+

خلاصة تأملات

أسبوع آلام السنين

درافت لحفظ العناوين والأفكار



ملف نصيّ docx للمجموعة



1)       معادلة الفداء:            ه"لانهايتان" ولكن لا تتساويان

ه

2)       حجر زاوية الفداء:       دانَ الخطيّة بالجسد

3)       شرط الفداء:             الحاجة إلى واحد

4)       رئيس كهنة الفداء:      رئيسا كهنة يلتقيان عند الصليب

5)        لُحمة الفداء:             أي خطية صنعها شعبي وأنا لم أحملها

6)       شهادة الفداء:            ما حاجتنا بعدُ إلى شهود

7)       بديهية الفداء:             بدون سفك دم لا تحصل مغفرة

8)       ثمن الفداء:               دَيْن النعمة

9)       بركة الفداء:               الرب كله لنا

10)   دينونة الفداء:             الرب كله عليهم

11)   بانوراما يوم الفداء:     وكان مساءُ وكان صباحٌ يوماً واحداً

12)   دعوة الفداء:             بين أعظم صرختين هَمَسَ يسوع

مع

من بيت عنيا إلى الجلثة

صفحة انترفيس أسبوع الآلام

أبديات في سطور: أسبوع الآلام كل ساعة بأبدية

الجمعة الفارقة

اللص الذي اختطلف اللحطة- جاليري لسرقات اللص اليمن

حقل الفخاريّ: حقل بين نبيّ وإنجيليّ! حقل له اسمان! وثمتان!! وعملان!!!

 

 

1

معادلة الفداء:

لانهايتان لا تتساويان

 

ليست كل اللانهية متساوية مع غيرها.. حقيقة رياضيّة، واكثر وأخطر من ذلك!!!

وسيستبين هذا هنا:

هل يحبني الرب أكثر أم يكره خطيّتي أكثر؟

حلّ هذه المعادلة هو أساس فهم الفداء..

سهل أن يجيب الواحد أنه يحب بلا حدود ويكره الخطية بلا حدود..

ولكن هذا لا يحل المعادلة أمام الضمير..

كما أنه لا يتفق مع صحيح الرياضيات، التي تعترف بتفوق لانهاية على أُخرى..

وما لم تُحلّ المعادلة وتُحسَم لحساب تفوق محبة الرب للخاطئ على كرهه للخطية، فلا يجسر واحد أن يتقدم للرب..

هذه المعادلة هي الحاكمة لسلوكنا الشعوريّ تجاه الرب.. تجدونها من أيام

آدم

وقايين

ومروراً بكبار الفلاسفة كأفلاطون،

وبالتدين الفريسيّ الذي عاند الرب بحجة تكريم الرب،

وبالمبتدعين الذين أتعبوا الكنيسة احتجاجاً بالمبالغة في تنزيه اللاهوت، لاسيما أريوس ونسطور،

وحتى الدين الإظلاميّ المعادي للرب،

إلى أن نصل لعم فلتس المسكين الذي يخجل من دخول الكنيسة بسبب خطيته..

 

هي نفس المعادلة – هل نكرم الرب بخجلنا من خطيتنا وتوارينا عنه بسببها، أم نطمع فيم حبة الرب الذي يقبلنا رغم خطيتنا؟

 

الإيمان المسيحيّ بالصليب قدّم تعديلاً خطيراً في المنطوق: فلا نعود نقول:

"الرب لا يحبنا رغم خطيّتنا فيقبلنا بها"،

وإنما "الرب يحبنا رغم خطيتنا فيطهرنا منها"..

يطهرنا منها لأنه لا يحبها،

ويطهرنا منها لأنه يحبنا ولا يريدنا أن نحمل ما يغضبه منا،

ويظهرنا منها لانه يحب محبته لنا ويحرص ألّا يوجد بيننا ما يفسد رونق المحبة وحلاوتها..

ويطهرنا منها لأنه يحبنا ولا يحب أن تؤلمنا الخطيّة حتى تهلكنا..

ويطهرنا منها لأنه يكرهها، ويكرهها لأنه يحبنا ولا يحب من يعذبنا ويقودنا للهلاك بعيداً عنه..

دائرة محكمة الترابط بشكل عجيب، ومن حيث بدأنا ننتهي بعد المرور على كل شهادة لبر الرب ومحبته وتناسقهما معاً بلا تناقض..

ولكن هل حُلَّت المعادلة بهذا؟

ليس بعد..

فلكي يطهرنا الرب من الخطية نحتاج للاقتراب له بها..

وهذا ليس في الإمكان طالما لم تُحلّ المعادلة لدى ضمير الخاطئ..

يجرّ رجلاً كلما لمعت أمامه محبة الرب الفادية، ويسحب الأخرى كلما ظهرت أمامه قباحة منظر خطاياه لاسيما مع نصوع طهارة وجمال الرب..

بل حتى الإنسان الذي لا يجد ثياباً جميلة يخجل من معاشرة من يرتدونها، لأن التناقض يزيد القبح قبحاً ويخجل حامله بالأكثر..

بل حتى ذوو الحساسية المفرطة لا يقدرون على الظهور أمام من يماثلونهم في العيوب إذا كانت عيوب نفسهم ظاهرة..

فكيف بهم يقتربون للرب بخطاياهم؟

ولكن كيف يحتملون الخطية بقبحها وألمها بينما هم يخجلون منه ويبغضونها، والرب وحده لديه العلاج المطهر؟

هكذا بين تقدم وتراجع وتقدم ومكوث قليلاً قبل التراجع، وابتعاد مع شهوة الاقتراب، واقتراب مع خجل وتردد، يبقى الإنسان في علاقته بالرب متأرجحاً..

ولكن ليست مواعيد الرب "نعم ولا"، بل فيه النعم وفيه الآمين..

وفداء هذه المعادلة من تأرجحها المحير، وشفاء من يقعون تحت طائلتها من ألم الحيرة، هو في منظر الصليب..

تطلعوا وانظروا لتروا حلّ المعادلة..

ولتتأكدوا أنه إن كانت بغضة الرب للخطية لا محدودة فمحبته لمختاريه من الخطاة تفوق اللامحدود،

تطلعوا وانظروا كيف ينتصر الرب لمحبته على الصليب..

ما شرح هذا؟

بسيط جداً بساطة الرب:

وهذا مثل للشرح:

طفل من عائلة راقية وابن لعظيم وله أخ مثاليّ الجمال والنجاح، تورّط بمصاحبة صبية أشرار فتلوّث اسمه وشكله.. فخجل من العودة لأبيه، لاسيما لأنه عند مقابلته بأخيه سيظهر قبحه أقبح جداً.. ولكن كلما تذكّر مجد وراحة أبيه حزن، ودفعه هذا للتفكير في محبة أبيه والطمع فيها أن تفتح له أحضانه، ولكنه كلما نظر لحاله شكلاً وسمعةً استكثر العودة على نفسه.. ما الذي يقنعه أن محبة أبيه وأخيه له أقوى من استقباحهم لما وصل إليه حاله؟ ليس من دليل على ذلك إلا أن يرضى أبوه فيرسل أخاه فينزل إلى حيث موضع ورطته، فينال ما يشين سمعته وهو برئ، وينال ما يقبّح منظره وهو جميل.. هذا فقط يقنع المسكين بأن محبة أبيه وأخيه له أعظم من استقباحهم لحاله..

 

وإلا:

فما الذي يقنع الأخ أن يحمل العار؟ وهو يكره العار؟ إلا ما هو أعظم من كراهيته؟

أو ما الذي يعطيه صبراً على قبح المنظر وهو الأبرع جمالاً من كل رفاقه والمحب للجمال، إلا أن هناك ما هو أكثر قيمة لديه من الاحتفاظ بمنظره اللائق؟

ثم ما هو هذا الأكثر قيمة لدى الأب والأخ من الطهارة والجمال إلا محبة المسكين الضائع؟

هكذا منظر الصليب دعوة لليقين أن محبة الرب للخاطئ من مختاريه أعظم من بغضته لخلطية، وإلا فلماذا يحملها ويحمل عارها ويحمل لعنتها ما لم تكن محبته للذي مات بها أعظم من بغضته لها؟

 

هكذا يُبرهِن الصليب وحده أي حلٍّ تبناه الرب آباً وابناً وروح قدس، للمعادلة الرئيسة في ضمير كل خطاة العالم..

 

إن كل مرة ينظر الخاطئ في قبح خطيته لمنظر الأبرع جمالاً من كل بني البشر، وهو في حال لا منظر له ولا جمال فيشتهيه المشتهون، إلا وغلبت على خجله من قباحة نفسه ثقته في محبة الرب له وتشوفه إلبه وضمان قبوله..

