مجرد.. حوار[i]

 

جريدة الأخبار

23 يناير 2000

صورة ضوئية للمقال

نسخة آر تي إف للمقال

 

بقلم مهندس:

 باسل لمعى

 

ربما كان في الحوار الذي دار بيني  وبين أحد الأصدقاء ما يستحق القراءة..

قال صديقي: باعتبارك قبطيا كيف ترى ما تقوله  وسائل الإعلام الغربية كلما وقعت حوادث من قبيل ما حدث في الكشح؟

و قلت لصديقي: باعتباري مصريا فأنا أصر أولا على تنحية وسائل الإعلام الغربية من مناقشتنا كلها.. فعندما تكون هناك دماء مصرية تسال، فلا ينبغي أن تكون قضيتنا أى شئ إلا هذه الدماء.

هذه هى الأولوية التي أقبلها  ولتكتب وسائل الإعلام الغربية ما تشاء لأنه من الحماقة أن نترك الدم يسيل  ونضيع وقتنا في مناقشة تعليقات وسائل الإعلام الغربية على ما يحدث.

ثم أن وسائل الإعلام الغربية لا تملك الحدث إنما التعليق عليه.. ترصد.. تبالغ.. تشوه عن حسن أو سوء نية.. ماشي..  ولكنها تملك فقط رد الفعل..  ولأولوية للحدث نفسه..

قاطعني صديقي:  ولكن سمعة مصر مهمة.

قلت: طبعا مهمة  ومهمة جدا..  ولكن سمعة مصر هى ما يحدث في مصر قبل أن تكون ما يقال عنها   وإذا عالجنا ما يحدث فيها فلن يكون هناك ما يقال عنها إلا كل خير.

قال صديقي بنفاد صبر: إذن فكيف ترى ما حدث باعتبارك مصريا بصرف النظر عما تقوله  وسائل الإعلام الغربية؟

قلت: أن أرى –  ويجب أن تعترف معي – بأن هناك خللا في "بعض نواحى" العلاقة  وفي "بعض" القطاعات بين عنصرى الأمة.

كنا قديما نقول أن المشكلة هى في الجماعات الإرهابية  وهى جماعات منظمة ذات هدف تضرب  وتهدد كل من يخالفها..  والحمد لله فبعد الجهود الأمنية  والإعلامية المكثفة نستطيع أن نقول أن مصر من الدول القليلة التي نجحت في حصار سرطان الإرهاب بها..  ولكن هذه المرة فالمشكلة حدثت بين الناس العاديين  والحادث عفوي لحد بعيد فلو لم تكن النفوس معبأة  ومريضة لم يكن ليحدث ما حدث  وبالشكل البشع الذي حدث.

***

قال: أنا من شبرا  ولم أشعر أبدا بهذا الخلل في العلاقة كما تراه أنت.

قلت مبتسما: أولا أنا لم أقل أن الخلل في العلاقة بل في "بعض نواحي" العلاقة  ولم أقل بين الجميع بل بين البعض القليل.

و ثانيا: فإن المأساة حدثت في الكشح  وليس في شبرا.. فليس معنى أن العلاقة سمن على عسل في شبرا أنها كذلك في الصعيد أو في القرى النائية.. فكما أن شبرا جزء من مصر فالكشح كذلك.. ألا ترى معي أنه نوع من التهريج أن تسيل الدماء في الكشح فنقول بلا مبالاة:  ولو.. المهم شبرا بخير!!..

قال كمن ينصب لي فخا:  ولكن الشيخ طنطاوي  والبابا شنودة لا يألوان جهدا في التأكيد على سلامة العلاقة بين المسلمين  والأقباط،  ولعل عظة البابا الأخيرة في العيد خير مثال على ذلك.. فهل لك رأى آخر؟ هه؟..

قلت: أى علاج تأخذ إذا أصبت بحمى رفعت درجة حرارتك؟

أولا يصف لك الطبيب دواء يقضي على الميكروب المسبب للحمى.

