نقد فكر ولغة الأب متَّى بذاته ليست موضوعي أيضاً، ولكن تعرّضي لهذه الشواهد في المتن جاء نقيّاً وفيما يتّصل بأصل الموضوع فنيّاً.. وينبع من خدمة زمن سابق بسنين على مقال الدكتور موريس. أسجِّل هذا تبرئة لموضوعيّتي النقيّة، وأيضاً إثباتاً لمواضع وطرق استعمال هذه المادة لاستكمال العرض.

 

[iii]  أوَّل مرة صادفني سوء فهم هذا القول الرسوليّ كان على بالتوك وكنت حديث الدخول بطلب من البعض، وكان الرد جاهزاً ما لم يتوقّعه المُعترَض، ودار حوار مثير جداً انتهى نهاية ولا أقطَع J، ولا ينساه كل من حضره! ولقد سجّلتُه كتابّة في صفحة مجاوبات، (الرابطان غير مُفعَّلَين وقت كتابة هذا الهامش)، وأما نسخة كتابته الأولى في صورتها الخام (RTF Format)  فمرفوعة في مجلد مضغوط، ويبحث عنها الشغوف بالاطّلاع تحت اسم "آية قاطعة الدلالة" في هذا المُجلَّد:

http://www.4shared.com/folder/8A2x4d4M/Distinguished-Dialogs.html

 

 

[iv]   شواهد الملء مشهورة الاستعمال بين "الآبائيين" المحدثين، ويبالغون فيها.. وأما خصومهم الرسميّون فلم يحسنوا الإجابة بمنطق لغويّ سليم ولا بفهم كتابيّ إيمانيّ سليم أصلاً، فحدث التداخل بين أخطاء الفريقين وأمسك كل فريق بخطأ الآخر في موقف أشبه بحالة القفل الميت Deadlock..

ومتأخِّراً قُدِّم بعض الجهد العلميّ العاقل في تفسير الشواهد (انظر الهامش الأول)، ولكن أتى متأخِّراً ومبتسراً، وضاع في "زيطة" العراك.

   ولا أستعفي من القول أن هذا المجهود المقصود لم يكن جديداً لديّ، فقد سبق شرحه بتفصيل وتدقيق في الدائرة المحدودة المحيطة بي، وتسجيلُه من ثَمَّ في مكتبتي المتواضعة التي منها هذا المقال نفسه..

 

[v]  هذا الشاهد كان أول ما استعملت الشرح الوارد في هذا المقال لتفسيره في اجتماع عام.. يعود ذلك لأوائل تسعينيّات المئة العشرين، وفيما بعد بنحو 15 سنة ظهرت معركة بين أسقف ومطران (يضيع من ذاكرتي اسم الأسقف فأؤثر عدم ذكر خصمه بالسويّة، وعلى كل حال فهي مُساجَلَة معروفة لدى المعنيّين المتابعين للشان القبطيّ المُعاصِر).. بدأ الأسقف بالتفسير "المستيكيّ" فرد عليه المطران بالتفسير المضاد، واكرِّر ان مادتي التي قدمت فيها شرحي المتواضع كانت  نقيّة موضوعيّة سابقة بسنين على المعركة، ولا ادّعي أنني قدمت شيئاً نقله الغير عنّي، ولكن أثبت التاريخ كما هو، فما كنت أقوله أولاً كرّرته على الإنترنت في ساحة مفتوحة ومسموعة ولها شهودها. انظر الهامش الأول.

 

[vi]   "التناصّ" (أو "التضمين") Transtextualization هو نقل نصّ من موضع واستعماله في موضع آخر ليس بقصد تفسيره في موضعه، ولكن بقصد استملاح إعادة توظيفه، أو الاستعانة بقوّة تأثيره، او لإضفاء الإيحاء بتشابه الموقفين بين موضعه الأصليّ والموضع المُكرَّر استخدامه فيه.. بعض استخدامات التناصّ قد تنبني على تفسيره ضمناً في موضعه الأصليّ بتفسير مماثِل لسياق استخدامه في موضعه الجديد، ولكن ليس دائماً الأمر هكذا.. ومن أمثلة "التناصّ" بغير تفسير اللطيفة اعتياد بعض الطلبة بعد الخروج من الاختبارات ومراجعتهم في إجاباتهم أنهم يقولون: "ما كتبتُ قد كتبت" ومثل هذا..

    أما لماذا وصفتُ الشاهد المعنيّ في المتن أن استعماله هو "تناصّ" سليم ولكن تفسير غير سليم، فذلك لأن المعنى المقصود التعبير عنه الذي هو (أولاد الـله هم في حريّة مجده) هو معنى صحيح في ذاته، فيصحّ استعارة النصّ الكتابيّ للتعبير عنه، ولكن النصّ في موضعه الأصليّ لا يقصد هذا وليس هذا تفسيره..               

    وهو نوع شائع من الأخطاء، على كل حال، أن يُعطَى الشاهد الكتابيّ تفسيراً خاطئاً كتفسير، ولكن يكون مضمونه صحيحاً في ذاته.

وجه الإضافة - خطورته في التفسير، مع تطبيقات على أمثلة رئيسة




   







Site Gate    Main Table of Contents    Exegetical Technicalities(Mother Page)    Sign Guest Book