وكل مرّة يسمع الخاطئ الخجل من عاره تعيير الرب كمجَدِّف وكمتمرد إلا ويطمئن ضميره ويغلب على كل كيانه أنّ أخاه الأكبر لا يستحي منه وإن استحى هو من نفسه!

فيُحسَم الموقف أخيراً للمداوم على المثول في مشهد الصليب يُحسَم موقف ضميره ووجدانه لصالح غلبة "عدم خجل الرب منّا" على "خجلنا نحن من أنفسنا"..

 

وهكذا فمن يفهم الفداء من مدخل الصليب لا يتردد في سيره إليه، حتى يصعد عليه، حتى يتثبّت عليه ثبات الرب، حتى يكون شعاره:

أنا سوداء وجميلة.. من عليّ يشتكي؟

 

 

 

 

 

 

2

حجر زاوية الفداء:

دان الخطيّة في الجسد

 

دان الخطيّة في الجسد..

هذه هي الحجر الذي رذله الشُراح وهي رأس زاوية شرح الفداء..

 

عندما يتوقّح خطاة الأرض بكل جنون حسد الشيطان، ويعيّرون البارَّ وحدَه بالخطيّة، فإن كل صكوك حجج براءة الخطيّة في حقها في استعباد الإنسان تتمزّق وتظهر هي أنها خاطئة جداً جداً جداً إلى أبد دهور جهنم...

وهذا هو رصيد المكتوب أن الرب "دان الخطيّة في الجسد"..

إبليس له حجة كاذبة.. يحتج بأنه يستولي نفوس البشر بالذي جميعهم خطئوا فيه.. إذ لو لم يكن فيهم من يحتقر الرب ووصيته، ويحب إبليس فلماذا يخطئ مثله؟

والحقّ أن إبليس الحية القديمة حسد الإنسان وأدخل الموت إليه عن طريق الغواية بدافع الحسد.. وهذه جريمة وافتراس لا حجة له فيها.. هو فقط يخفي حسده خلف طاعة الإنسان له..

كشرير أغوى صبياً أرعن فشاركه في الشر حتى إذا أتى زمن الحساب طالب الشرير باشتراك ضحيته معه في عقوبته، باعتبار الظاهر..

الصحيح أن الغلام الضحية يستحق فرصة أُخرى..

وأن الشرير يستحق عقوبة مضاعفة، الأولى على سقوطه، والثانية على حسده، والثالثة على افتراسه للغلام الأرعن..

ولكنّ إبليس كأبٍ للمجرمين له من المغالطة ما يستعملها للىن كل مجرم فيما يسمونه ثغرات القانون..

ولكنّ الرب قانونه بلا ثغرات..

ولكن يقول واحد: لماذا لا يحاسب الربُ إبليسَ بقوة لاهوته قاضياً عليه بلا أخذ ورد، إذ ما حاجته بعد لقانون وهو الرب؟

وردُّ الرب على ذلك أنه يغلب إذا حُوكٍم.. أي انه يقبل عرض احتجاجات حتى خصومه عليه في محاكمة، إذ هو عادل مثلما هو قويّ، ويظهر قوته بعدله لا بعنفوانها مجرداً.. ومِن مثل الرب في تكامل عدله وقوته أخذت القوانين الراقية مثالها، فجعلت الحاكم لا يحكم على المجرم، وإن ظهر إجرامه، بغير محاكمة وتقديم احتجاجات..

وهكذا بقت شكوى إبليس ضد الإنسان أنه قبل الخطية أولاً بإرادته ولما أعجبته بقي يطلبها ويشتهيها، ويخفي بهكذا احتجاج حقيقة أنه أغوى الإنسان وأسقطه فصار كمدمن ابتلع الجرعة الأولى غوايةً وبقي يطلب بقية الجرعات ضعفاً وأسراً..

فكيف تُفضَح جريمة إبليس الأولى، أنه كان حاسداً للإنسان في بره الأصليّ وأنه لا يأسر الإنسان بوجه حق بل لعلّة، بغرض نفث لحسده العظيم، وتشفي من سقوطه سابقاً ولا شفاء؟

الدليل القاطع أن يظهر البارّ بلا خطيّة.. وأن يغلب إبليس.. وبحسب حجة إبليس لا تكون له حاجة لهذا الإنسان البارّ، ولكن بحسب حقيقته الشريرة فإنه لن يحتمله.. وسيهيج حسده بأكثر من أي وقت آخر.. وقد كان..

ظهر الرب البارّ القائل من منكم يبكتني على خطية.. فبأي حجة يطلب إبليس أبو كل كذاب، ويطلب أبناءه الكذابون نفس البارّ؟

وبأي حجة صحيحة يتهمونه بأي خطية كانت؟

هذا يثبت قطعاً أن الخطية لا حقّ لها في الإنسان أصلاً، وأنها دخلته خديعة وغوايةً، ليس بمبادرته بطلبها.. وإلا فول اقتصرت خطية الخطية على تجاوبها مع طالبها، فبأي حقّ تلتصق بالمسيح البار ظلماً؟ إلا أنها خاطئة جداً والبار المعلق ملعوناً ظلماً وحاملاً عار الخطية ظلماً هو الدليل..

وبهذا،  بـِتَوقُّح الخطية على البار أثبتت دينونة نفسها، وأنها لا تطلب من الإنسان حقاً لها ولا لإبليس الحية القديمة الذي يلقي حبالها حول فريسته، ولا حتى يطلب إبليس عدل في توزيع العقوبة، وإلا فما له وللبار الذي قال: "من منكم يبكتني على خطية؟".. بل ولمن قالها؟ لذات أبناء إبليس الذين سبق فشهد عليهم أيضاً في وجوههم بقوله: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تفعلوا"..

إذاً ما للخطية تلتصق بالرب وتصمه زوراً وظلماً وهو البار؟ وما لخدامها أبناء سيدها إبليس الذين لم يمسكوا خطية على الرب يتهمونه بأعظم خطايا الناموس الموسويّ (التجديف) والقانون الروماني (التمرد)؟ إلا أنها ظالمة غاشّة ما زالت تتمحك في سقوط الإنسان ضعفا وجهلاً وتواري حسد إبليس في ذلك، حتى أمسكها الربُ ببره وحملها على جسده ليطرحها أرضاً بل تحت الأرض ويدينها ويشهر الرياسات ويجرّد جهاراً السلاطين الذين يستعملونها كشوكة..

إذاً ما للخطية تتمحك في الإنسان بغش مدعية حقاً فيه لسقوطه في شهوتها، بينما ها هي تنفضح إذ تتطاول على الرب البارّ الذي لا منفذ لها إليه، بحنق وغضب مجنون، إلا إذا كان محركها الأصيل والرئيس هو حسدها لبرّه والذي بذات السبب قد دخلت لالتهام آدم الأول لتلتهمه بالموت الذي دخل إليه بحسد إبليس صاحبها؟

حسد إبليس؟!!

وفي حيثيات الحكم أمر دقيق يثبت قصد الحسد على شركاء الجريمة التي بدأت يوماً بتسلل الحية القديمة للدغ آدم الأوّل، ومازالت حتى ظهر حسدها في وقت آدم الثاني..

 يا للعجب لأن الكتاب يقول إن أبناء إبليس رؤساء اليهود أسلموا الرب حسداً.. منتهى إحكام القاضي في إثبات التهمة على المجرم وشركائه، ومنتهى الحبك في صياغة حيثيّات الحكم، الذي يأخذ من حسد الرؤساء (رؤساء الشعب) ضد آدم الثاني، الذين يدعوهم أبناء للرياسات التي أشهرها جهاراً في ذات الصليب الذين هم معاونون لرئيسهم الأكبر (إبليس رائيس هذا العالم) الذي تسلل قديماً بذات الحسد رليلدغ ىدم الأوّل!

 فهؤلاء الرؤساء لهذا الرئيس (رئيس هذا العالم) وهذا الرئيس لهؤلاء الرؤساء، يتمم مشيئته بهم حسداً وظلماً لا شكاية حق كما بقي يشتكي كذباً طوال ما قبل المسيح.. وأما في المسيح: فماذا أقول؟ من علينا يشتكي؟ والرب هو الذي يبرر، وهو الذي يدين، يدين الخطية بالجسد مرّة ممتدةً أبداً..

وهكذا تم المكتوب دان الخطيّة في الجسد!

ودينونة الرب عدل.. وهذا هو العدل في الصليب الذي تلاثم مع الرحمة.. رحمة للإنسان الطالب الرحمة من الخطيّة بحكم الرب عليها، وعدل بالحكم على الخطية أنها لا حق لها في تشويه الإنسان الممسك بحجة هذا الحكم، ولتلتهم هي وإبليسها وكل شياطينهما من يحتقر الحكم عليهم فهو شريكهم الحقيقيّ..