و ثانيا فإنك لا تنتظر حتى يأتي الدواء بمفعوله بل تبادر بوضع مكمدات باردة لتخفيض درجة الحرارة..  وهذا العلاج الأخير هو بالضبط ما يفعله فضيلة شيخ الأزهر  وقداسة البابا.. فيتكلم الشيخ طنطاوي عن سماحة الإسلام  ويتكلم البابا شنودة عن المحبة في المسيحية ثم يتكلمان معا عن صداقتهما الشخصية  وعن مظاهر العلاقة الحميمة بين المسلمين  والأقباط.

كل هذا مكمدات تلطف من درجة الحرارة إذا ارتفعت  ولكنها لا تقضي على الميكروب..  وبالطبع فهما ليسا محل لوم في ذلك بل محل شكر  وتقدير لأنه ليس بيدهما أكثر من هذه المكمدات.. أما الدواء الذي يقضي على الميكروب فهو قضية مجتمع بأسره.. ثقافة  وتعليم  وإعلام  وأمن  وسياسة  واقتصاد.

فأنا لا أسخر من هذه "المكمدات" كحل.. حاشا لي..  ولكنني أسخر من اكتفائنا نحن بها  وتجاهل أصل المرض..  وإلا فقل لي: طالما أن الأديان نفسها تعلمنا السماحة  والمحبة..  وطالما أن مصر بخير  وأن شبرا نكوذج للعلاقة بين عنصرى الأمة.. فلماذا قتل من قتل  وأصيب من أصيب في الكشح؟

***

قال: ما رأيك في وجود مؤامرة خارجية؟ طالمل أن الأحداث تشتعل في أوقات لها دلالتها؟

قلت: لتكن هناك عشرات المؤامرات.. هل لديك وسيلة لردع المتآمرين؟ لا يمكن.. فمن هم بالتحديد؟  وما الدليل على أنهم هم المتآمرون؟  وإن كانوا هم فهل نناشدهم التوقف عن التآمر؟ أم نرد على المؤامرة بأخرى؟..

إن قضيتنا ليست من يتآمر علينا من الخارج بل من يعاونه دون أن يعي من الداخل.. لأن الذي في الداخل يتلقى تعليمه على يدنا  وتحكمه قوانين نصوغها نحن  ويتحرك على أرض نخططها نحن  ونبني نحن عليها..  والذي في الداخل هو في النهاية جزء لا يتجزأ منا.. فكيف تخوض مباراة للملاكمة  وجزء من جسدك مصاب ثم تأخذ على من يلاكمك أنه يضربك على الجزء المصاب بدلا من أن تأخذ على نفسك إهمالك في علاج نفسك.. قال صديقي باستفزاز  وسخرية اقتبسهما مني: لم يعجبك شئ في كل الحلول أو التفسيرات التقليدية التي تقدم.. فأنت ترى الكلام عن وسائل الإعلام الغربية أمرا تاليا في الأهمية  وترى الكلام الطيب الذي يقال في هذه المناسبات حلا لازما  ولكنه ليس كافيا..  وترى الحديث عن مؤامرة خارجية غير ذي موضوع.. هناك فكرة جديدة تماما طرحت مؤخرا ربما تعجبك.. سيغيرون اسم الكشح إلى قرية السلام  والوئام أو المحبة  والتسامح أو شئ من هذا القبيل.. ما رأيك؟

قلت  وأنا أكتم الضحك: خسارة أنك لم تخبرني بهذا من البداية.. كنت وفرت على المقال.

 

 

 



[i]  لغة المقال النافذة السخرية كانت لتصعيد عدم جدوى ما سبق من لغة حكيمة متريثة فى مقال
شكرا.. للكونجرس الأميركى ثم فى مقال أقوى توبيخاً ولكنه يواصل تعهد النصيحة الوطنية النافعة هو
حقوق الإنسان.. المصرى..

ولقد تلقى كثيرون هذا المقال بإعجاب بالغ من نبلاء المسلمين وفهماء المسيحيين أذكر منهم لخصوصية طبيعة وظيفته أسقف الشباب الأنبا موسى..