أحزاب .. ما قبل التاريخ!

 

جريدة الأخبار

6 نوفمبر 1997

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تي إف لنص المقال

 

بقلم المهندس:

باسل لمعى

 

ما رأيك يا عزيزى القارئ فى مصاحبتى لجولة ميدانية فى حقل السياسة الملغوم لتشاركنى على الطبية ملاحظة تؤرقني.. وأعدك أن نخرج من هذا الحقل الملغوم سالمين إن شاءت العناية الإلهية.

ولكى نؤَمن أنفسنا من البداية فإننى أؤكد أنه كلما وردت كلمة "حزب" فى الكلام، فإن المعنى المقصود ليس هو المعنى السياسى الاصطلاحى حسب قانون الأحزاب، وإنما المعنى اللغوى الأصلى الذى يفيد مجموعة من الناس تتفق فى شئ ما ..

والآن فلندخل فى الموضوع

السادة اللاعبون فى ملعب السياسة المصرية غارقون فى الماضي.. هناك حزب يدعو للعودة بمصر إلى أيام الخلافة العثمانية "و ما قبلها إن أمكن" .. أى مائة عام للوراء على الأقل .. وحزب آخر معتدل يكتفى بالعودة للوراء خمسين عامًا.. "معقول بالنسبة لغيره" .. وألدّ أعداء هذا الحزب هو الحزب التقدمى الذى يسخر من هؤلاء الرجعيين الناظرين إلى الوراء.. ولأنه ينظر للمستقبل فهو يرفض بشدة التقهقر للوراء مائة عام أو حتى خمسين ويكتفى بالعودة للماضى ثلاثين عاما فقط.

اطرح عزيزى القارئ "30" من "1997" لتعرف المستقبل الذى يعنيه هذا الحزب للبلد!!

وللتسهيل سأدعو هذه الأحزاب الثلاثة هكذا: حزب ما بعد الثورة وحزب ما قبل الثورة وحزب ما قبل التاريخ.

و أكرر هنا – حرصا على سلامتنا الشخصية أنا وأنت يا عزيزي- أن المقصود بكلمة حزب هم أى جماعة يتفقون فى الرأى والتدبير، ولا أقصد إطلاقا حزبا شرعيا تمت الموافقة عليه من قبل لجنة الأحزاب الموقرة.

***

أظن وأخالك تظن معى عزيزى القارئ أننا نجحنا فى وضع هؤلاء الأخوة الأعداء فى سلة واحدة .. أما أنهم أعداء فلأن لكل منهم منهجه السياسى المتضارب مع غيره .. وأما أنهم أخوة فلأن جميعهم يوجعون أدمغتنا بانجازات الماضى .. أىّ ماضي..

وأظنك يا عزيزى تتفق معى فى خطورة هذا الاتجاه الغارق فى الماضى والتائه فى صراعاته التى مات أغلب أطرافها وأهل السياسة فى بلدنا يأبون دفنها مع أصحابها ويستلذون تغيبنا عن واقعنا والتيه فى ماضيهم المزعج..

وأظنك تنبهت الآن أن جرائدهم - إن كنت تقرأها – تحوى الكثير عن أمجاد ماضيهم ومساوئ ماضى خصومهم.. كله ماضى فى ماضى بدون أية فائدة يجنيها القارئ باستثناء هواة التاريخ.

أما برامجهم المزعومة والتى يفترض فى أصحابها أنهم دخلوا مضمار السياسة للترويج لها والتى يفترض أنها تناقش واقعنا من وجهة نظر أصحابها فلن تجد لها أثرا يذكر..

 وأظنك تحققت معى من أن الضجيج الذى ينتج عن خلافاتهم الشرسة يُخفى عن أعيننا حقيقة اتفاقهم فى الخط العام لمنهجهم السياسى الذى هو الحياة فى الماضي.. وكل من له ماضى يبكى عليه.

***

و طالما أصبحوا فى سلة واحدة أمامنا – رغم خلافاتهم الظاهرة – فلا تستبعد عزيزى القارئ أن يوحدوا جهودهم ضدنا أنت وأنا لأنهم سياسيون حصفاء يدركون خطورة القوة الناشئة من اتحاد الكاتب والقارئ "صدقنى نحن قوة لا يستهان بها".. ثم أنهم لا يستنكفون من التكتل فى خندق واحد ضد الخطر المشترك "الذى هو أنا وأنت" وأغلب الظن أنهم سيصفون هذا بأنه التعالى فوق مستوى الخلافات .. وكأنهم يعترفون بأن خلافاتهم تنشأ من كونهم دون المستوى .. وليس من قناعة كل طرف بفكره.

ومع هذا فإننا يا عزيزى القارئ لن ننكر عليهم تكتلهم علينا شرط أن نسميه باسمه الحقيقى الذى هو تحالف مؤقت وصولا لمصلحة محددة – وبعدها ينفض زواج المتعة هذا بينهم.

ولأننا نحن أيضا يا عزيزى القارئ لنا نصيب معقول من الحصافة السياسية فإننا لن نستهن باتحاد سياسى مصر ضدنا، وعلينا أن نتمرن لمواجهتهم. واقترح عليك كوسيلة للتمرين أن نسجل حججهم وردودنا فى صورة حوار حتى تصبح الأمور واضحة فى أذهاننا ونكون مستعدين لمجاوبة كل من يوجع رؤسنا بشعاراته الرنانة، وفضح مغالطاته.

***

على وعد أن نلتقى لاستكمال التحليل فى المقال القادم[i] إن عشنا للمقال القادم أتركك عزيزى القارئ تفكر فى هذه القضية وأُذَكِرَك بأننى لا زلت عند وعدى لك بالخروج من هذا الحقل الملغوم سالمين.