 

والآن ومعنا هذا الحكم البيّن، تبقى بعض الاحتجاجات الساذجة ضدّه:-

 

يقول بعض "المفسرين" الطيبين حسني النيّة، الذين يمتلكون غيرة ليست حسب المعرفة، إن إبليس لم يكن يعلم أن الرب هو الرب، وإلا ما كان قد صلبه.. و

التنبيه اللازم هنا للمفكرين هكذا  أنهم يفترضون تمام العقل وضبط النفس لإبليس! ولو كان كذلك لما سقط ولما صار إبليس!..

إبليس يحركه الحسد والحسد يعمي ويمتلك غريزة صاحبه ويقوده، كالناموس يقبل محموماً نحو مصدر اللهب ليحترق به..

 

ويحتجون بنص يختطفونه فيقولون إن الرسول يقول لو علموا لما صلبوا رب المجد..

ولو أتقنوا القراءة من أول الرسالة حتى هذا القول الرسوليّ الخطير، لفهموا أن الرياسات لم يعلموا أن الصليب هو سبب الفداء، وليس أنهم لم يعلموا أن الرب يسوع هو رب المجد، وإلا فكيف بغلمانهم من صغار الأرواح النجسة كانوا ما يزالون يصرخون ما لنا ولك يا يسوع ابن الإله؟ وأيضاً أنت هو المسيح ابن الإله الحيّ، لأنهم قد عرفوا أنه هو المسيح؟

 

إن الصليب هو السر المكتوم وليس التجسد الذي كان موضوع اشتياق البشرية وتصريحات الأنبياء..

 

إذاً بالإجماع الكتابيّ وبغير التفات لاحتجاج ما، فإن الربّ قد دان الخطيّة في جسده البارّ فاضحاً إياها أنها دسيسة ودخيلة ومحتلّة من إنتاج حسد إبليس، لا عن استحقاق الإنسان من المبدأ..

ومن يبقى فائتاً لذلك المعنى غير مؤمن بدينونة الخطيّة وأصول براءته منها، واستحقاق المسيح دون غيره من دخيل له بجملته، فهو الذي يشترك في دينونة الخطيّة..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

3

شرط الفداء:

برّ الفادي.. الشرط اللازم والكافي!

 

من هنا كان الشرط اللازم والكافي للفادي أن يكون باراً..

بقية شروطه المحفوظة مستنتجة من هذا الشرط الواحد..

يقولون ولكن البار من البشر يكفي لخلاص واحد فقط.. بحق بعضهم يقول هذا..

يليق هذا بشُراح السوبر ماركت وتقييم القيمة السوقية حسب إقبال الزبائن على البضاعة وتقديرهم لها..

ولكن فُهَّام الكتاب المقدس لهم منطق خر، لأن لديهم قاتل النفس البريئة مستوجب لنار جهنم نارهم لا تُطفأ ودودهم لا يموت، فهذه كما هو واضح عقوبة "غير محدودة"، ويعجب تعبير "غير محدود" الحُفَّاظ ويكثرون منه في لغتهم..

إن باراً واحداً يكفي لفضح حجة إبليس السالفة، ويكفي لرصيد غير محدود للفداء، ولكن مشكلة البشر ليست في عدم كفاءة البار، وإنما في عدم وجوده.. إذ ليس بار ليس من يعمل الصلاح ليس ولا واحد..

حقاَ تكلم الكتاب المقدس عن البعض وسماهم أبراراً، وكلمة الكتاب حق دون مراوغة واستغباء.. أيوب مثلاً كان باراً، ويوسف النجار مثلاً آخر وأخير، والعذراء مريم مثال الأمثلة في البر.. ولكن أي برّ؟ البر معناه البراءة والبراءة يلزمها ناموس، والبر الذي توفر للبشر كان بمقياس النواميس التي توفرت لهم: ناموس الضمير وناموس الدولة وناموس موسى.. فبرّ هؤلاء كان على قياس هذه النواميس، ولكن هناك ناموس أعظم هو ناموس المسيح، الذي يلزمه بر المسيح، الذي لم يكن قد استٌعلِن بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد لأنه لم يكن قد تألّم وفضح بألمه الخطية المعادية لكل ناموس بعد..

هذا البر الذي لهذا الناموس هو المطلوب في الفادي.. لماذا؟ لأن بر النواميس الأرضية لا ترقى لفداء الخطاة، بل فداء الذين يصلبون الفادي الذي يفديهم بذات صليبه الذي يؤلمونه ويعيرونه به.. بالكاد يجسر واحد أن يموت لأجل بار، وهذا الواحد الذي يموت لأجل بار لاشك أنه أبر من البار.. ولكن بالكاد واحد وبالكاد لأجل واحد وبالكاد بار لا إنساناص عادياً فضلاً عن أن يكون غارقاً في الخطية.. فمن أين يأتي الفادي البارّ براص فوق المعتاد هذا؟

إذاً يبقى السؤال والمشكلة: كيف يخلص الناس إذا كان شرط الفادي لا يتحقق في أي واحد من البشر؟ إذ ليس باراً (بر المسيح) ليس ولا واحد من البشر؟

ليس ولا واحد - إلا (استثناءً منقطعاً) واحد وهو الرب الإله..

بديعة لغة الـ"جرامار" التي تتفق مع المعنى الذي تشرحه الكلمات.. يسمون هذا الاستثناء في اللغة استنثناءً منقطعاً.. أي أن المُستثنى لا ينتمي للمُستَثنى منه.. إذ إن البار الوحيد بحسب البر المطلوب للفداء هو الرب الإله الذي ليس هو من البشر المطلوب فداءهم..

من هنا كانت الحاجة إلى واحد، ومن هنا تجسد هذا الواحد يصل الانقطاع، ومن هنا تألّم الواحد، ومن هنا جمع أبناء إلوهيم المتفرقين إلى واحد..

ومن هنا كانت صفات الفادي أنه إله لأنه ليس بار إلا الإله.. ومن هنا كانت صفات الفادي أنه بار براً فوق كل نواميس البشر، لأنه بذل نفسه فدية عن كثيرين فحقق ان ناموسه وبر ناموسه أعلى من البشر..

ومن هنا كان شرط ألا فضل لواحد على البشر في خلاصهم إلا الرب، لأنه لم يكن ممكناً هذا أصلاً..

 

شرط واحد يثبت أن الحاجة إلى واحد وأن هذا الواحد يجمع كثيرين (من الشروط الصالحة) إلى المعنى..

 

لنفهم قبل أن نحفظ، حتى نحفظ ما يستحق الحفظ -- أي الذي يحفظنا إذا حفظناه..

 

 

 

4

رئيس كهنة الفداء:

رئيسا كهنة يلتقيان عند الصليب

 

هذا لقاء مثير انتظره الناموس طوال خمس عشرة مئة من السنين..

الناموس يعلم يقيناً انه يؤدِّب بالرمز والمثل والوصيّة حتى المسيح.. ومن أمثلته أنه رتَّب لرئيس كهنة يمثّل رئاسة الكهنوت العليا الأصيلة التي للمسيح.. ولكن مفارقة البشر في سقوطهم أنهم يحوّلون أداة معونتهم لنوال خلاصهم إلى معوّق لهم عن رؤيته وفهمه..

 

كم كان بوِد الناموس الصالح في ذاته المُقدَّس لوظيفته أن ينتظر رئيس كهنته معه لمجئ الرب رئيس كهنة الخيرات العتيدة، فيرحّب به ويعلنه، ويدعو الشعب لتسلّق الصليب خلفه بل معه بل فيه..

 

#ولكن كأنّما منقذ ألقى حبلاً لغريق يسحبه به حتى يصل إليه فيحمله ويخرج به، فأمسك الغبيّ بالحبل ونازع المخلِّص عليه، كأنّه يرى في الحبل منفرداً مخلِّصه ويرى في المخلِّص من يحرمه من الخلاص!

--زود المثل ان شد الحبل بيوصل املخلث لكن مايستحقش غير الضحايا العاجزين

وزود ان اللي بيخطف الحبل عاوز يعمل هو المنقذ قصاد الغرقانين وهو غرقان معاهم

والحبل ده في المثل يستدعي صورة الحبل اللي بيشدوه بيه لما يموت#

 

وهذه هي وقائع لقاء محور تاريخ الكهنوت..

#هات نص الانجيل ونص دانيال

الشد بحبل لو مات

الحي الذي لا يموت يموت وهوي حيّ

هو يستطيع بقوة فائقة ان يجمع الموت مع الحياة ومن يجمع الاضداد إلا القادر على كل شئ؟

والموت نفسه هو الذي لا يستطيع البقاء لأكثر من أداء وظيفته فغذ يتمم الغرض ولا يمسك الموت بعد لا يقدر الموت ان يمسكه – شاهد من اعمال

ليوضع مع الأموات ويرفعهم بقوة حياته ونحن نموت معه ام نموت في موتنا وموت الناموس؟

 

البعيد يقرب بالشكل ولوقت

القريب يقربوه كأنهم يدعوه للدخول ليخلص الهالكون به – ونحن نقربه ام نبعده؟

نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ.

 

Mat 26:59  وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ

Mat 26:60  فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ لَمْ يَجِدُوا. وَلَكِنْ أَخِيراً تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ

Mat 26:61  وَقَالاَ: «هَذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللَّهِ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».

Mat 26:62  فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ عَلَيْكَ؟»

Mat 26:63  وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟»

Mat 26:64  قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ».

Mat 26:65  فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!

Mat 26:66  مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ».

 

Dan 7:13  [كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ.

Dan 7:14  فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.

 

ورئيس الكهنة هيقدر على القرن الصغير؟

 

 

5

حجر زاوية الفداء:

لُحمة الفداء.. ومتنه

 

أيّ خطية صنعها شعبي وأنا لم أحملها؟ يقول الرب!

معنا للآن:

(1) أساس الفداء

(2) وحجر زاويته

(3) بر الفادي

(4) كفاءة الفادي

(5) والآن مع لُحمة الفداء وشموله

الرب فدى من الخطيّة بجملتها التي تشمل كل تفاصيلها.. إذ دانها في الجسد فإنه لم يصارع في جسده أهون الخطايا ولا ذيولها، بل صدّر جسده لرؤوسها.. وضرب على الرأس وحكم وقضى!

 

اتهمه المدعون بالحق الناموسيّ، ولا حق فيهم، بالتجديف.. وهو بمثابة اتهام بكسر الوصيّة الروحيّة العظمى: تحب الرب إلهك من كل قلبك..

واتهموه بكسر السبت، الوصية الطقسيّة العظمى..

 

ولم يكتف الرب..

بل كأنه بهم يقول لهم: هل هناك خطايا أُخرى لم أحملها بعد؟ إنه صليب واحد فحمّلوا كل الخطايا..

ونعم كان هناك ناموس آخر: ناموس البشر الرومانيّ الوضعيّ، الذي ما زالت للآن كل قوانين البشر تدين لفلسفة العدالة فيه بالنقل والاستناد..

فكان ينبغي أن يذهب ليُحاكَم بقانون قيصر.. وليحمل أمامه أعظم خطاياه أي تعدياته..

فإذ كان الذين حكموا بالناموس جبناء وخبثاء، فقد ساقوا الرب يسوغ للحاكم الرومانيّ، ولما كانت تُهَمُهُم الكاذبة لا تعنيه كرومانيّ أصلاً، فقد لفقوا للرب تهمة التمرد، التهمة العظمى في القانون الوضعيّ: تحب الرب قيصر من كل قلبك.. ليس مزاحاً قولي هذا، بل المزاح كان في حال البشر الردئ، فقيصر كان يدعو نفسه رباً (كيريوس سيزار – السيد قيصر)، وهم اليهود أخافوا بيلاطس، يا للعجب، أنه إن لم يحكُم على الرب يسوع فهو ليس محباً لقيصر! !! ! فأي مزاح من الجميع، وأي رداءة في مزاحهم؟ قيصر ربّ واليهود يغيرون على ربوبيّته – مزاح يزيح الشرف عن أصحابه ويبقى الشرف للصاعد نحو الصليب وحده..

 

والآن وقد حمل جُمَّاع أعظم الخطايا، مٌتَّهماً بنقض جُمَّاع أعظم الوصايا، في جُمَّاع أعظم النواميس، صعد الرب على الصليب..

 

 

 

 

 

 

6

شهادة الفداء:

ما حاجتنا بعدُ إلى شُهود؟

 

ما حاجتنا بعدُ إلى شهود؟!

هذه من أبدع توريات لغة مشهد الصليب.. حتى أنني بكل قناعة أرى أن حرفاً لم ينطقه أي واحد عبثاً في هذا المشهد المشهود..

ولما كان المتكلم هنا قيافا، الذي كان رئيساً للكهنة في تلك السنة المحوريّة في التاريخ كله، فلننظر بأكثر تمعّن في كل كلماته..

ما حاجتنا بعدُ إلى شهود؟ هو يسأل مستنكراً:

نسأل نحن – المؤمنين- متعجبين:

بحقّ ما حاجتنا بعد إلى شهود؟

برّ الرب –

حسد القضاة والكهنة–

جبن الحاكم –

عَتَه الجموع ونذالتهم –

-صبر الرب على كل هذا – انهيار إبليس أمام المشهد

هل نحتاج إلى شهود لأي من كل هذا؟

الشهود يحتاجهم من لم يرَ، ولكن من لم ير؟

بل ما لم تر عين تسمع به أُذُن وما لم يخطر على بال إنسان ما أعده الـله للذين يحبونه المنتظرين فداءه..

وأما الآخرون شياطين وتابعين لهم فلو علموا ... لما صلبوا رب المجد!!

ولكن لأجل المحبوبين المساكين أُخفِي عن عيون الرؤساء والسلاطين والتابعين لهم ليهلكوا أنفسهم ويخلصوا بأيدي أنفسهم من ذات أيدي أنفسهم المؤمنين، إذ صلبوا رب المجد..

 

 

7

بديهيّة الفداء:

بدون سفك دم لا تحصل مغفرة

 

لماذا؟ أي رصيد في الدم؟ أي منطق قانونيّ؟

ما الحكمة؟ لماذا؟ هذا سؤال يعود لأصل كل شئ.. لقد اعتدنا على تكرار السؤال: لماذا تحتّم موت المسيح للفداء، والإجابة بدون سفك دم، ولا يتوقف الكثيرون ليسألوا: ولماذا بدون سفك دم؟

لقد تكرَّرت في الشرح هذه العبارة الكتابيّة كأنها المنطلق الأوّل الذي ليس قبله..

تكررت حتى فات على الكثيرين أن يسألوا عمّ "قبلها"..

والسؤال القَبْليّ هو دائماً: لماذا؟

والإجابة مفاجئة ولكنها ثابتة.. الإجابة أن سفك الدم في المغفرة هو "بديهيّة"..

 

البديهيّة هي حقيقة يُولَد بها الإنسان مغروسةً فيه..

والبديهيّة لا يمكن إثباتها، ولا يمكن نفيها، ولكن يقبلها الإنسان بيقين..

وكلما تحقق منها في أحد الأمثلة ثبتت صحتها، ويعجز من يحاول إيجاد مثل ينقضها وإلا ما عُدَّت بديهيّة..

لذلك يسميها البعض "نظريّة بدون برهان" وطالما هي نظريّة فهي متحققة في المعطيات المتاحة ومبنيّة على الاستقراء الممكن، وتختلف عن الادعاءات المجرة التي لا يمكن التحقق منها لا سلباً ولا إيجاباً على أي نحو..

وهذه الفقرة مهمة لدحض سخافات من يخلطون بين البديهيّة وبين الادعاءات المحجوزة عن أي قدرة من التحقّق ولا تقوم عليها نظريات.. وهذه بالمناسبة هي المغالطة التي يتوارى خلفها من لا يطيقون مواجهة البديهيّات الإيمانيّة.. وساعود لتفصيل تفنيدها في نهاية المقال..

 

ويقصر فهم من يحصر البديهيّات في تلك المنطقيّة والهندسيّة كمثل القول إنه إذا كان "أ" أكبر من "ب" و"ب" أكبر من "ج"، يكون "أ" أكبر من "ج"..

ليست كل البديهيّات ذهنيّة منطقية رياضيّة فحسب..

هناك بديهيّات وجدانيّة، أن من يحبني يرجو لي الخير، وإلا تكون محبته زائفة أو غاشّة..

وهناك أيضاً بديهيّات ضميريّة موضعها ضمير الإنسان.. والضمير عند الخطأ يؤلم صاحبه.. هذه بديهيّة، وحتى لو تعطّل الضمير عن العمل لا يمكنه نفي البديهيّة الملزمة له بالألم، حتى أن صاحب الضمير التالف يفهم ويتوقع أن من حوله لن يستحسنوا هذا منه..

ومن بديهيّات الإنسان الضميريّة أن الدم البرئ يعود على سافكه ويُطلَب منه..

ولما كانت هذه بديهيّة فلا يمكن إثباتها، ولا يمكن نفيها، ولكن كلما تحققنا منها ثبتت صحتها.. نجدها في كل قوانين البشر وشرائعهم.. وأجدها أنا على الأقلّ في ضمير كل من أعرفهم حولي..

 

وحتى الخطايا التي لا يظهر فيها سفك الدم صريحاً اعتاد البشر عبر التاريخ المعروف وإلى الآن، حتى من غير المؤمنين إيماننا الكتابيّ، بتقديم قرابين دمويّة من الحيوانات.. وهي صورة تعبّر عن إحساسهم بأن الإثم يحمل درجة من درجات سفك الدمّ.. وأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة.. هذه بديهيّة لدى البشر..

 

والدم لا يقتصر على كونه مجرد السائل الأحمر الذي يحمل الأوكسيجين، ولكنه يحمل في حقيقة وظيفته معنى الحياة.. كلامنا عن سفك الدم يفيد كلامنا عن الموت وفقدان الحياة لنوال مغفرة الخطية التي أخطأها الواحد بقوته الحيويّة التي فيه..

وهذه الحقيقة المهمة أشار لها الكتاب المقدَّس (أن نفس الحيوان في دمه) كأنه يُذكِّر بحقيقة معروفة لا كأنه يُعلِن عن أمر خافٍ عن البشر..

 

ولما كانت القرابين البهيميّة لا تقرّب، بمقدار ما أن دم الإنسان أثمن من دم البهائم، فإنه لا يبقى للإنسان الشاعر بذنبه إلا قتل نفسه.. ليس لأن هذا سيفديه، إذ أن هذا العمل نفسه سيقتله لا يفديه، ولكن لأن البديهيّة التي تعمل في ضميره تقوده لذلك.. وبكلمات أُخرى:

إن منتهى أمل المُذنِب في راحة الضمير هو نوال المغفرة بدون فداء.. أو الفداء من عذاب الضمير بالسقوط أسير الموت..

إذاً يبقى الإنسان في ذنبه بين بديلين: الفداء من الذنب بالأسر للموت أو الفداء من الموت بالبقاء في أسير الضمير، والذي هو موت من نوع آخر..

 

والآن تتصارع في الإنسان قوتان: الأولى غريزيّة هي محبة الحياة، والثانية بديهيّة     ضميريّة هي شهوة العدل وطلب المغفرة بالدم.. وبحسب ما تتغلب واحدة على الأخرى بحسب ما ينتهي الإنسان إليه.. فقد يبقى مبقياً على حياة نفسه ولكن متألماً كئيباً مُعذَّباً بالذنب، أو قد ييأس فيقتل نفسه..

 

والآن في ضوء الإيمان المسيحيّ تستنير هذه البديهيّة المغروسة في ضمير الإنسان المخلوق على صورة الرب الإله الفادي بدمه..

 

فإن كل خطيّة في حقيقة ذاتها هي سفك دم.. من يبغض أخاه فهو قاتل نفس.. ومن قال لأخيه يا أحمق فهو مستوجب نار جهنم (مصير سافك الدمّ).. ومن ارتكب أصغر مخالفات الناموس فقد صار مجرماً في الكلّ.. ولا تختلف الخطايا إلا في درجة صعوبة التوبة منها، ودرجة مسئولية صاحبها عنها، ولكنها في خامتها مبعدة عن الرب وتعريضاً للإنسان نفسه للموت فيكون دم نفسه مطلوباً من نفسه.. إنها كطريق يقود للموت، قد يسير واحد فيه خطوة وآخر عشرة ولكن الطريق واحد ومصير السالك فيه أن يصل لنهايته الواحدة: الموت والدينونة بالدم: دم آخر أو دم نفسه أو كليهما..

 

لذلك ففهم الخطيّة من أصولها يجعل الفداء منها يستوجب من الإنسان دماً.. هذه البديهية الضميريّة في الإنسان..

وقد كرّسها الإيمان المسيحيّ في صورة مكتوب واضح قاطع شارح لحقيقة الإنسان وإن غفل الإنسان وتاه عنها، حتى إذا واجهها إيمانيّاً وكتابيّاً لا يقدر أن ينكر أنها حقيقته وقد وضعها الكتاب أمامه وإن توارى هو عنها..

 

ويتوارى كثيرون للأسف.. ويؤمن كثيرون بالمقابل ولكن لا يجدون الحجة الكلاميّة في مواجهة المتوارين عن بديهيات ضمائرهم التي تَصْرُخ بلزوم سفك دم البارّ وحده للمغفرة والهازئون بها من مخابئهم..

 

والآن

فالاختباء وراء العناوين سهل..

والاكتفاء بها مريح..

ولكن وضع مُتون وإفراد تفاصيل لكل عنوان، لتمييز الصحيح من الخاطئ فيها صعب..

ولأهميّة الموضوع لا أستريح لتركه بما يلوح في أذهان البعض من احتجاجات، ولا أستعفي بحجة اقتناع الكثيرين..

وها هو التفصيل القاطع يُوضَع هنا أمام الجميع حتى أستريح أمام ضميري ويتعب المعاندون أمام ضمائرهم لعلّ في هذا نفع لهم لطلب الفداء ونوال المغفرة.

 

وهكذا يهرب المتوارون من صوت الضمير المتكلّم ببديهيّته الكُبرى عن طلب المغفرة من الذنب بالدم، فإنهم إن لم يقتلوه داخلهم أو لم تكن آذانهم قد فسدت ولم تعد تسمع، يلجئون لرفع أصواتهم هم بحجج عالية بنبرة الصوت فارغة من إحكام المنطق.. وهذه احتجاجاتهم المضادّة الممكنة التي تطوّعتُ بنفسي بطرحها إن قصّروا، وضبط صياغتها إن اختلطت منهم، حتى لا تبقى حجة في ذهنٍ معاندٍ يعوّق قبول صاحبه للحقّ وإن عجز عن صياغة احتجاجه بنفسه.. ومن دواعي سروري أن يتمسك المعاندون باحتجاجات أقدمها لهم، حتى إذا فعلوا مسرورين أخذتُ أنا فرصة لعرض الإجابة بأكثر سرور من ناحيتي..

 

الاحتجاج الأوّل:

"إذا كانت بديهيّة فكيف تغيب عن الرافض لها؟ ولماذا يرفضها أصلاً؟"

 

الرد:

قال الجاهل في قلبه ليس إله.. وأصلها العبريّ مثير في مفرداته: "آمر (قال) نابال (الأحمق) بِلِبُّه (في لبّه أي قلبه) عِين (أي أَزِح أو "عين" بحسب الاستخدام الدارج في اللهجة المصريّة") إلوهيم (الإله في عموم معناه)..

إن البديهيّات الضميريّة والشعوريّة قابلة للإنكار من صاحبها إن كانت له مشكلة معها.. وهذه سمة واضحة في دائرة النفس البشريّة.. وهذا أمر ثابت لا يقبل الإنكار في ذاته..

الفكرة في إنكار البديهيّة أنها ضميريّة تختص بنفس الإنسان وشعوره، وليس فكرة ذهنيّة نظريّة محض ليست للإنسان إرادة أو منفعة مرجوّة لديه في إنكارها.. ومعروف أن الأمراض النفسيّة لها ميكانيزمات لمواجهتها وإخفائها تحدث تلقاءً داخل النفس لا يعيها الإنسان نفسه.. ومعروف أن هناك أمراض داخل النفس لا يشعر بها المريض وإن شعر بألمها أو ظهرت عليه نتائجها..

وعلى ذلك، فمن حيث مبدأ البديهيّة محل فحصنا هنا، فلا يسوغ أن يُحتَج على كونها بديهيّة باستدلال من برفضها بحالته الشخصيّة.. ويلزم الفحص الخارج عن الادعاءات الشخصيّة.ز إننا كمن يفحص حالة إنسان مخدَّر إن كان المرض لا يزال يعمل فيه رغم عدم شعوره بالألم – وقطعاً فإجابته لا تسعف طالب العلم..

 

الاحتجاج الثاني:

"كيف تثبت أنها بديهيّة في ضمير كل إنسان؟ وأن من فقد هذه البديهيّة فقد مات ضميره؟ إنها حيلة منك لأن البديهيّة لا تُثبَت أصلاً كما حرصت في بداية شرحك على التأكيد"..

 

الرد

أنا لا أثبت البديهيّة

ولكن أثبت أنها بديهيّة

وهناك فرق!

إن لم تفهم التفرقة فليس لك في المنطق نصيب، وإن فهمت فليس أمامك إلا الإقرار أنها بديهيّة، والاعتراف أنك صاحب فكر ومعتقد لا يلتزم بالبديهيّات، وهنا يتوقف الكلام معك، لأن المباحثة – أيّة مباحثة- مبنيّة أصلاً على اتفاق الأطراف على الأصول البديهيّة..

 

الاحتجاج الثالث

"فليكن.. فماذا يمنع كون "بديهيّتك" مجرد ادعاء يعسر التحقق منه؟"

 

هذا الاحتجاج ما كان المعاندين للشرح الصحيح يصلون له أصلاً، وكنت أتطوّع أنا بطرحه فيتمسكون به بسرور، فيمنحون شخصي المتواضع،بأكثر سرور من جانبي، فرصة لعرض إجابته..

البديهيّة  Truism والادعاء المحض غير الممكن التحقق منه Unverifiable  ليسا سواء..

الادعاء غير الصحيح الذي لا يمكن إثبات عدم صحته يمكن إثبات أنه ليس بديهية حتى حتى لو لم يمكن إثبات فشله بأكثر من نوع من أنواع الاختبارات:

الاختبار الأوّل هو سعة القبول.. الامر البديهيّ يكون واسع القبول، لا يحجِّم من قبوله إلا غرض لاحق عن قصد.. ولكن بعيداً عن الغرض يكون الأمر البديهيّ واسع القبول جداً..

الاختبار الثاني هو نوعيّة موانع التحقّق من صحة البديهيّة.. فالبديهيّة لا يمنع تحقيقها نظرياً إلا كونها قانوناً مبدئيّاً عامّاً تخضع له حالات لا يمكن وقوعها تحت الحصر، ولذلك فمهما جرى من استقراء لحالات تبقى حالات أخرى أكثر تفوق الحصر.. هذا هو المانع الوحيد للإثبات النظريّ للبديهيّات.. أما لو كانت موانع الإثبات هي نقص في توفر الميكنة والأجهزة كادعاء عدد الكواكب في الكون في زمن لا تتوفر فيه إمكانيّة رصد أقصى المجرّات، أو موانع علميّة كادعاء يختص بعلم لا يعلم السامع عنه ما يكفي، فالعبارة لا يمكن أن تكون بديهيّة..

الاختبار الثالث هو اختبار التاريخ.. فالعبارات التي لا يمكن التحقق منها، وليست من البديهيّات، يهملها البشر من اعتبارهم وتسقط في غياهب التاريخ لو أُتيح لها فترة اختبار مناسبة الطول، وتبقى في خانة الخرافات.. وأما البديهيّة، ومع كونها مستحيلة الإثبات النظريّ، فإنها تبقى عبر التاريخ ملازمة للإنسان طالما بقي الإنسان، بقوة كونها بديهيّة في الكيان الإنسانيّ.. وبديهيّتنا عن المغفرة بالدم واضحة النجاح من هذا النحو، من كل آثار الشعوب القديمة التي عاشت حتى بغير قوانين وضعيّة، كلها عرفت طاب "المغفرة" بالدم، وحتى إن لم يكن يمكنها الوصول لدرجة المغفرة فعلى الأقل عرفت جميعها "الكفارة" بالدم.. إن أيّة عبارة تفوق قدرة السامع على التحقق زمناً يأتي طول الزمان بما يُمَكِّن من التحقق منها، وطالما وقعت تحت طائلة التحقق فلا تكون بديهيّة.. وأما البديهيّات فستبقى كذلك أبد الدهر..

الاختبار الرابع والأدلّ هو مواجهة تحدي الاستقراء.. فالافتراضات غير البديهيّة التي يستحيل او يصعب التحقق من خطئها لا تتوفر لها حالات استقراء كافية ولا يمنع من التحقق من خطئها إلا هذا عينه أنه لا تتوفر لها حالات استقراء تمكن من إثبات خطئها!! بينما على العكس تماماً في حالة البديهيات التي تكون بديهية من حيث سعة حالاتها القابلة للاستقراء.. ودائماً ما تنجح في اختبارها على كل حالة.. ولا يمنع من إثباتها نظريّاً إلا كون الحالات لا يمكن حصرها.. ولكن طالما كان الاستقراء متاحاً فلماذا لا يُجرى بعض الاختبار سواء للرافض أو للمؤمن؟ مع الانتباه لأن الاستقراء السليم إحصائيّاً لا يأخذ في الاعتبار كل من له موقف مسبق من النتيجة، وإلا دخل عامل خارجيّ نفسيّ هزليّ هو إصرار الواحد على صحة موقفه المسبق (انظر الرد على الاحتجاج الأول).. إن موضوع الاختبار أصلاً هو "إثبات أن الإنسان قبل دخول أفكار عقائديّة عليه يقبل "بديهيّة المغفرة بسفك الدمّ" كبديهيّة فعلاً أم لا"، ويمكن لضمان سلامة الاختبار أن يُخبَّأ البعد العَقَديّ في السؤال، فيكون: "كيف تفسر أن من يشعر بعقدة الذنب يبادر ويلحّ بطلب تطبيق العقوبة عليه؟" ولو صحّ أن "بديهيّتنا" بديهيّة حقّاً، فلن تخرج الإجابة عن كونها أمراً طبيعيّاً في الضمير السليم.. ولنا في نتيجة الاختبار الرابع ما يمكن ضمّه بأكثر دلالة لحالات الاستقراء الجاهزة سلفاً، فكل من عاشوا في التاريخ القديم عرفوا الأمر كبديهيّة لا تفسير لها إلا كونها بديهيّة لديهم!

إن البديهيّات ليست عسرة على الاستقراء، فكل الاستقراء بطوله وعرضه متاح أمامها ويئول لتحقيق صحتها، ولا تأتي المعاندة مع حقيقة أن الفداء بديهية نفسية لدى البشر إلا لدخول قصد عَقَديّ لاحق دعى الناس لإنكار ما لا يمكن منطقياً إنكاره.. ولو توافقوا مع المنطق وطلبوا الاحتفاظ مع ذلك برفض الإيمان بالفداء لكان عليهم أن يكتفوا بالقول إن الفداء حقاً بديهيّة نفسيّة ولكن نفسيّة البشر ليست مصدراً للحق، وأما أن ينكر واحد أن الفداء بديهيّة نفسيّة لدى البشر فهو سخف، لا يعفيه منه ولا حتى أن شخصي المتواضع هو من انفرد بالتنبيه للصياغة المنطقيّة الدقيقة لهذه الحقيقة التي واراها ركام التضارب في الشروح..

 

 

8

ثمن الفداء:

دين النعمة

 

ثمن الفداء.. ما هو؟ ومن دفعه؟ ومن  قبضه؟

"ما هو" و"من دفعه" سؤالان سهلا الإجابة: الثمن هو دم المسيح ودفعه المسيح بإرادته إذ له سلطان أن يضعها وسلطان أن يأخذها وليس احد ياخذها منه بل هو يضعها من ذاته..

ولكن... من قبضه؟!!!

تحيروا قديماً في إجابة السؤال: "من قبض ثمن الفداء؟" لمن دفع الرب ثمن الفداء؟"..

فكروا أولاً: قبضه الشيطان باعتباره من يأسر الإنسان.. ولكنهم عدلوا سريعاً وقالوا هذا تجديف، وقد أحسنوا في خلاصة قولهم، لأن الرب على الصليب جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه.. لم يدفع لهم بل دفعهم بل أسقطهم بل فضحهم..

 

وعادوا ثانياً فقالوا دفعه للآب، فتاهوا في متاهة الأسئلة التي بلا أجوبة مستقيمة: إذا كان قد دفعه للآب فإن حرص الآب على "قبض" الثمن بسبب العدل، يثير التساؤل عن عدم حرص الابن على المثل.. فهل الآب أعدل من الابن – حاشا؟ أم الابن أكثر حباً من الآب –حاشا ثم حاشا؟

فيُقال بسخف عن "الجيب واحد" وما يقبضه الآب يقبضه الابن معه، ولكن من الذي دفع؟ أليس الابن – فهي إذاً تمثيلية إذ يدفع الابن لنفسه؟

 

ولا يُعنيني هنا تحقيق صحة نسبة كل قول لمن قيل إنه قاله، وهو عمل يمكن لأيٍّ من هواة البحث ضبطه في دقائق، ولكن أحفظ للمجموعة نقاءها الإيمانيّ الموضوعيّ، وأستكمل..

 

المهم ما هو الصحيح؟ من الذي قبض؟

 

بدايةً، لا يحتاج دين الفداء "بالضرورة" لمن يقبض ثمنه.. يحتاج فقط لمن يدفعه.. ويكتمل معناه بمن ينتفع به..

وقد دفعه الرب بيقين الكتاب المقدس، أنه اشترانا بدم ثمين معروف سابقاً قبل تأسيس العالم.. وانتفع به المؤمن الأمين..

وأما من يقبضه فهو سخف في الفهم، وافتراض أن الدين دين معاملة تجاريّة!

وما أكثر الأمثلة الحاضرة، على ديون وأثمان تُدفَع ولا تُقبَض:

أب دفع راحته وسنين عمره لنجاح أبنائه..

أخ دفع سلامته أو سمعته لينتشل أخاه من ورطة..

ضابط أمين دفع حياته لإنقاذ أرواح في خطر..

هذه أمثلة تمتلئ بها خبرة المعيشة البشرية العاديّة، فكم بالأولى أن نفهم بل نعرف دم المسيح المعروف سابقاً قبل تأسيس العالم؟

هذا بدلاً من المباحثة بكل عمى الفهم عمن قبضه، فقط لنتماشى مع موروث شرحٍ حسن النية من هنا أو من هناك؟

 

انتهى الكلام؟ أبداً.. قلتُ في رأس الإجابة أنه ليس لزوم لمن يقبض الدين أو الفدية او الثمن من حيث المبدأ وبالضرورة..

ولكن

عمل الرب أكرم من خدود اقتصاد الضرورة..

ولا يتوقف عند الضرورة..

لأنه يعطي من أحشاء رجمته.. وليس من  ضرورة..

وعمله كامل، يعطي ليستمر عطاؤه – لا يفتدي ليترك المُفتَدَى ليفتقر أيضاً ويسقط أيضاً، ولا يعفو ليطلق سراح المُعْفَى عنه ليواجه الخطر ثانياً، بل يعفو فينجّي نجاة أبديّة، ويخلّص ليحتضن من خلّصه في معيته..

ماذا إذاً من كل هذا؟

ما الغرض من القول؟

الغرض بل الغاية بل المنتهى أن الرب أعطى ثمن الفداء للأسير!

خلّص الأسرى بثمن كريم..

فصاروا مديونين له بثمن تخليصه لهم..

ولكنه ثمن لا يمكنهم رد مثله قطّ..

فصاروا مديونين مضاعفاً:

بتخليصهم

وبثمن تخليصهم..

ولم يكتف – بل مُثَلِّثاً للدين، وكل شئ بالتثليث يكتمل، أكمل عطيته وأعطى أولئك الأسرى الثمن الذي خلّصهم به:

خذوا اشربوا هذا هو دمي

المسفوك عنكم وعن كثيرين.. يُعطى للخلاص من أسر الخطية.. وحياة أبدية لمن يتناول منه..

 

ماذا يُسمي هذا؟

أنا أسميه دين النعمة..

علمتم من يقبض ثمن الفداء؟ المفديين أنفسهم!

علمتم لماذا هذا العجب؟ لأن الفادي عجيب وفداؤه عجيب من ذات عجبه!

 

يقولون: إذا عُرِف السبب بطُل العجب،

ومع دين النعمة يُقال: وإذا عُرِف السبب زاد العجب!

 

 

9

بركة الفداء:

الرب كلّه لنا

10

دينونة الفداء:

الرب كله عليهم



الرب كله لنا هو شعار الصليب 

 

قبل الصليب كان الناس يَرَون في العدل الإلهيّ مضاداً لهم لسقوطهم في قبضة عدو الرب إبليس وانحجازهم تحت سلطان رئيس العالم

كانت عداوة الرب لسيدهم المغتصب لهم بالغواية تسقط عليهم بالتبعية

وكانت الرحمة محجوزة خلف العدل

 

اعتاد الناس رؤية صراع الرحمة والعدل بسبب وضعهم الجديد الساقط

صوروا رحمة الرب تطلب خلاصهم وعدله يطلب قصاصهم

 

"الرحمة والعدل عند الرب يتصارعان على مصير الإنسان الساقط"

هكذا فهم الإنسان وهو ساقط

 

ولكن هذا المفهوم هو نفسه ساقط

لأنه نَبْت تصوُّر الإنسان وهو في وضع السقوط

  

ولكن أنفاس الروح القدس الموحية للمزامير كررت كثيراً كلمات عن توافق الرحمة والعدل

وأخطرها قول المرنم 

الحق والرحمة تلاثما

البر والسلام تلائما

 

وظن المفسرون أن المعنى يثبت ويكرِّس صراع الرحمة ضد العدل والسلام ضد البر

ويضيف على الصراع النبوة المطمئنة أن المعركة ستتوقف

وصلح الرحمة والعدل سيتم يوماً ما

 

ولكن........

 

 على الصليب ظهر معنى خطير

معنى اختفى عن زاوية رؤيا الإنسان الناظر للرب من نافذة سجنه الضيقة التي لا تسمح له بشمول المنظر

 

لم يكن هناك صراع بين صفات الرب

كان الصراع ظنيّاً بالنسبة للإنسان في سقوطه

كان يرى جزءً من الصورة من فرجة شديدة الضيق لا تتسع لاتساع بر ورحمة الرب

وأكمل بقية الصورة من مخيلته الفاسدة فساد السقوط أصلاً

والناظرة لأجزاء الضئيل المتاح من الصورة من غلالة سوداء وضعها الشيطان

 

الآن على الصليب

نرى

الرحمة والعدل يعملان متوازيين وليس متقابلين

 

الرحمة ممتلئة عدلاً والعدل يفيض بالرحمة

 

كيف؟

 انظروا عدل الرب

انظروا كيف يعمل على الصليب

انظروا من هو المحكوم عليه

 

جرّد الرياسات 

والسلاطين أشهرهم جهاراً

ظافراً بهم فيه

أي في الصليب

 

أسمعوا بعد

دان الخطية في الجسد

حكم عليها ان لا حق لها في خليقته وموضع لذته

الإنسان المخلوق على صورته

وصورة الرب طاهرة بلا خطية، ويجب ان تبقى كذلك في الإنسان

 

هل هذا عدل بلا رحمة؟

أليس في الحكم على المجرم الرحمة بالضحية؟

أليس في الحكم على المرض بالزوال الرحمة الشافية للمريض؟

أوليس في خلع الناب المُسَوَّس الشفقة بالمتألم؟

أليس في الحكم على الخطية كل الترفّق والشفاء للخاطئ

 

هذا هو عدل الرب الظاهر على الصليب

هو  نفسه حكم الرحمة للإنسان الذي اصطاده الشرير بالغواية

هذا هو عدل الرب على الصليب

الحكم على الخطية المتلفة بأنها خاطئة جداً وظالمة للغاية ولا حق لها في الإنسان

هذا هو عدل الرب على الصليب

أن يأخذ الإنسان فرصة ثانية 

بحياة أفضل

بقدر ما أن الرب الإنسان الثاني أفضل من آدم الإنسان الأول

هذا هو عدل الصليب!

يحيا العدل يحيا العدل.. هلليلويا........

  

ثم انظروا كيف أن الرحمة من الناحية المقابلة تفيض بالعدل

فإن رحمة الرب بالإنسان هي التي حكمت بالعدل على إبليس وخطيئته

 

عدل يعلن الرحمة ورحمة تعلن العدل

 

لذلك فإنه على الصليب نرى ما لم تره عين

الرب كله لنا

الصراع المظنون بين الرحمة والعدل اتضح أنه وهميّ

العدل لنا والرحمة لنا

لأن الرب كله لنا

الآن تتضح الصورة

على الصليب الواحد

ذي الخشبتين باديتَيْ التعارض

حتى إذا حقَّقنا تحقٌّقنا أنه صليب واحد عمله واحد لا يتعارض فيه الرب مع نفسه

بل يقدّم كل نفسه لنا

رحمته وعدله وحكمته في إخفاء سر الصليب لحين قنص إبليس به

وكل ذلك وجوه من وجوه محبة الرب الإله

حكمة المحبة تظهر على الصليب

رحمة المحبة تظهر

وعدل الصليب يظهر

فكيف يكون هناك تناقض يحلّه الرب؟

كلا

بل هناك توافق يعلنه الرب

توافق اختبأ عن بصر العميان قبلاً

وكانوا في عماهم يتحسسون تفسيراً وينصنعون ثيولوجي

وكله ثيولوجي عميان وتفسير عميان

 

ولكن: 

إن كان الرب كله لنا على الصليب

فكلّه علينا بعيداً عن الصليب

لأن الصليب وحده هو موضع رضا وسرور الرب

 فإن كنا مع المسيح على الصليب كان لنا الرب عادلاً يحكم لنا ورحيماً يترفق بنا

 وإن كنا بعيدين عن الصليب

حُسِبنا أضداداً للصليب

لأن من ليس مع الرب فهو عليه

ومن ليس "على صليبه" فهو عليه

 ومن كان ضداً للصليب صار ضداص للمصلوب

وصار المصلوب كله عليه

 عدل الرب أن يحكم عليه بتبعية الرياسات المشهرة والمثجرَّدة فيشره ويجرده في يوم يحكم على أضداده

عدل الرب ان يدين الخطية فيجدها فيه ويجده فيها فيدينه مع خطيته

 

ورحمة الرب ليست فقط ليست لذاك الضد

بل فوق أنها ليست له فهي عليه

لأنه من رحمة الرب أن يرحم ملكوته الطاهر وشركة ابراره وقديسيه من الأشرار المحبين لإبليس والثابتين في خطاياه

الرحمة أيضاً هي عليه

 

وليس قول ولا كلام

لأننا نحن نطلب رحمة لأعداء الرب وصليبه

وهم أنفسهم لا يطلبونها لأنفسهم

 

فهل سمعنا محكوماً عليه بموضع الشِمال مطروحاً في الخارج يطلب رحمةً لنفسه؟

بل كانوا يفرون من وجه الحمل القائم كأنه مذبوح على الصليب

ويطلبون الرحمة من الجبال لتسقط عليهم والمغاير لتبلعهم والبحر ليخبئهم

 

ولكنهم لم يطلبوا رحمة الرب

كان واضحاً لهم ان رحمة الرب عدلاً عليهم فلم يطلبوها

 

وأما الذين استرحموا رغم غلق الباب، والذين تمحكوا في كونهم تنبئوا باسم الرب، فهؤلاء من الفريق الغبيّ غباءً بعيداً، إذ حملوا اسم الرب وغشّوا به أنفسهم

وما يزالون يغشون أنفسهم في اليوم الأخير في مواجهة عدل الرب طالبين رحمته بلا فهم، فجلبوا على أنفسهم حكم الرحمة بقاءً في الظلمة الخارجية وسماع كلمة لا أعرفكم وبقاءً في الظلمة الخارجية

اجل رحمة

رحمة بطهارة الملكوت وأهله

 

 

وأما نحن المُخَلَّصين فالرب كله لنا على الصليب

عدلاً قبل رحمةً

 

ولا عزاء للـ"مُفَسِّرين"

 

 

 

 

11

بانوراما يوم الفداء:

وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً

 

يُصنَع الفصح بين المسائين..

وقد بدأ الرب فصحه –الإفخارستيا- متلامساً مع إتمامه للفصح اليهوديّ.. بعد أكله وشرب حتى الكأس الثاني له..

تداخل فصح الرب في الكأس الثالثة للفصح اليهوديّ!!!

أي أنه:

أتم فصح اليهوم في ختام نهار الخميس

وبدا فصحه هو وختمه بالتسبيح في هتام نهار الخميس ومطلع ليلة الجمعة، ليتمم في صورة جسده المولود من العذراء الصليب بمساميره في صباح الجمعة بعدما سبق وأظهره في صورته التذكارية المذهلة كأنما ليعلن أنه حتذمه من قبل وقدم نفسه بنفسه ولم ياخذها احد منه..

والآن أفرق المفارقات الفارقة في تاريخ الناموس وأهله:

فإن من بقوا 1500 سنة يعيذدون بالفصح الرمزيّ تذكيراً وشرحاً وكرازةً بالفصح الفاعل المُنتضظَر، فطإنهم فاتوه في السنة المعنيّة..

ومن نكات هكذا مفارقة أليمة أنهم فاتو الفصح الحقيقيّ وهم منشغلين برمزه..

ومن نكات المفارقة أنهم طلبوا أن يتطهروا من دم الفصح الحقيقيّ لكيما لا ينجسوا احتفالهم برمزه..

 (بقية طقوس وذبائح أسبوع الفطير وجباتها كلها تُسمّى الفصح)..

وهكذا حفظوا غير مشكورين تمام اليوم الواحد للصليب حتى لا يبقى لليوم التالي..

فكان مساءٌ وكان صباحٌ.. يوماً واحداً..

ولكن لا علينا من اولئك، لننظر نحن أهل ناموس المسيح الجديد وأبناء الفصح الحقيقيّ كيف سار اليوم في إتمام الرمز..

لقد سار عمل التحقيق يوماً بيوم عبر الأسبوع الأقدس- أسبوع الآلام،

ليسرع ويسير ساعة بساعة في اليوم الأقدس- الجمعة، شاملاً فترة ما بين المسائين السابقين من نهار الخميس- خميس العهد الجديد، كملحق مبدئيّ له..

(رابط لجدول تفصيليّ)

وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً واحداً!!!

 

 

12

دعوة الفداء:

بين أعظم صرحتين ...

 

... قال يسوع أنا عطشان...

هذه دعوة الرب لنوال فدائه.. علذمها لخطورتها قبلاً وبعداً بأعظم صرختين من فمه وهما من ثمَّ أعظم صخرتين سمعتهما آذان بشر..

فإذاً:

بينأعظم صرختين دوتا في فضاء الأرض قال يسوع بلطف أنا عطشان..

قالها بلطف لأنها دعوة.. وقالها بلطف لأنها دعوة لحياة لطيفة دائمة الروحانيذة الصافية النقيّة الطاهرة..

وقالها بلطف لأن القائل لطيف..

أما أنه صرح فذلك لأن، ولكنه حين قدم دعوته بقوله: "انا عطشان" فقد قالها بلطف..

وقالها بلطف يأخذ صورة الوهن ولكنه لطف حيّ بقوة الـله..

وقالها بلطف حتى أنه لم يسمعها إلا أقرب الواقفين من الصليب..

ألم يسجلها وحده يوحنا الواقف قرب الصليب بمقتضى أمانة محبته؟

مثلما سمعه الجنديّ الواقف لصيقاً بالصليب بحكم عمله؟

 

فهل كان صوت الرب مخفوتاً بمقتضى وهن الصليب إذ صٌلِب من ضعف وفي ضعف؟

كلا فلقد صرخ قبلها وصرخ بعدها بصوت عظيم سمعه الجميع وسجله الجميع..

 

ولكن في صرخات الرب ما يخدم إبراز لطف صوته في التصريح بعطشه باكثر من مجرد إثبات أن الرب كان قادراً على رفع صوته غن أراد.ز

في الصرخات خدمة أخرى للطف صوت إعلانه عن عطشه..

كان إذ قد صرخ قبل كلمة عطشه ثم صرخ بعدها أنه وضع علامتين جليّتين،

تحددان كلمة عطشه وتتعهدان بإبرازها!!!!

 

وأي صخرتين كانتا تلكما؟

اعظم صرختين في تاريخ البشرية..

صرخة إعلان بلوغ عمق معركة الخاص الوجودية بقوله: "إلهي إلهي لماذا تركتني"

وصرخة إعلان انتصاره النهائيّ في المعركة ضد سلاطين الظلام بقوله: يا أبتاه في يديك أستودع روحي"..

صرخة بلوغ أوج المعركة وصرخة إعلان الانتصار فيها..

ولا أرهب من الواحدة إلا الأخرى، والعكس..

 

بين هكذا صخرتين همس يسوغ بكلمته: "أنا عطشان"..

لا يمكن لهكذا كلمة إذاً إلا أن تكون فارقة في الفداء بذات قدر الصرختين إن لم تكن أعظم من كلتيهما وهما البالغتين في عظمتهما كل مبلغ!!!!!

هي كلمة أعظم من كل العظمة واخطر من كل اخلطورة إذاً فيما يخص معركة الفداء..

فماذا تكون؟

إنها كلمة الدعوة لنوال الفداء..

الرب كان عطشاناً لنفوس مختاريه الذين هو الآن معلق على الصليب لأجل فدائهم..

الذين لأجلهم ولأجل خلاصهم نزل من السماء وارتفع على الصليب لكي يجذب الجميع إلى حتى حيث كان هو يكونون هم أيضاً..

بكل الوداعة بين أعظم صرختين سُمعَنا في الكون قدم الرب ويقدم دعوته لنوال الفداء الذي قدمه بدمه.. ولا أرقّ من قوله "أنا عطشان" إلى الارتواء ببلوغ مختاريه محلّهم معه على صليب الفداء، وكانت علامة رقة كلمته أنها كانت همساً لم يسمعه إلا يوحنا، دعكم من الجنديّ..

وهذه الكلمة كانت إجابتها "طعنة" لتتوسط طعنتين أخريين.. وكانت إعلاناً لنزيف ماء الرب المتواصل على الصليب متوسطاً بدوره نزيفي ماء عجيبين..

إنها كانت ثلاث مرّات نزف فيها الرب ماءه وثلاث مرات كانت المكافئة طعنة..

مرة نزف الرب ماءه عرقاً كقطرات الدم ليلة صليبه ليتلقّى طعنة بالقصبة على رأسه.. كانت طعنة لأن الضربة وقعت على غكليل الشكوك الذي كّل رأس الرب وقتها!

ومرة نزف الرب ماءه مع الدم بعدما مات بالجسد إذ طعنه الجنديّ ليستوثق من موته!!!

واما غذ قال الرب "انا عطشان" فكانت غعلاناً منه على الصليب أنه استنزف كل ماءه عليه..

وأتى الجواب برفع الخل له على "حربة"..

ثلاث مرات: نزيف ماء الرب مقابل طعنات البشر.. وفي المرة العُظمى الوسيطة فيهم كانت دعوة الرب للنفوس لقبول فدائه إذ ارتفع على الصليب ليجذب إليه الجميع—جميع المختارين!!!